يسوع مخلصي


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

يسوع مخلصي
يسوع مخلصي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
يسوع مخلصي

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

آلام المسيح, رؤية شاهد عيان

انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6  الصفحة التالية

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 3 من اصل 6]

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

تأمل الرب يسوع

لقَدْ اقتادوني أمام حنان وقيافا، حيث اُستقبلت بسّخرية وبإهاناتِ. أحد جنود حنان صفعني على خدّي. وكانت هذه هى الضربة الأولى التى تلقيتها فى المحاكمة ورَأيتُ فيها الخطيئةَ المُميتة الأولىَ لكثير من النفوس التي بعد ما عِاشَت في النّعمةِ، تقترف تلك الخطيئةِ الأولى .... خطايا أخرى عديدة تتبع تلك الخطيئةِ الأولىِ، أنها تؤدى كنموذجِ لتقترفها نفوس أخرىَ أيضاً. تلاميذي تَركوني وبطرس ظل مُختبئاً خلف سياجَ، بين الخدمِ، مُراقباً بدافع الفضولِ.
كَانَ معي رجالَ يُحاولونَ فقط أَنْ يُجمّعوا الجرائم ضدي, اتهامات تستطيع إلى حد بعيد أن تُثير غضب أمثال هؤلاء القضاةِ الأشرار. هناك تراءت لى وجوهَ كل الشّياطين، وجوه كل الملائكة الأشرار. لقد اتّهموني بإقلاق النظام، بأني محرض ونبي كذاب، اتهموني بالتجديف وبتَدْنيس السبت. والجنود اهتاجوا بتلك الافتراءات، صاحوا وتوعدوني.
حينئذ صَرخَ صمتي، مُزلزلاً جسدي بالكاملَ. أين أنتَم يا حواريي وتلاميذي الذين كنتم شهوداًَ لحياتي، شهوداً لتعاليمي ومعجزاتي؟ من كل هؤلاء الذين كُنْتُ أَتوقّعُ بعض البرهانِ عن الحبِّ، لم يكن هناك ولا واحد ليدافع عنى. لقد كنت وحيداًُ ومُحاطاً مِن قِبل جنودِ يُريدُون التهامي كذّئابِ.

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

الفصل الثاني والعشرون
الإهانات التى وُجهت ليسوع في محاكمة قيافا

ما أن غادر قيافا القاعة هو وأعضاء المجلس حتى أحاطت الحشود بيسوع كالزّنابير الغاضبة، وبدءوا ينهلون عليه بكل أهانة قابلة للتخيل. حتى خلال المحاكمة، بينما كان الشّهود يتكلّمون، لم يستطع الحرس وبعض من الآخرين أن يمتنعوا عن إظهار ميولهم الوحشية، فنزعوا الكثير من شعره ومن لحيته، صفعوه على وجهه، لكموه بقبضات أياديهم، جرحوه بعِصِي‏ مدبّبة، ووخزوه بالإبر في جسده؛ عندما ترك قيافا القاعة لم يضعوا حدوداً لهمجيتهم. أولاً وضعوا إكليلاً، مصنوعاً من القش وأغصان الأشجار على رأسه، وبعد ذلك أزالوه وًحيوه بكلمات مهينة، قالوا مثلاً : " انظروا ها هو ابن داود يرتدى تاج أبيه " و " ها هنا من هو أعظم من سليمان؛ ها هو الملك الذي يُعدّ وليمة العرس لابنه " وهكذا حوّلوا تلك الحقائق الأزلية إلى مادة للسّخرية, تلك الحقائق التي علّمها لهم من جاء من السّماء ليخلصهم من خطاياهم على صورة أمثال؛ وبينما كانوا يكررون هذه الكلمات السّاخرة، واصلوا ضربه بقبضات أياديهم وعصيهم وبصقوا في وجهه. ثم وضعوا تاج القش على رأسه.
ثم نزعوا عباءته، والقوا عباءة ممزّقة قديمة على كتفيه، بالكاد تصل لركبتيه؛ علّقوا سلسلة حديدية طويلة حول رقبته تنتهي بحلقة حديدية في كل نهاية ومزودة بأسنان حادّة، كبلوا ذراعيه ثانية، وضعوا قصبة في يدّه وغطّوا وجهه الإلهى بالبصاق. القوا بكل أنواع القاذورات على شعره وعلى صدره وعلى العباءة القديمة. عصبوا عينيه بخرقة قذرة وضربوه صارخين بأصوات عالية : تنبّأ لنا أيها المسيح، من الذى ضربك ؟ ", لم يجبهم بكلمة واحدة، بل تنهّد، وصلّى من أجلهم سراً.
وضعوا عليه غطاء رأس كبير يرتديه أعضاء المجلس، كان قيافا يضعه علي رأسه وكان ما زال في الغرفة، وبدوا مُبتهجين وهم ينظرون هذا المشهد المخزي الذي شرّعوا فيه، ناظرين بكل السرور للطقوس الأكثر قداسة وقد تحوّلت إلى مراسم للهزء. الحرّاس ألعديمي الرحمة غمروه بالطّين والبصاق، وبرزانة وهمية صاحوا : تسلم المسحة النّبوية, تسلم المسحة الملوكية ", ثم سخروا من مراسم الّعماد بشكل أثيم، ومن صنيع المجدلية فى إفراغ زجاجة الطيب على رأسه. صاحوا " كيف تجرؤ أن تظهر أمام المجلس بمثل هذه الحالة ؟ أتطهر الآخرين، ولا تقدر أن تُطهر نفسك؛ لكننا سنطهرك قريبا " وأحضروا حوضاً مملوءاً بالماء القذر، وسكبوه على وجهه وكتفيه، بينما احنوا ركبهم أمامه صائحين : " ها هى المسحة الثمينة, ها هو الطيب الذى يُقدر بثلاثمائة دينار؛ ها أنت قد تعمّدت في بركة بيت حسدا ". لقد تعمدوا أن يسخروا من تصرف المجدلية، عندما سكبت الطيب الثّمين على رأسه، في بيت الفريسي.
بعد عديد من الإهانات، أمسكوا بالسّلسلة التي علقوها على رقبته وسحبوه نحو الغرفة التي كان يتشاور فيها أعضاء المجلس، ودفعوه بعصيهم صائحين: تقدم يا ملك القش! أظهر نفسك للمجلس بشارة الشرف الملوكي التى نقدمها لك. "
لقد جروه حول الغرفة، أمام كل أعضاء المجلس، الذين استمرواّ يخاطبونه بلّغة تّأنيبية وسّيئة. بدا كل وجه كوجه شيطان غاضب، وكل ما حولهم كان مًظلماً ومشوشاً ورديئاً‏. يسوع بالمقابل رأيته كما رأيته فى تلك اللّحظة عندما أعلن فيها أنه هو ابن الرب، لقد كان مُحاطاً بهالة من النور. كثير من المّجتمّعين بدا عليهم أنه لهم معرفة مشوّشة بهذه الحقيقة، وامتلئوا بالذّعر بإدراك أنه لا إساءة ولا عار ممكن أن يُبدِّل‏ من السمة الملوكية لمُحياه .
حرّضت الهالة التي أشرقت حول يسوع منذ اللّحظة التى أعلن فيها نفسه أنه هو المسيح، ابن الرب الحيّ، حرّضت أعداءه على غضب أعظم، ومع ذلك كانت متألقة جدا حتى إنهم لم يستطيعوا أن ينظروا إليها، وأعتقد أن نيتهم برمي الخرق القذرة على رأسه كان لكى يخفون سطوعها.
تأمل الرب يسوع
تأمّلْوا كيف أساءوا معاملتي: لقد ضُربت على وجهي، بُصق عليّ، لوى عنقي ليُسْخرَ مني؛ نُتفت لحيتي؛ عُصرَ ذراعيّ؛ ضُربت على أعضاء رجولتي، وعندما سْقطتُ، جُررت من شعري.

