تأمل الرب يسوع
لا أحدُ يُصدق أننى عرّقتُ حقاً دمَاً فى تلك اللّيلةِ في جسثيمانى، وقليلين يؤمنون أننى عَانيتُ أكثر بكثيرَ مما عانيته في سّاعاتِ الصّلبِ. لقد كانت هذه الساعات أكثر ألماً لأنه كُشفَ لى بوضوح أن آثام كل شخصِ قَدْ صارت آثامي وأنني يَجِبُ أَنْ أُجيبَ عن كل أحد. وهكذا أنا البريء النقي، أجبت الآب كما لو أنى كُنْتُ حقاً مذنباً بالتّضليلِ وبكل التّلوّثِ الذى تُرتكبونه يا أخوتي.
أنكم تُهينون الرب الذي خَلقكَم لتَكُونَوا آداه عظمةِ الكون ولم يخلقكم لتضلوا عن الطّبيعةِ المُعطاة لكم بغرضِ أن تأخذوا تدريجياً تلك الطّبيعةِ التى ستَقُودكِم لتَنْظروا تجلّي ذاتي الإلهيّة النقية، أنا خالقكَم. لذلك، جُعِلتُ لصاً، قاتلاً، زانياً، كاذباً، شخصاً مدنِّساً, شتّاماً, مشوِّه السّمعة, ومتمرّداً ضد الآب الذي أحَببتُه دائماً.
لقد كان التباين الكامل بين محبّتي للآب وبين إرادته السبب فى أن أعرق دّماًِ. لكننى أطِعتُ حتى النّهايةِ ومن أجل محبّتي لكل شخصِ، غَطّيتُ نفسي بالذّنوبِ حتى أستطيع أَنْ أنفذ إرادة أبى وأن أخلصكم من الدينونة الأبدية .
تأملوا بكم كثير من المعاناةِ الإنسانيةِ كان على أكابد فى تلك اللّيلةِ، وصدقوني، ما من أحد كان يقدر أَنْ يُخفّفَ مثل هذا الألمِ لأنني بالمقابل كُنْتُ أرى كيف أن كل واحد منكم قد كَرّس نفسه أن يَجْعلَ موتي قاسياً في كل لحظةِ ألم أُعطيت لي من جراء الإساءات التي كان علىّ أن أسدد عقوبتها بالكامل. أريدكم أن تعلموا مره أخرى كيف أنى قد أحببت كل البشر في تلك الساعة التى كان فيها الهجر والحزن بلا سبب
فى آلامي أُريدكَم أَنْ تأخذوا فى الاعتبار قبل كل شيء، المرارة التي سببتها معرْفتي للآثامِ التى تَظلمِ فكر البشر، التى تَقُود فكرهم نحو الانحراف. إن هذه الآثامِ تكون مَقْبولُة منكم فى أغلب الأوقات كثمرةِ ميولِ طّبيعيةِ، تدعون أنها لا يُمكنُ مُقَاومَتها بإرادة المرء. اليوم كثيرون ممن يحيِّون في خطايا مُهلكةِ، يلومون الآخرين أو القضاء والقدر، بدون أن يحاولوا التَخَلُّص منها. لقد رَأيتُ هذا في جَثْسَيْمَانِي وعَرفتُ الشر العظيمَ الذى ستواجهه نفسى. لقد رأيت كثيرون جداً يفْقدونُ بالرغم من ذلك وكم عَانيتُ من أجلهم! إن هؤلاء الملائكةِ قَدْ طَمأنوني على محبّتكَ أيها الآب، وهذه البهجةِ التى أرسلتها لى، قَدْ صنعت عملاً حسناً بالرغم من مقاومتي الطّبيعيةِ.
أمتلئ بقيّة الكهف برّؤى مخيفة من جرائمنا؛ لقد أخذها يسوع كلها على نفسه، لكن ذلك القلب الحبيب، الذي امتلأ بالحبّ الكلّي الكمال نحو الرب والإنسان، قد فاض بالألم وغُمر تحت ثقّل كثير جدا من الجرائم البغيضة. عندما عبرت هذه الكتلة الهائلة من الآثم على نفسه وصارت كأمواج محيط لا يسبر غوره، قدّم الشيطان له تجارب غير معدودة، كما فعل سابقاً في البرية، حتى تجاسر أن يقدّم اتهامات متعدّدة ضده. لقد صاح : " خذ كل هذه الأشياء على نفسك, هل لن تلوث نفسك " ثم وضع الرب فى الاتهام بوقاحة جهنمية، مضيّفاً جرائم خيالية. لقد انتقده بعيوب تلاميذه، الافتراءات التي سبّبوها، والاضطرابات التى سبَّبها للعالم بالتخلي عن العادات القديمة.