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

الفصل الثالث والعشرون
إنكار القديس بطرس

في اللحظة التى قال فيها يسوع : " أنك قد قلت ذلك " وشق فيها رئيس الكهنة ثيابه، دوّت كل الغرفة بنّداءات صّاخبة. لم يستطع بطرس ويوحنا تحمل المنظر أكثر من ذلك، لقد تألما بشدة من المشهد الذي حدث فى التو، واجبرا أن يشهداه بصّمت، لهذا نهض بطرس ليترك الغرفة، وتبعه يوحنا فى الحال. ذهب يوحنا إلى العذراء المباركة، التى كانت في دار مرثا مع النّساء القديسات، محبّة بطرس ليسوع لم تجعله قادراً أن يتركه؛ قلبه كان يتمزق، وبكى بمرارة على الرغم من أنه سعى أن يمنع دموعه أو أن يخفيها. لقد كان من المستحيل عليه أن يبقى في المحكمة، فأن عاطفته العميقة برؤية آلام سيده الحبيب كانت ستخونه؛ لهذا دخل الدّهليز واقترب من النّيران التى كان يجلس حولها بعض الجنود وعامة الناس وكانوا يتحدّثون بأسلوب قاس ومثير للاشمئزاز‏ عن آلام يسوع ويقصون ما فعلوه هم بأنفسهم به. كان بطرس صامتاً، لكن صمته وسلوكه المحزن جعل من حوله يشكّون فى أمره. جاءت البوّابة نحو النيران في وسط الحديث ونظرت إلى بطرس وقالت " أنك أنت أيضا كنت مع يسوع الجليلي " باغتت هذه الكلمات بطرس ونبّهته؛ ارتعد لما يمكن أن يتبع ذلك إن اعترف بهذه ‏الحقيقة أمام رفاقه القساة، وأجاب بسرعة : " يا امرأة، أنى لست اعرفه " ونهض وترك الدّهليز. فى هذه اللحظة صاح دّيك من مكان ما عند أطراف المدينة. بينما كان بطرس يخرج نظرت إليه جارية أخرى وقالت لمن معها : " إن هذا الرّجل كان معه أيضا " والأشخاص الذين خاطبتهم سألوا بطرس فورا إن كانت كلماتها صادقة قائلين : " ألست واحداً من تلاميذ هذا الرّجل؟ " بطرس كان أكثر حذراً من ذى قبل وجدّد إنكاره قائلا : " كلا أنى لست أعرف هذا الرّجل. "
ترك بطرس القاعة الدّاخلية ودخل القاعة الخارجية وهو يبكي، وكان اضطرابه وحزنه عظيمان حتى أنه لم يفكر فى الكلمات التى نطقها تواً. كانت القاعة الخارجية قد امتلأت بالناس، وتسلّق البعض قمة الحائط ليستمعوا إلى ما يُقال في القاعة الدّاخلية التي مُنّعوا من دخولها. كان هناك بعض التلاميذ أيضاً، لأن قلقهم بخصوص يسوع كان عظيماً جدا حتى إنهم لم يتمكّنوا من أن يظلوا مختبئين في مغائر وادي هنوم. جاءوا إلى بطرس، وبكثير من الدّموع سألوه بخصوص سيدهم الحبيب، لكنه كان فاقداً شجاعته‏ وخائفاَ للغاية من خيانته، حتى أنه أوصاهم باختصار أن يخرجوا، حيث إنه من الخطر أن يمكثوا وتركهم فى الحال. لقد استمرّ يُطلِق العِنان لحزنه العنيف، بينما أسرعوا هم بترك المدينة. لقد ميزت بين هؤلاء التلاميذ، الذين كانوا حوالي ستة عشر، بَرْثلْمَاوُس، نثنائيل، ستيرنينوس، يهوذا برسابا، سمعان الذي أصبح بعد ذلك أسقف أورشليم، زكا، ومناحم، الرّجل الذي ولد أعمى وشفاه يسوع .
لم يستطيع بطرس أن يستريح فى أي مكان، وحبّه ليسوع حثّه على أن يرجع إلى القاعة الدّاخلية، التي سُمح له أن يدخلها، لأن يوسف الرامى ونيقوديموس كانا قد أدخلاه في المرة الأولى. ولكنه لم يدخل الدهليز، بل أنعطف يميناً وذهب نحو الغرفة المستديرة التي كانت خلف المحكمة، والتي كان يخضع فيها يسوع لكل احتقار وإهانة ممكنة من أعدائه القساة. سار بطرس بخوف نحو الباب، ومع أنه كان واعياً تماما أنه محل شكّ من قبل كل الحاضرين بأنه من الموالين ليسوع، ومع ذلك لم يتمكّن من أن يبقى خارجاً؛ حبّه لسيده دفعه للأمام؛ دخل الغرفة، تقدّم، ووقف قريبا في وسط الحشد البغيض الذي كان يمتّع نظره بآلام يسوع. لقد كانوا في تلك اللّحظة يجرونه بشكل مخز ذهابا وإيابا بتاج القش على رأسه؛ ألقى يسوع عليه نظرة حزينة جدا وحادّة، نظرة مزقت قلبه، لكنه كان لا يزال منتبّهاً للغاية، وفي تلك اللّحظة سمع بعضاً من الذين حوله يصيحون " من هذا الرّجل؟ " فرجع مرة أخرى إلي القاعة، وشاهد الناس الذين في الدّهليز يراقبونه، أتى نحو النيران ووقف أمامها لفترة. لاحظ بعض الأشخاص وجهه المضطرب الحريص وبدءوا يتكلّمون بكلمات مخزية عن يسوع وقال له أحدهم : " إنك أيضا أحد تلاميذه؛ أنك جليلي أيضا؛ أن لهجتك تُظهرك " نهض بطرس معتزماً أن يترك الغرفة، عندما أتى شقيق ملخس إليه وقال : " هل لم أرك في البستان معه؟ ألست أنت الذى قطع أذن أخي؟ "
حينئذ أصبح بطرس بغاية الرّعب؛ بدأ يلعن ويقسم " إني لست أعرف الرّجل " وخرج من الدّهليز إلى القاعة الخارجية؛ حينئذ صاح الدّيك مرة ثانية، وكان يسوع في تلك اللّحظة يُقتاد عبر القاعة، ألقى نظرة ممتزجة بالحنو والأسى على تلميذه. طعنت نظرة يسوع تلك قلب بطرس، لقد ذكّرته بالأسلوب القويّ والشديد الذى تكلم به يسوع معه فى المساء السّابق : " أنك قبل أن يصيح الدّيك مرّتين, ستنكرني ثلاث مرات." لقد نسى كل وعوده وتأكيداته إلى يسوع، أنه ممكن أن يموت بدلا من أن ينكره, لقد نسى تحذير يسوع له؛ لكن عندما نظر إليه يسوع، شعر بفداحة ذنبه، وقلبه كان يطفح بالأسى. لقد أنكر سيده، عندما كان ذلك السيد المحبوب مهاناً، مُذلاً, مُسلّماً في أيادي قُضاة ظّالمين، عندما كان يعاني كلّ شئ بصبر وبصّمت. أن إحساسه بالنّدم كان فوق كل تعبير؛ لقد رجع إلى القاعة الخارجية وغطّى وجهه وبكى بمرارة؛ كل خوفه من أن يتعرفون عليه قد ولى؛ وكان مستعداً أن يعلن للعالم كله ذنبه وتوبته.
لقد ترك الرب بطرس لقوته، وهو كان ضعيفاً، مثل كل من ينسون القول " اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة "

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

تأمل الرب يسوع
بينما كان قلبي يَعاني من كل هذه المِحَنِ، بطرس، الذي وَعد منذ ساعات مضت أَنْ يتبعني حتى الموت، أُنكرني فى إجابة لسؤالَ بسيطَ قد وجه إليه وكَانَ ممكن أَنْ يَخْدمه في إعْطاءِ شهادةِ عنّي. ولأن الخوف أُستوليْ عليه أكثر، عندما تكرر السّؤال، أقسمُ بأنّه ما سَبَقَ أَنْ عَرفني قط ولا أنه تلميذي. بَسْؤُاله لثالث مرة، أجابَ بلّعناتِ رديه .
أبنائي الصغار، عندما يَحتجُّ العالم ضدي وتتحول عنى نفوس مُختَاَرينى، واَرى نفسي متَروكاً ومُنكرُاً، هَلْ تَعْرفُون كم تكون عظمة الحزنُ والمرارةُ في قلبي؟
سَأُخبرهم كما أخبرتُ بطرس : أحبائي، يا من اَحْبّهمُ كثيراً، هَلْ لا تَتذكّرونُ اختبارات الحبِّ التي أعطيتها لكَم؟ هَلْ نَسيتمَ كم مرة وعدتموني أنْ تكُونواَ أمناء وأَنْ تدافعوا عنى ؟ أنكَم لا تثقون بأنفسكم لأنكم ضالون؛ لكن إن أتيتم لي باتضاع وبإيمان ثابت، لا تخافوا شيئاً؛ فأنكم ستكونون مسنودين جيّداً .
أحبائي، يا من تحيون مُحفوفين مِن قِبل كثير من الأخطارِ، لا تَدْخلُوا في فرص الخطيئةِ من خلال الفضولِ العقيمِ؛ كُونُوا حذرينُ فأنكم قد تَسْقطون مثلما سقط بطرس.
وأنتَم يا من تَعْملُون في كرمى، إن شْعرتُم أنكم تتحركون بدافع الفضولِ أو بدافع بعض الإشباع البشرىِ، فسَأُقول لكم أَنْ تَهْربَوا. لكن إن كنتم تَعْملُوا من أجل الطاعةِ وكنتم مَدْفوعينُ بتأجج من أجل النفوس ومن أجل مجدي، فلا تخافوا. فأنا سَأَحْميكَم وأنتَم ستغلبون.
عندما آخذني الجنود سجيناًَ، كَانَ بطرس نصف مُختبئ في أحد الأروقةِ وسط الحشودِ. نظراتنا تلاقت؛ عيناه كانت مُتحُيّرةْ، لقد كان ذلك لجزء من الثانية فقط ومع ذلك، أخبرته بالكثير!... لقد رَأيته يَبكى بمرارة لخطيئته وبقلبي قلت له : " إن العدو قَدْ حَاولَ أَنْ يَمتلككَ لكنى لم أَتْرككَ. أنى اَعْرفُ أنّ قلبكَ لم ينكرني. كُنُ مُستعداً لمعركةِ اليومِ الجديدِ، للمعارك المتكررة ضدّ الظّلمةِ الرّوحيةِ وأعد نفسك لتتلقى أخباراً جيدة. إلى اللقاء يا بطرس . "
كم من مرة اَنْظرُ نحو النفس التى أَثمتُ، لكن هَلْ تَنْظرُ هى إلىّ أيضا ؟ ليس دائما تتلاقى أعيننا. كم كثيراً من المرات اَنْظرُ إلي النفس وهى لا تَنْظرُ إليّ؛ أنها لا تَراني؛ إنها عمياء.... إنى اَدْعوها باسمها وهى لا تُجيبني. أُرسل لها الأحُزانَ، الآلام، عسى أن تستطيع أَنْ تفيق من نومها، لكنها لا تُريدُ أَنْ تَستيقظَ.
أحبائي، إن لم تَنْظرُوا نحو السّماءِ، فأنتَم سَتَحيون ككائناتِ محَرومةْ من الحافزِ. ارفعْوا رؤوسكَم وتأمّلْوا المسكن الذي ينتظركَم. ابحثواْ عن إلهكَم وأنتَم سَتَجدونه دائما وعيناه مًثَبّتة عليكم، وفي نظرته سَتَجدُون سلاماً وحياة.

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

الفصل الرابع والعشرون
العذراء مريم في دار قيافا

كانت العذراء المباركة متّحدة دوماً بابنها الإلهي باتصالات رّوحية دّاخلية؛ لهذا كانت مُدركة بالكامل لكل ما يحدث له, لقد عانت معه، وانضمت إلي صلاته المستمرة من أجل قاتليه. لكن مشاعرها الأمومية حثّتها أن تتضرّع إلى الرب القدير بكل تأجج ألا يجعل الجريمة تكتمل، وأن ينقذ ابنها من هذا العذاب المخيف. لقد رغبت بلهّفة أن ترجع إليه؛ وعندما جاء يوحنا إلى دار لعازر ليعتني بها بعدما ترك المحكمة في اللحظة التى ارتفع فيها الصياح المخيف : " أنه مذنب ومستحق الموت " وروى تفاصيل المشهد المخيف الذى شهده، ترجته العذراء والمجدلية وبعض من النّساء القدّيسات الأخريات أن يأخذهن إلى حيث يعاني يسوع. يوحنا، الذي كان قد ترك مُخلصنا تواً من أجل أن يواسي تلك التى يحبها أكثر من أى أحد بعد مُعلمه الإلهى، استجاب فى الحال لطلبهم وقادهم خلال الشّوارع التي كانت مضاءة بالقمر فقط، ومزدحمة بأناس يتعجلون للرجوع لبيوتهم. النّساء القدّيسات قد تحجبن بإحكام‏؛ لكن البكاء الذي لم يستطعن منعه جعل عديد ممن يعبرن عليهن يلاحظهن، وتعَذَّبت مشاعرهن بالألقاب البذيئة التى سمعنها مُصادفة والتى مُنحت ليسوع من قبل أولئك الذين كانوا يتحدّثون عن موضوع اعتقاله. العذراء المباركة، التي نظرت دوما بالروح المعاملة المخزية التي ينالها ابنها العزيز، استمرت تضع فى قلبها كل هذه الأشياء؛ وقد عانت مثله في صّمت؛ لكن أكثر من مرة كانت تغيب عن الوعي تماما. رآها بعض تلاميذ يسوع الذين كانوا عائدين من قاعة قيافا، وتوقفوا لينظروها بشفقة وحيوها بهذه الكلمات : " السلام لك! السلام للأم الحزينة، السلام لأم أقدس من فى إسرائيل، لأكثر الأمهات ابتلاء ! " فرفعت مريم رأسها وشكرتهم بامتنان، وواصلت رحلتها الحزينة.
عندما اقتربوا من دار قيافا, ازدادت أحزانهم برؤية بعض الرّجال مُنشغلين فى إعداد الصليب لصلب يسوع. أصدر أعداء يسوع أوامر أن يُعدّ الصّليب بعد اعتقاله مباشرة، حتى ينفذوا العقوبة التي يأملوا أن يقنعوا بيلاطس أن يُجيزها عليه دون تأخير. كان الرومان قد اعدواّ صليبي اللّصين مسبقا، وكان العمّال الذي يُعدون صليب يسوع مُتذمرين كثيراُ لكونهم مُضطرين أن يعملوا خلال اللّيل؛ إنهم لم يحاولوا أن يخفوا تذمرهم من هذا، ونطقوا بأقسام ولّعنات مُخيفة طعنت قلب أم يسوع الحنونة مراراً وتكراراً؛ لكنها صلّت من أجل هذه المخلوقات العمياء التي تجدف بجهل على المُخلص الذي كان على وشك أن يموت من أجل خلاصهم ويعدون الصّليب ليُنفذ عليه هذا الحُكم القاسي بالإعدام‏.
اجتازت مريم ويوحنا والنساء القدّيسات القاعة الخارجية الملحقة بدار قيافا. وقفوا عند الباب الذي يُفتح على القاعة الدّاخلية. قلب مريم كان مع ابنها الإلهى ورغبت بتوهج أن ترى هذا الباب مفتوحاً، كى تتمكن أن تراه لأنها عرفت أن هذا الباب هو الشيء الوحيد الذى يفصلها عن السّجن حيث قد سُجن. فُتح الباب وأسرع بطرس خارجاً، وجهه كان مغطّى بعباءته وكان يعتصر يديه ويبكى بمرارة. على ضوء المشاعل تعرف فى الحال على يوحنا والعذراء المباركة، لكن رؤيتهم جدّدت مشاعر النّدم التي أيقظتها نظرة يسوع في صدره. اقتربت منه العذراء على الفور وقالت : " سمعان، اخبرني، أتوسّل إليك، ما هو حال يسوع، أبني!" طعنت هذه الكلمات قلبه؛ لم يتمكّن حتى أن ينظر إليها، بل استدار، واعتصر يديه ثانية. اقتربت مريم منه وقالت في صوت يرتجف بالانفعال : " يا سمعان بن يونا، لماذا لا تجيبني؟ " صرخ بطرس بنغمة حزينة " أماه، لا تتكلّمي إلى, لأن ابنك يعاني أكثر مما تستطيع أن تعبر عنه الكلمات, لا تتكلّمي إلى! لأنهم قد أدانوه إلى الموت، وأنا أنكرته ثلاث مرات " جاء يوحنا ليسأل بضعة أسئلة، لكن بطرس ركض خارج القاعة ولم يتوقف للحظة واحدة حتى وصل مغارة في جبل الزيتون, تلك المغارة التى انطبعت على صخورها يدا مُخلّصنا على نحو عجيب. أعتقد إنها ذات المغارة التى أتخذها آدم مأوى ليبكي فيها بعد سقوطه.
كانت العذراء المباركة حزينة بما يفوق الوَصْف‏ بسماع ما أوقع الألم على قلب ابنها الإلهي الحبيب، الألم بأن يجد نفسه مُنكراً من قبل ذلك التّلميذ الذي كان أول من اعترف به كابن الإله الحيّ؛ لقد كانت عاجزة عن أن تسند نفسها، ووقعت على حجارة الباب، التي أنطبعت قدميها ويديها عليها حتى الوقت الحاضر. لقد رأيت الحجارة تُحفظ بمكان ما لكنى لا أستطيع أن أتذكر أين فى هذه اللّحظة. لم يُغلق الباب ثانية، لأن الحشد كان يتفرق، وعندما أفاقت العذراء المباركة، توسلت إليهم أن يأخذوها إلى أقرب موضع ممكن لابنها الإلهى. قادها يوحنا حينئذ هى والنّساء القدّيسات إلى مقدمة السّجن حيث قد أُحتجز يسوع. مريم كانت مع يسوع بالرّوح، ويسوع كان معها؛ لكن هذه الأم المحبّة رغبت أن تسمع بأذنيها صوت ابنها الإلهى. لقد أصغت وسمعت ليس فقط تأوهاته، بل أيضا اللّغة السّيئة لأولئك الذين حوله. كان من المستحيل على النّساء القدّيسات أن يبقين في القاعة أكثر من ذلك دون جذب الانتباه. حزن المجدلية كان عنيفاً جدا حتى أنها كانت عاجزة عن أن تخفيه؛ وعلى الرغم من أن العذراء المباركة، بنعمة خاصّة من الرب القدير، احتفظ‏ت بهدوئها ووقارها وسط آلامها، إلا أنها عرفت وسمعت كلمات قاسية مثل هذا : " أليست هذه أم الجليلى؟ سيُعدم ابنها بكل تأكيد، لكن ليس قبل الاحتفال، ما لم يكن قبله، حقا، إنه لمن أعظم المجرمين."
تركت العذراء المباركة القاعة وصعدت إلى المستوقد‏ في الدّهليز، حيث كان لا يزال بعض الأشخاص واقفين. عندما وصلت للبقعة التى أعلن يسوع فيها أنّه ابن الرب، وصرخ حينئذ اليهود الأشرار : " أنه مذنب ويستحق الموت " غابت عن الوعي ثانية، وحملها يوحنا والنّساء القديّسات بعيداً، بمظّهر يشبه مظهر جثة أكثر من كونها شخص حيّ. لم يتفوه المحيطين بهم بكلمة؛ بدوا مندهشين وصمتوا .
عبرت النّساء القدّيسات المكان ثانية حيث كان يعدّ الصّليب؛ بدا أن العمّال يجدون صعوبة في إكماله بنفس قدر الصعوبة التى واجهها القضاة في إصدار العقوبة وكانوا مُجبرين أن يجلبوا خشباً جديداً فى كل لحظة، لأن بعض القطع لم تكن ملائمة، والأخرى تنشطر؛ استمر هذا حتى وضعت أنواع مختلفة للخشب في الصّليب طبقا لنوايا التّدبير الإلهى. رأيت الملائكة التي ألزمت هؤلاء الرّجال بإكمال عملهم، ولم يتركوهم يستريحون، حتى تم كل شئ بأسلوب صحيح؛ لكن تذكري لهذه الرّؤيا غَيْر متميِّز‏ .