ولولا كونه حكيماً وصارماً، لكان من الممكن أن يفيق الشيطان فى هذه المناسبة؛ لقد انتقد يسوع لكونه كان سببا لمذبحة الأطفال، وتسبب أيضا فى آلام والديه في مصر، ولكونه لم ينقذ يوحنا المعمدان من الموت، ولكونه جلب الانشقاق في العائلات، حامياً رجال ذى شخصيات هزيلة، وأنه رفض أن يشفي أشخاصاً عديّدين، أنه ظَلَم سكان الجرجسيين لكونه سمح للأرواح النجسة أن تدخل الخنازير مما جعلها تلقى بنفسها في البحيرة؛ ولكونه هجر عائلته وبدد ملكية الآخرين؛ بكلمة واحدة، حاول أن يجعل يسوع يتردّد، لقد اقترح عليه كل فكر ممكن أن يغري به أى مُحتضر في سّاعة الموت وأن ما يريد أن يفعله لهو فوق قدرة البشر؛ لأنه قد أخفي عنه أن يسوع هو ابن الرب، وأغراه فقط كما يفعل مع كل البشر. إن مٌخلّصنا الإلهى أجاز بهذا لإنسانيته أن تخفى لاهوته، لأنه سرّ أن يتحمّل حتى ذلك الإغراء الذي يُهاجم النفوس المقدّسة في سّاعة الموت فيما يتعلق باستحقاق أعمالهم الجيدة. حتى أنه شرب كأس الألم حتى الثّمالة، لقد أجاز للرّوح الشّريّر أن يُجرب إنسانيته المقدّسة، كما يُجرب الإنسان الذي يجب أن يرغب فى أن ينسب إلى أعماله الجيدة بعض القيمة الخاصّة في نفسه، بالإضافة إلى ذلك ما يمكن أن يأخذه من قبل اتحاده باستحقاقات مُخلّصنا. لم يكن هناك فعل لم يستطيع أن يُشكل به بعض الاتهامات، وانتقد يسوع بأشياء أخرى كثيرة.
من بين آثام العالم التى أخذها يسوع على نفسه، رأيت آثامي أنا أيضا بوضوح وظهرت كل عيوبي تتدفّق نحوه من خلال التجارب التي أحاطت به. خلال هذا الوقت ثبّت عيناي على عريسي السّماوي؛ بكيت معه وصلّيت، والتفت معه نحو ملائكة المواساة. آه، إن إلهنا العزيز قد تلوّى حقا تحت ثقل آلامه وأحزانه !
بدا يسوع هادئاً في بادئ الأمر، بينما كان جاثياً على ركبتيه يصلّى، لكن بعد فترة صارت نفسه فزعة برؤية جرائم البشر الغير معدودة، وجحودهم نحو الرب، وألمه كان عظيماً جدا حتى أنه ارتعد وارتجف بينما يصيح : أبتاه، إن أمكن، فلتعبر هذه الكأس عنّي! أبتاه، إن كل الأشياء ممكنة لك, أزل هذه الكأس عنّي! " لكنه أضاف فى اللّحظة التالية: " ومع هذا، لتكن لا مشيئتى بل مشيئتك " أن مشيئته ومشيئة أبيه واحدة، لكن حبّه قد أستوجب أن يُترك الآن إلى كل ضعف طبيعته البشرية، لهذا ارتعد بمشهد الموت.
لقد رأيت المغارة التي كان راكعاً فيها ممتلئة بأشكال مخيفة؛ رأيت كل الآثام والفجور والرذائل وجحود البشرية تعذّبه وتسحقه إلى الأرض؛ لقد رأيت رهبة الموت والرّعب الذي شعر به كإنسان ينظر الآلام التّكفيرية التى كانت على وشك أن تقع عليه، تحيط به وتهاجم شخصه الإلهى تحت أشكال خيالات قبيحة. لقد سقط من جانب لآخر، شابكاً يديه؛ تغطّى جسده بعرق بارد وارتعد وارتجف. ثم نهض، لكن ركبتيه كانتا تهتزان وبالكاد تقدران على حمله؛ وجهه كان شاحباً، وتبدل مظهره تماما، شفتاه كانت بيضاء وشعره غير مُرتب.
عدل سابقا من قبل amsellek-iw في 25/9/2009, 17:06 عدل 1 مرات