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

الفصل الخامس والعشرون
اعتقال يسوع في سّجن تحت الأرض
أودع اليهود يسوع سجن صغير، بعد ما استنزفوا همجيتهم تماما، ليبقى فيه حتى الصباح. لازمه اثنان من الحراس، وقد استبدلوا باثنين آخرين فيما بعدً. لقد كان ما زال يرتدى العباءة القذرة القديمة، ومُغطّى بالبصاق والقاذورات الأخرى التي القوها عليه؛ لأنهم لم يسمحوا له أن يرتدى ملابسه ثانية، بل أبقوا يديه مُقيدتين بأحكام معاً.
عندما دخل يسوع هذا السّجن، صلّى بأكثر توهج لأبيه السّماوي أن يقبل كل ما يعانيه، وكل ما هو عتيد أن يعانيه كذبيحة كفارية، ليس فقط أن يقبل عذاباته، بل أيضاً عذابات كل الذين عليهم أن يتألمون في العصور التالية مثلما قد تألم هو، ويكونوا مُجربين بنفاد الصبر أو بالغضب.
لم يسمح أعداء الرب له بلحظة راحة، حتى في هذا السّجن الكئيب، بل قيدوه إلى عمود منتصب في وسطه، ولم يسمحوا له أن يتّكئ عليه، على الرغم من أنه كان مستنزفاً تماما من المعاملة السيئة ومن ثقل سلاسله وسقوطه العديد، حتى أنه كان يستطيع بالكاد أن يسند نفسه على قدميه المتورمتان والممزّقتان. لم يتوقفوا للحظة عن أهانته؛ وعندما تعبت المجموعة الأولى، أبدلوها بأخرى .
من المستحيل تماما أن أصف كل ما عاناه قدوس القديسين من هذه الكائنات القاسية؛ لأن المنظر أثّر فيّ جدا حتى أنى أصبحت مريضة حقا، وشعرت كما لو أننى لست أستطيع أن أحيا آلامه. نحن يجب أن نخجل حقاً من ذلك الضّعف الذي يجعلنا عاجزين عن أن نستمع برباطة جأش لأوصاف تلك الآلام التي تحملها الرب بشكل هادئ جداً وبصبر من أجل خلاصنا أو التكلّم عنها. إنّ الرّعب الذى نشعر به عظيم مثل رعب ذلك القاتل الذي يُجبر على أن يضع يديه على الجراح التى أوقعها هو بنفسه على ضحيّته. لقد تحمّل يسوع كل شئ دون أن يفتح فاه؛ أنى أنا أيضاً آثمة عظيمة، وآثامي تسبّبت فى هذه الآلام. فى يوم الدينونة، عندما ينكشف المستور، نحن سنرى النصيب الذى قد تسببنا فيه من العذاب الذى تحمّله ابن الرب؛ سنرى كم كثيراً قد تسبّبنا فيها من قبل الآثام التى نرتكبها بشكل متكرر، وأنها في الحقيقة، شكل من أشكال الموافقة التي نبديها والاشتراك الفعلي في العذاب الذي لاقاه يسوع من قبل أعدائه القساة. إن تأملنا بجدية فى هذا، نحن يجب أن نكرّر بأعظم تأجّج الكلمات الذي نجدها في كتب الصّلاة : " إلهى، هبني أن أموت، بدلا من أهينك مرة أخرى بالخطيئة."
استمرّ يسوع يصلّي من أجل أعدائه، ولكونهم تعبوا تركوه أخيرا في سّلام لوقت قصير، عندما اتّكأ على العمود ليستريح، أشرق حوله نور ساطع. كان النهار قد بدأ يلوح، إنه نهار يوم آلامه، أنه يوم فدائنا، واخترق شعاع ضعيف فتحة ضّيّقة فى السّجن، سقط على الحمل المقدّس الذي بلا عيب، الذي اخذ على نفسه كل آثام العالم. التفت يسوع نحو شعاع النور ورفع يديه المكبلتين، وبأسلوب بغاية التأثر، قدم الشكر لأبيه السّماوي لأجل فجر ذلك اليوم، ذلك الفجر الذي اشتاقت إليه الأنبياء طويلاً، والذي أشتاق هو إليه بحماس منذ لّحظة ميلاده على الأرض والذي أشار إليه لتلاميذه عندما قال لهم: " لِي مَعْمُودِيَّةً عَلَيَّ أَنْ أَتَعَمَّدَ بِهَا، وَكَمْ أَنَا مُتَضَايِقٌ حَتَّى تَتِمَّ ؟ " لقد صلّيت معه؛ لكنى لا أستطع أن أتذكر كلمات صلاته، لأني كنت مُنهكة بالكامل، ومتأثرة بسماعه يقدم الشكر لأبيه عن الآلام الفظيعة التي يتحمّلها بالفعل من أجلي، ولأجل أعظم الآلام التي كان على وشك أن يتحمّلها. لقد استطعت فقط أن أكرّر مرارا وتكرارا بأعظم تّأجّج : " إلهى، أتوسّل إليك, أعطني هذه الآلام؛ أنها تخصني أنا؛ إنى استحقها كعقاب عن آثامي " لقد أنهكت تماما بمشاعر الحبّ والحنان عندما نظرت كم أنه يرحب بفجر يوم تضحيته العظيم، وذلك الشعاع الذي اخترق سجنه ربما يكون مُماثلا لزيارة القاضي الذي يرغب أن يتصالح مع مجرم قبل أن تنفذ فيه عقوبة الموت التي قد أصدرها ضده .
استيقظ الحراس، الذين كانوا مغلوبين بالنعاس‏، للحظة ونظروا إليه بدهشة: لم يقولوا شيئاً، بل بدوا متعجّبين وخائفين. لقد سُجن يسوع في هذا السّجن حوالي ساعة.

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

تأمل الرب يسوع

تأملوني في السّجنِ حيث قضيت جزءَ من اللّيلِ. أُهانني الجنود بالكَلِماتِ والأفعالِ، لقد كانوا يَدْفعوني ويَضْربوني وسْخروا من حالي كإنسان .
بقرب الفجر، سئموا مني، فتَركوني وحيداًَ مُقيداً في غرفة مُظلمةِ، رطبة وذات رائحة كريهةِ، مليئة بالجرذانِ. لقَدْ قيدوني بطريقة بحيث كَانَ لِزاماً علّي أَنْ أقف أو أجلس على صخرةِ مدبّبةِ كَانتْ هى كل ما أعطوه لى كمقعدِ. جسدى المتَوَجُّع قَدْ تخُدّرَ تقريباً من البردِ. تَذكّرتُ آلافَ المرات التي دثرت فيها أمي جسدي، تُغطيني عندما أكُونْ فى حاجة للدفء .. فبكيت .
فلنُقارنُ الآن بين الهيكل والسّجنِ، وقبل كل شئ، بين السجن وقلوبِ البشر. فى السّجنِ قضيت ليلهَ واحدة.... كم عدد اللّيالي التى أقضيها في الهيكل ؟
فى السجنِ الجنودِ الذين كَانواَ أعدائي, جَرحوني؛ أما في الهيكل فأُعاملُ بشكل سيئ وأهانَ من قبل نفوس تَدْعوني أباها. فى السّجنِ كُنْتُ حزينَاً وخجلاناً، جوعاناً ونعساناً وبردَاناً، متَوَجُّعا ووحيداً ومهجوراً. لقد كنت أستطيع أَنْ أري، على مدى الزمنِ، كيف في كثير جداً من الهياكل لَنْ يَكونَ عِنْدَي كساء الحبِّ. كثير جداً من القلوبِ الباردةِ سَتَكُونُ لي مثل هذه الصّخرةِ التى في السّجنِ!
كثيراً جداً من المرات سَأكُونُ عطشان للحبِّ، عطشان للنفوس! أياماً كثيرة جداً انتظر أن تَزُورني نفس، أن تلاقيني في قلبها لأننى قضيت اللّيل كله وحيداً وقَدْ فَكّرتُ فى تلك النفس من أجل أَنْ تَرْوي عطشي! مرات كثيرة جداً أَشتاقُ لأحبائي، أشتاق لوفائهم ولكرمهم!
هَلْ يَعْرفونَ كيف يُهدّئون هذا الشّوقِ؟ عندما يكون عليهم أَنْ يتألموا يسيراً، هل سَيَعْرفونَ أَنْ يُقولوا لى : " أنْ نَكُونَ معك في وحدتكَ, فهذا سيُساعدكُ على أَنْ تُهدّئَ حزنكَ" ؟. وأه ! ليتكم على الأقل تتحدوا معى, وطالما أنكمَ تَواسون قلبي، فأنكمَ ستطوقونه بالكامل بالسّلامِ وسيتُقَوَّى.
فى السّجنِ شَعرتُ بالخجل عندما سَمعتُ الكَلِماتَ المروّعةَ التي قِيلتْ عنيّ، وذلك الخجل نَما عندما رَأيتُ أن هذه الكَلِماتِ نفسهاِ سَتُكرّرهاُ النفوس الحبيبةِ.
عندما صفعتني وضَربتني تلك الأيادي، رَأيتُ كيف أنه فى كثير من المرات سَأكُونُ مصفوعاً ومضُروباً مِن قِبل كثير جداً من النفوس التي بدون أن تُطهر نفسها من الخطيئةِ، بدون أن تُنظّفُ مسكنها بالاعتراف الجيدِ، تتناولني. رأيت أن تلك الآثامِ المألوفةِ ستَضْربني مراراً وتكراراً, رأيت عندما سيجْعلونني اَنْهضُ بدَفْعي، بَكُونُي بلا قوةَ وبسبب السّلاسلَ التى تقيدني، سْأسقطُ على الأرض. رَأيتُ كيف أن كثير جداً من النفوس التى تقيدني بسلاسلِ الجحودِ، ستَتْركني اَسْقطُ على الأحجارِ مُجدّدينُ خزيي ومُطيلُين وحدتي.
تأمّلواُ يا نفوسى المُختَاَرة، تأمّلواُ عريسكم في السّجنِ. تأمّلوني فى تلك الليلةِ واعلموا أن هذه الآلام تطولُ في عزلة كثير جداً من الهياكلِ، تطول هذه الليالي في برودةِ كثير جداً من القلوبِ.
إن أُردتم أَنْ تَعطوني برهان عن محبّتكمَ، اَفْتحُوا لى قلوبكمَ لأستطيع أَنْ اَجْعلها سجني. قيدوني بسلاسلِ محبّتكَم. غطوّني برقتكم؛ غذّوني بحنانكم. أروْا عطشي بتوهجكم. واسوا أحزاني ووحدتي بمشاركتكَم الأمينة. اجعلْوا خزيي يَختفي بنقاوتكمَ وبنواياكمَ الصّادقةِ. إن كنتم تُريدوا أَنْ أستَريحَ فيكم، تجنّبُوا صخب أهوائكم وفي صمتِ نفوسكم، أنا سَأَنَامُ بسلام .
من وقت لآخر سَتَسْمعُون صوتي يُخبركمَ بهدوء: يا عروسي، أنك الآن موضع راحتي، سَأكُونُ أنا موضع راحتك إلى الأبد. إليكم، يا من تُزوّدني بقلوبكم كسجن بكثير من التكريسِ والحبِّ، أنى أَعدُكم أنّ أجركم سيكون بلا حدودُ، والتّضحيات التى أديتموها من أجلي خلال حياتكَم لَنْ تجعلكم فى الموازين لأسفل .
عندما كنت في السّجنِ رَأيتُ المقتدين بآلامى يَتعلّمونَ منى وداعتي، يتعلمون صبري وسكوني. ليس فقط بقبول الآلام والازدراء، بل مُحبين حتى الذينََ يَضطهدونهم، وأن اقتضى الأمر، يَضحّون بأنفسهم من أجلهم كما ضَحّيتُ أنا بنفسي.
خلال ساعات العزلة تلك وفي غمرة كثير من الآلام، صرت متوهجاً أكثر فأكثر برغبتى فى إكمال إرادة أبى بالتمام. . هكذا قدمت نفسي لأصلح مجده المُهان بعمق! هكذا أنتم آيتها النفوس التقية, الذين تجدوا نفوسكم في سّجن اختياري من أجل المحبة، أكثر من مرة ستكونون في أعين الآخرين كمخلوقات بلا فائدة ومن المحتمل مخلوقات ضارّة، لا تخافوا. دعوهم يصيحون ضدكم, وخلال ساعات الألم والعزلة تلك, وحدوا قلوبكم بحميه مع إلهكم، مع موضوع محبتكم الوحيد. كفروا لأجل مجده المهان من قبل كثير جداً من الآثام.

بينما كان يسوع في هذه الزّنزانة، يهوذا، الذي كان يتجوّل أعلى وأسفل وادي هنون كالمجنون، توجه نحو دار قيافا بالثلاثين قطعة فضة، مكافأة خيانته، التى كانت ما زالت مُعلقة على خاصرته. كل شئ حوله كان صامتاً، وتوجه إلى بعض الحراس، دون أن يتركهم يعرفون من هو، وسألهم عما حدث للجليلي. كانت الإجابة : " لقد أدين بالموت، وسيصلب بالتأكيد ". مشي يهوذا ذهابا وإيابا، واستمع إلى الأحاديث المختلفة التي تختص بيسوع. البعض تكلّم عن المعاملة القاسية التى نالها، تكلم آخرون عن صبره العجيب، بينما آخرين، ثانية، ناقشوا باهتمام المحاكمة المهيبة التي ستحدث في الصّباح أمام المجلس العظيم.
بينما كان الخائن يستمع بلهّفة إلى الآراء المختلفة، أشرق النهار؛ شرع أعضاء المحكمة فى استعداداتهم، وانسلّ يهوذا خلف البناية لكى لا يراه أحد، لأنه مثل قايين طلب أن يخفي نفسه عن أعين البشر، وبدأ اليأس يدب فى نفسه. الموضع الذي اتخذه كمخبأ صادف وكان نفس البقعة التى كان العمّال يعدّون فيها الخشب لصنع صليب يسوع؛ كل شئ كان مُعداً، والرّجال كانوا نائمين بجانبه. امتلأ يهوذا بالرّعب من المنظر: ارتجف وهرب عندما نظر آداه ذلك الموت القاسي الذي أسلّم إليه إلهه وسّيده لقاء مبلغ تافه من المال؛ جرى ذهابا وإيابا في آلام مُبرِّحة‏ من النّدم، وأخفى نفسه أخيرا في مغارة مجاورة، حيث صمّم على أن ينتظر المحاكمة التي كانت ستحدث في الصّباح

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

الفصل السادس والعشرون
محاكمة الصّباح
تجمّع قيافا وحنان والشيوخ والكتبة مرة أخرى في الصّباح في القاعة الكبيرة ليعقدوا محاكمة قانونية، لأن اجتماعات الليل لم تكن قانونية، ويمكن فقط أن تنظر التمهيد للمحاكمة. نام أغلب الأعضاء في دار قيافا، حيث أُعدت لهم الأسرّة، لكن البعض ومن بينهم نيقوديموس ويوسف الرامى عادوا لمنازلهم ثم عادوا فجر اليوم. كان الاجتماع حاشدا، وشرع الأعضاء فى مهمتهم بأسرع ما يمكن. لقد رغبوا أن يدينوا يسوع بالموت فى الحال، لكن نيقوديموس ويوسف الرامى، وبعض الآخرين عارضوا رغباتهم وطلبوا أنّ يرجئ القرار إلى ما بعد العيد، خوفاُ من التسبب فى تمرد بين الشعب، مؤكدين أيضاً أنهّ لا يمكن أن يُحاكم مُتهم بعدل باتهامات لم تثبت، وأنه في الحالة التى أمامهم الآن فأن كل الشّهود يناقضون بعضهم البعض. أغتاظ كبار الكهنة والموالون لهم وقالوا ليوسف الرامى ولنيقوديموس بكلمات بسيطة، إنهم لم يندهشوا للاستياء الذى أظهراه في السابق، لأنهما مواليان للجليلي ولتعاليمه، وإنهما يخشيان أن يدان. نجح رئيس الكهنة فى أن يُبعد من المجلس كل الأعضاء الذين لديهم أدنى دّرجة من التعاطف مع يسوع. احتج هؤلاء الأعضاء بأن غسلوا أياديهم من كل إجراءات المجلس وتركوا القاعة وذهبوا إلى الهيكل، ومنذ هذا اليوم لم يشغلوا مقاعدهم مرة أخرى في المجلس.
أمر قيافا الحرّاس أن يُحضروا يسوع مرة أخرى أمامه، وأن يعدّ كل شيء لأخذه مباشرة إلى محكمة بيلاطس لأنه يجب أن يعلن العقوبة. أسرع الحرس إلى السّجن، وبوحشيتهم المعتادة حلّوا وثاق يدي يسوع، نزعوا العباءة القديمة التي كانت قد تركوها على كتفيه وجعلوه يضع عباءته، وجروه خارج السّجن بعدما ربطوا الحبال حول خصره. عندما عبر يسوع خلال الحشود التى تجمّعت عند مدخل الدّار، كان منظره كمنظر ذبيحة تُقاد للذبح؛ تغيّرت معالمه بالكلية وتشوّهت من المُعاملة القاسية، ملابسه تلطّخت وتمزّقت؛ لكن منظر آلامه كان بعيداً عن إثارة الشعور بالشّفقة في قلوب اليهود القاسية الذين امتلئوا بالاشمئزاز وزاد هياجهم. حقا أن الرحمة كانت شعوراً غير معروف في صدورهم القاسية.
خاطب قيافا يسوع دون أن يبذل أدنى جهد ليخفي كراهيته قائلا: " إن كنت أنت المسيح، قل لنا ذلك صراحة. " حينئذ رفع يسوع رأسه وأجاب بوقاره وهدوئه العظيم : " إن قلت لكم، فإنكم لن تصدقوني؛ وإن سألتكم، فإنكم لن تجيبوني ولن تطلقوني. إلا أن ابن الإنسان سيجلس من الآن على يمين قوة الرب. " نظر رؤساء الكهنة كل منهم للآخر، وقالوا إلى يسوع بازدراء : " أأنت إذن ابن الرب؟ " أجاب يسوع بصوت الحق الأزلى قائلاً: " أنتم قلتم أنى أنا هو " بهذه الكلمات صاحوا جميعا " ما حاجتنا بعد لأي شهادة أخرى؟ فأننا قد سمعنا ذلك بأنفسنا من ذات فمه "
نهضوا جميعا فى الحال ونافس كل منهم الآخر فى أهالة أردأ الصّفات على يسوع، الذى دعوه فاجراً ووضيع المَوْلِد‏، الذي يطمح فى أن يكون مسيحهم المنتظر، ويزعم أنه مؤهّل لأن يجلس على يمين الرب. لقد أمروا الحراس أن يربطوا يديه ثانية وأن يربطوا سلسلة حول رقبته ، وحينئذ استعدّوا لأن يقتادوه إلى بيلاطس، حيث أرسلوا إليه رسولاً بالفعل ليستجدونه أن يُعد كل شئ لمحاكمة مجرم، كما أنه من الضروري ألا يتأخر بسبب يوم العيد.
همهم اليهود بين أنفسهم أنه لابد أن يقدّم إلى الحاكم الرّوماني لتأكيد عقوبتهم، لأن ذلك كان ضرورياً، حيث أنه لم يكن لهم الحق فى مًحاكمة المجرمين باستثناء الأمور التى تتعلق بالدين والهيكل فقط، وإنهم لا يستطيعون أن يُجيزوا عقوبة الموت. لقد رغبوا أن يثبتوا له أنّ يسوع عدو للإمبراطورية، وهذا الاتهام كان يخص أمور تحت نطاق سُلطة‏ بيلاطس.
اصطف الجنود أمام الدّار، محاطين بحشود كبيره من أعداء يسوع ومن العامة الذين انجذبوا بدافع الفضول. سار رؤساء الكهنة وجزء من أعضاء المجلس على رأس الموكب، ثم يسوع يقتاده الحراس بالإضافة لبعض الجنود الذين يتبعونهم، بينما سار الغوغاء فى الخلف فى المؤخّرة. كان عليهم أن ينحدروا من جبل صهيون، ويجتازوا الجزء المنخفض من المدينة ليصلوا إلى قصر بيلاطس، وذهب عديد من الكهنة الذين حضروا المجلس إلى الهيكل مباشرة بعد ذلك، للاستعداد للعيد .

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

الفصل السابع والعشرون
يأس يهوذا

بينما كان اليهود يقتادون يسوع إلى بيلاطس، سار يهوذا الخائن بالقربً منهم ليستمع لأحاديث الحشود التي تتبعه، فسمع هذا الحديث : " إنهم يأخذونه أمام بيلاطس؛ لقد أدان رؤساء الكهنة الجليلي إلى الموت؛ أنه سيصلب؛ إنهم سيتمّمون موته؛ لقد أساءوا معاملته بشكل مخيف؛ أن صبره غير عادى؛ أنه لم يجب بكلمة؛ كلماته الوحيدة هى أنّه هو المسيح المنتظر، والذي سيجلس على يمين الرب؛ إنهم سيصلبونه بسبب تلك الكلمات؛ لو لم يقل تلك الكلمات لما كان ممكن أن يدينوه إلى الموت. إن الفاجر الذي باعه كان أحد تلاميذه، ومنذ وقت قليل كان يأكل الفصح معه؛ لا يوجد فى مجتمعات البشر ما يجعلنى مضطراً لأتيان مثل هذا العمل الذى آتاه؛ مهما كان هذا الجليلى مذنباً، فإنه في كل الأحوال لم يبع صاحبه من أجل المال مثلما فعل هذا الشخص الكريه, إن أمثال هذا الرجل ليستحقون ما هو أكثر من الموت. " حينئذ استولي الألم واليأس على يهوذا. حثه الشيطان على الهرب. فهرب كما لو أن عاصفة في أعقابه، والكيس الذى كان معلّقا علي جانبه كان يضربه أثناء جريانه ويدفعه كالمهماز؛ فأخذه في يدّه ليتجنب ضرباته. هرب بأسرع ما يمكن، لكن إلى أين يهرب ؟ هل نحو الحشود؟ هل يلقي بنفسه تحت قدمي يسوع، مُخلصه الرّحيم، يناشده غفرانه، ويستجدى أن يموت معه؟ كلا, إنه لم يعترف بذنبه ولم يتوب توبة حقيقية أمام الرب، بل كان يسعي أن يحرر نفسه مِن عِبء‏ جريمته أمام العالم ومن ثمن خيانته.
جاء يهوذا إلى الهيكل، حيث تجمع أعضاء المجلس معاً بعد محاكمة يسوع. نظر كل منهم للآخر بدّهشة؛ وبعد ذلك أداروا وجوههم المتغطرسة بابتسامة سّاخرة. مزّق يهوذا بإيماءة هائجة حافظة الثّلاثين قطعة فضة من جنبه، وحملها بيدّه اليمنى، صاح بلهجة يائسة : " استردّوا فضتكم, تلك الفضّة التى رشوتموني بها لأسلم هذا الرجل البار؛ استردّوا فضتكم؛ أطلقوا سراح يسوع؛ إن اتفاقنا ملغى؛ لقد أثمت لأنى قد أسلمت دماً بريئاً." . أجابه الكهنة بأسلوب حقير، وكما لو كانوا خائفين من أن يلوثوا أنفسهم بلمس مكافئة الخيانة، لم يمسّوا الفضة، بل أجابوا : " ماذا علينا أن نفعل بخطيئتك ؟ إن كنت تعتقد أنك أسلمت دماً بريئاً، فإن ذلك شأن يخصك؛ لكننا نعرف ما دفعنا من أجله، ولقد حاكمناه وأنه لمستوجب الموت. إليك مالك ولا تقل شيئاً آخر " لقد خاطبوه بهذه الكلمات بنّغمة فظّة ليتخلّصوا منه، فنهض على الفور وانصرف. ملأت هذه الكلمات يهوذا بالغضب واليأس حتى أنه صار شديد الاهتياج‏؛ شق الحقيبة التي تحتوي الثّلاثين قطعة فضة، وألقاها في الهيكل، وهرب إلى أطراف المدينة.
رأيته مرة أخرى يسرع ذهابا وإيابا كالمجنون في وادي هنوم: كان إبليس بجانبه في شكل قبيح، يهمس في أذنه، ساعياً أن يسوقه إلى اليأس، تتبعه كل اللّعنات التى صبها الأنبياء على هذا الوادي، حيث ضحّى اليهود بأولادهم سابقاً إلى الأصنام.
بدت وكأن كل هذه اللعنّات تُنصب عليه، كما لو أن مثل هذه الكلمات، قيلت له : " ثُمَّ يَمْضُونَ لِمُشَاهَدَةِ جُثَثِ الرِّجَالِ الَّذِينَ تَمَرَّدُوا عَلَيَّ، لأَنَّ دُودَهُمْ لاَ يَمُوتُ وَنَارَهُمْ لاَ تَخْمَدُ. وَيَكُونُونَ مَثَارَ اشْمِئْزَازِ جَمِيعِ النَّاسِ” .
ثم همس الشّيطان : " قايين أَيْنَ أَخُوكَ هَابِيلُ؟ مَاذَا فَعَلْتَ؟ إِنَّ صَوْتَ دَمِ أَخِيكَ يَصْرُخُ إِلَيَّ مِنَ الأَرْضِ. َمُنْذُ الآنَ، تَحِلُّ عَلَيْكَ لَعْنَةُ الأَرْضِ الَّتِي فَتَحَتْ فَاهَا وَابْتَلَعَتْ دَمَ أَخِيكَ الَّذِي سَفَكَتْهُ يَدُكَ, وَتَكُونُ شَرِيداً وَطَرِيداً فِي الأَرْضِ "
وعندما رأى مجرى قدرون بجبل الزيتون، ارتجف، استدار، ومرة أخرى دوت هذه الكلمات فى أذنيه : يا صاحب، لماذا أتيت ؟ يهوذا, أتسلم ابن الإنسان بقبلة؟ " ملأ الرعب نفسه، رأسه بدأت تترنح، وهمس العدو مرة أخرى فى أذنيه : " لقد عبر داود وادي قدرون هنا عندما هرب من أبشالوم. الذى أنهى حياته بشنق نفسه. وأنه عنك ما تكلم به داود عندما قال :" يُجَازُونَنِي شَرّاً مُقَابِلَ خَيْرِي، وَبُغْضاً بَدَلَ حُبِّي. وَلِّ عَلَى عَدُوِّي قَاضِياً ظَالِماً، وَلْيَقِفْ خَصْمُهُ عَنْ يَمِينِهِ يَتَّهِمُهُ جَوْراً. عِنْدَ مُحَاكَمَتِهِ لِيَثْبُتْ عَلَيْهِ ذَنْبُهُ، وَلْتُحْسَبْ لَهُ صَلاَتُهُ خَطِيئَةً. لِتَقْصُرْ أَيَّامُهُ وَلْيَتَوَلَّ وَظِيفَتَهُ آخَرُ. لِيَتَيَتَّمْ بَنُوهُ وَتَتَرَمَّلْ زَوْجَتُهُ. لِيَتَشَرَّدْ بَنُوهُ وَيَسْتَعْطُوا، وَلْيَلْتَمِسُوا قُوتَهُمْ بَعِيداً عَنْ خَرَائِبِ سُكْنَاهُمْ. لِيَسْتَرْهِنِ الْمُدَايِنُ كُلَّ مُمْتَلَكَاتِهِ، وَلْيَنْهَبِ الْغُرَبَاءُ ثِمَارَ تَعَبِهِ. لِيَنْقَرِضْ مَنْ يَتَرَاءَفُ عَلَيْهِ، وَلْيَنْقَطِعْ مَنْ يَتَحَنَّنُ عَلَى أَيْتَامِهِ. لِيَنْقَرِضْ نَسْلُهُ وَلْيُمْحَ اسْمُهُمْ مِنَ الْجِيلِ الْقَادِمِ. لِيَذْكُرِ الرَّبُّ إِثْمَ آبَائِهِ، وَلاَ يَغْفِرْ خَطِيئَةَ أُمِّهِ. لِتَمْثُلْ خَطَايَاهُمْ أَمَامَ الرَّبِّ دَائِماً كَيْ يَسْتَأْصِلَ مِنَ الأَرْضِ ذِكْرَهُمْ. لأَنَّهُ تَغَافَلَ عَنْ إِبْدَاءِ الرَّحْمَةِ، بَلْ تَعَقَّبَ الفَقِيرَ الْمُنْسَحِقَ الْقَلْبِ، لِيُمِيتَهُ. أَحَبَّ اللَّعْنَةَ فَلَحِقَتْ بِهِ، وَلَمْ يُسَرَّ بِالْبَرَكَةِ فَابْتَعَدَتْ عَنْهُ. اكْتَسَى اللَّعْنَةَ كَرِدَاءٍ، فَتَسَرَّبَتْ إِلَى بَاطِنِهِ كَالْمِيَاهِ وَإِلَى عِظَامِهِ كَالزَّيْتِ. فَلْتَكُنْ لَهُ كَرِدَاءٍ يَتَلَفَّعُ بِهِ، وَكَحِزَامٍ يَتمَنَطَّقُ بِهِ دَائِماً. هَذِهِ أُجْرَةُ مُبْغِضِيَّ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ، النَّاطِقِينَ شَرّاً عَلَى نَفْسِي"
ركض يهوذا مغلوّباً بهذه الأفكار الفظيعة، ووصل سفح الجبل. إلى بقعة مقفرة, كئيبة، ممتلئة بالقمامة والبقايا الفاسدة؛ صمت أصوات من المدينة آذنيه، وكرر الشيطان باستمرار : " إنهم على وشك أن يميتوه؛ لقد بعته. ألست تعرف كلمات الشريعة : " إِذَا خَطَفَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَحَد أِخْوَتِهِ وَاسْتَرَقَّهُ وَبَاعَهُ، يَمُوتُ الْخَاطِفُ. فَتَجْتَثُّونَ الشَّرَّ مِنْ بَيْنِكُمْ. " ؟ ضع حداً لبؤسك أيها التعس ؛ ضع حداً لبؤسك " مزّق يهوذا حزامه مغلوباً باليأس وعلّق نفسه على شجرة نمت في شق بين الصّخور، وبعد موته تمزق جسده أرباً، وتبعثرت أشلاؤه.
تأمل الرب يسوع

بعد أسلمني يهوذا في بستان الزّيتونِ، هام على وجهه بعيداً وجرى كهاربِ دون أن يَقوى على إسكاتَ صيحات ضميره الذى أنبه على أبشع تدنيس للمقدسات, وعندما بلغت آذانه أخبار الحكم بموتي، استسلمَ لليأسِ وشنق نفسه.
من يستطيع أَنْ يَفْهمَ ألام قلبي الحادة عندما رَأيتُ تلك النفس تلقى بنفسها إِلى دينونة أبديةِ؟ وهو من قضى ثلاث سَنَوات في مدرسةِ محبّتي مُتعلماً مبادئي، مُتلقياً تَعاليمي، وكثيراً ما أستمعً من شفاهي غْفرانى لأعظم المذنبين .
يهوذا! لماذا لم تَجيءُ وتَلقى بنفسك عند أقدامى لأغْفرُ لكَ؟ إن كنت لا تَتجاسرُ أَنْ تَجيءَ بقربي خوفاً من أولئك الذينِ يُحيطون بي ويُعاملونني بغاية السوء، على الأقل أَنْظرُ إلىّ وأنتَ سَتَرى كيف سَتَنْظرُ عيناى إليك فوراًِ.
أحبائي، يا من تورطتم في أعظمِ الأثام.....إن عشتم بعض الأوقات تائهين كلاجئين بسبب جرائمكَم، إن أعمتكم الآثامَ التى أذنبتم بها وقست قلوبكمَ، إن كنتم باتِّباعِ بعض أهوائكم قَدْ سَقطتَم في أعظمِ اضطراب، لا تَسْمحُوا لليأس أَنْ يسود عليكم عندما يترككم شركاء خطيئتكَم وتُدرك نفوسكم ملامتها. طالما أن الإنسان لدية لحظةُ حياةِ، فهو ما زالَ عِنْدَهُ وقتُ كى يُنشدَ رحمتي وأن يلتمس مغفرتي.
إن كانت فضائحُ حياتكمِ الماضيةِ قد تَركتكمِ في حالة إذلالِ أمام البشر، فلا تخافوا! حتى عندما يحتقركم العالم، عندما يُعاملكَم كأناس أشّرار، عندما يُهينكمَ ويَهْجركَم، تأكدوا أن إلهكمَ لا يُريدُ أنْ تَكُونَ نفوسكم وقوداً لنيران جهنمِ. إنه يُريدكَم أَنْ تتجرءوا وتَتكلّمَون معه، أَنْ تُوجهوا نظراتكمَ وتنهداتَ قلوبكمِ نحوه، وسَتَرون فوراً أن يدّه الرّحيمة والأبوية ستَقُودكِم نحو ينبوع المغفرة والحياةِ.
إن كنتم بدافع الحقدِ قَدْ قضيتم أعظم جزء من حياتكمَ في فوضىِ ولامبالاة، والآن بدنوكم قُرْب الأبدية، يُريدُ اليأس أَنْ يُعصّبَ أعينكَم، فلا َتْدعوه يَخْدعكَم. مازال هناك وقّتُ للمغفرةِ. استمعْوا باهتمام: إن لم يكن لديكم سوى لحظة من الحياةِ، اَستغلّوها لأنكم تستطيعوا أَنْ تَكْسبونَ الحياة الأبدية خلال تلك اللحظة.
إن كانت حياتكم قَدْ مرت في جهلِ وفي خطاياِ، إن كُنْتَم قد سببَتم أعظم أذىِ للبشر وللمجتمعِ وحتى للدّينِ، ولأي سببِ أدركتُم خطياكمَ، لا تَسْمحُوا لنفوسكم أنْ تُسقَطُ بثقل العيوبِ ولا مِن قِبل الأذىِ الذي قَدْ كُنْتمَ أداته. بل بالعكس، اَسْمحُوا لنفوسكم أنْ يُختَرقُها أعمق حُزنِِ، غَطّسْوا نفوسكم تحت رعايةَ من يُنتَظِركمِ دوما كى يَغْفرَ لكَم والتفتوا نحوه.
نفس الشيء يصدق على النفوس التى قَدْ قضت سَّنَوات حياتها الأولى في مراعاة وصاياي بأمانة، لكن قليلاً قليلاً سَقطتَ من التّأجّجِ إلى حياةِ فاترةِ ومريحة .ِ
أن النفوس التى تنال يوماً ما هزة قوية لتوقظها، فتَرى فجأة أن حياتها بلا فائدة، فارغة وبلا استحقاق للأبدية. يُهاجمها الشّيطان بغيرةِ لعينة بطرق عديدة، يُبالغُ فى عيوبها. يُلهمُ فيها الحزنَ والقنوطِ، وفى النهاية يَسُوقها نحو الخوفَ واليأس.
أحبائي, يا من تنتمون إليّ، لا تَنتبهواُ إلى هذا العدوِ القاسي. بمجرد أن تَشْعرواُ بحركةَ النّعمةِ في بِدايةِ معركتكمِ، تعالوا إِلى قلبي. اشعرواْ ورَاقبواْ كيف أنه يَسْكبُّ قطرات منَ دماه على نفوسكِم، وتعالوا إليّ. أنتم ستَعْرفون أين أنا، أنا تحت ستار الإيمانِ.... ارفعوه وبإيمان كاملِ أخبروني عن كل أحُزانكمَ، أخبروني عن تعاستكَم وسقوطكمَ ....استمعوا لكَلِماتي بثقة ولا تَخَافُوا من ماضيكِم. أن قلبي قَدْ غَطّس ماضيكم في أعماقِ رحمتي الغير محدودة ومحبّتي.
إن حياتكمَ الماضية سَتَعطيكِم التواضع الذي سَيَمْلأكَم. وإن أردتم أَنْ تَعطوني أفضل برهان عن الحبِّ، آمنوا وثقوا بي واعتمدوا على مغفرتي. آمنوا أنّ آثامكَم لَنْ تَكُونَ أعظمَ من رحمتي اللانهائيةِ.
لا تَخفون أي شئ مما أُخبرتكمَ به، لأنه لفائدةِ الإنسانيةِ جمعاء. كَرّروه في وضح النهارِ؛ أَوصوا به إِلى أولئك الذينِ يُريدونُ حقاً أَنْ يَسْمعوه.

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

الفصل الثامن والعشرون
يسوع يؤخذ أمام بيلاطس

وقفت العذراء مريم مع يوحنا والمجدلية عند ركن بناية غير بعيدة عن دار قيافا، وقفوا ينتظرون يسوع. لقد كانت نفسها متّحدة بنفسه؛ لكن من قبل محبّتها، لم تترك وسيلة لم تجرّبها لتقترب منه. لقد ظلت بعض الوقت بعد زيارتها فى منتصف الليل لمحكمة قيافا ضعيفة وصامتة من الأسى؛ لكن عندما اقتيد يسوع من السجن، ليقف مرة ثانية أمام قضاته، نهضت وقالت للمجدلية ويوحنا : " فلنتبع ابني إلى محكمة بيلاطس؛ لابد أن أنظره مرة أخرى " فذهبوا إلى موضع لابد أن يعبر الموكب منه وانتظروه. لقد عرفت العذراء مريم أنّ ابنها يعاني على نحو مخيف، لكنها ليس بإمكانها أن تخفف آلامه.
ظهر فى بداية الموكب الكهنة، أكثر الأعداء مرارةّ لابنها الإلهى. كانوا متزيّنين بملابسهم؛ لكن من المؤلم أن نقول، عوضاً عن المظّهر المتألق في شخصهم ككهنة العلي، فأنهم قد تحوّلوا إلي كهنة إبليس، لأن لا أحد يستطيع أن ينظر على مُحياهم دون أن يرى ميولهم الشّريّرة التى امتلأت بها نفوسهم، لقد كانوا متشوقين لتنفيّذ تلك الجريمة، مُتشوقين لموت مُخلصهم وفاديهم، ابن الرب الوحيد. يتبعهم الشّهود الكذبة مُحاطين من قبل عامة الناس؛ وآخر الكل كان ابنها يسوع، ابن الرب، ابن الإنسان، مُقيدا بالسّلاسل، قادرا بالكاد أن يسند نفسه، لكنهم يجرونه بلا رحمة، يُضرب من البعض، ويُركل من الآخرين، وتسبه كل حشود الرّعاع وتلعنه. لقد كان من المستحيل تمييزه بالمرة حتى لأعين العذراء، لقد كان عرّياناً لا يكسوه سوى بقايا ردائه الممزّق،
لقد كان وحيدا في وسطِ الاضطهاد مُتألم, لكنه مستسلم، كشاه تُساق للذبح، لم يرَفعَ يديه إلا للتّضرّعِ لأبيه الأزلى ليصفحِ عن أعدائه. ما أن اقتربَ من الموضع الذى تقف فيه العذراء مع رفاقها، حتى صِاحتْ بنبرة مؤثرةِ : " واحَسْرتاه‏ً! أهذا ابني؟ آه، نعم! إنى آري إنه أبني الحبيبَ, يسوع، يسوعي! " عندما كان الموكب مقابلَها تقريباً، نَظرَ يسوع إليها بأعظم تعبيرِ عن الحبِّ والشّفقةِ؛ لقد كانت هذه النّظرةِ أكثر من قدرة الأمِّ المفجوعةِ على الاحتمال, لقد فقدت الوعيِ بالكامل للحظةً، وسعي يوحنا والمجدلية لأن يَحْملاها للبيت، لكنها أفاقت بسرعة، ورَافقتْ التلميذ المحبوب إِلى قصرِ بيلاطس.
تجمع كل سكان مدينةِ أوفيل في أرض فضاءِ ليُلاقوا يسوع، لكن ليس ليريحوه، بل لضيفوا آلاماً جديدة إِلى كأس أحُزانِه؛ لقد أصابوه بذلك الألمِ الحادِّ الذي لابد أَنْ يَكُونَ إحساس أولئك الذينِ يَرون أصدقاءهم يَتْركونهم في سّاعةِ الضيقةِ. لقد أدى يسوع أعَمالاً كثيرة لسكانِ أوفيل، لكن ما أن رَأوه فى مثل هذه الحالة من البؤسِ والإذلالِ، حتى أهتزَّ إيمانهم به؛ لَمْ يَعُودوا يؤمنون أنْه ملكَ أو نبي أو أنه المسيا المنتظر أو ابن الرب. استهزأ بهم الفريسيون وسخروا منهم، بسبب إعجابهم السابق بيسوع وصاحوا قائلين لهم. " اَنْظرواُ إلى ملككَم الآن, هيا بايعوه؛ ألن تقدموا له التهانيُ لكونه عَلى وَشَكِ الآن أَنْ يُتَوَّج ويجلسَ على عرشه؟ لقد انتهت كل معجزاتهِ؛ لقد وضع رئيس الكهنة نهاية لخداَعه وسحره. "
على الرغم من تّذكر هؤلاء الناسِ المساكين للمعجزاتِ والأشفية الرّائعِة التي صنعها يسوع أمام أعينهم؛ على الرغم من المنافع العظيمة التى قدمها لهم، إلا إن إيمانهم أهتزَّ عندما نَظْروه مُهاناً ويُشارَ إليه كشيء محتقرِ مِن قِبل رئيس الكهنة وأعضاءِ السنهيدريم، هذا الذي أُستقبل في أورشليم بأعظم تّبجيلِ. البعض ذَهبَ وهو يشكّ فيه، بينما الآخرون مكثوا وسَعوا أن ينضموا إلى الرّعاعَ، لكن الحرّاسِ الذين أُرسلوا مِن قِبل الفريسيون، ليَمْنعوا أعمال الشغب والفوضى, منعوهم .

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

الفصل التاسع والعشرون
يسوع أمام بيلاطس


كانت حوالي الثمانية صّباحاِ، عندما وصل الموكب إلى قصر بيلاطس. وقف حنّان وقيافا وكبار أعضاء مجلس السنهدريم في الجزءِ الذى يقع بين الساحة ومدخلِ دار الولاية، حيث وضعت بعض المقاعدِ الحجريةِ لهم. جر الحرّاس المتوحشين يسوع إِلى بداية الدّرجِ الذي يقودَ إِلى مقعدِ الحكمِ. كَانَ بيلاطس مُضجعاً على كرسيِ مريحِ فى شرفة تُشرف على الساحةِ وبجانبه منضدة صّغيرة ذات ثلاث أرجل وُضِعَت عليها شارة مكتبه وأشياء أخرى. كان يحيط به ضّبّاطِ وجنودِ يرتدون زي الجيشِ الرّومانيِ. لم يدخل اليهود والكهنة دار الولاية، لئلا يُدنّسُوا أنفسهم، بل ظلوا فى الخارج.
عندما رَأىَ بيلاطس الموكبَ الصّاخبَ يَدْخلُ، وأدرك كيف عَامل اليهود القساة سجينهم، نَهضَ وكلمهم بنغمةِ محتقرة بقدر ما يستطيع : "ماذا أتى بكم مبكّراً جداً؟ لماذا بالغتم فى الإساءة فى معاملة هذا السّجينِ على نحو مُخجل ؟ ألم يكن من الممكن أَنْ تَمتنعَوا من تُمَزيِّق مجرميكم أربا وإعدامهم حتى قبل أنْ يُحاْكموا؟ " فلم يجيبواُ بل صِاحوا إِلى الحرّاسِ " أحضروه, أحضروه ليُحاْكَمُ! " وبعد ذلك التفتوا إِلى بيلاطس وقالوا " اَستمعُ لاتهاماتنا ضد هذا الشّريرِ؛ لأننا لا نستطيع أَنْ نَدْخلَ المحكمة خشية أن نُدنّسُ أنفسنا. " ما أن انتهوا من هذه الكَلِماتِ، حتى صاح من وسطِ الحشود؛ شيخاً عجوزاً " أنكَم على حق في عدم دْخولُ دار الولاية، لأنها تقُدّستَ بدمِ الأبرياءِ؛ ليس لأحد الحق فى أَنْ يَدْخلَ سوى شخصاً واحداً، وهو الوحيد الذى يستطيع أَنْ يَدْخل، لأنه هو الوحيد النقي كالأبرياءِ الذين ذُبِحوا هناك" الشيخ الذي نَطقَ بهذه الكَلِماتِ بصوتِ عالِ، وبعد ذلك اختفىَ بين الحشودِ، كَانَ رجلاً غنياَ اسمهِ صادوق وهو ابن عم سيراخ زوج فيرونيكا؛ لقد ذُبح اثنين من أطفاله من بين الأطفال الذين أمر هيرودس بذبحهم عند مولدِ مُخلصنا. لقد يأس منَ العالم منذ تلك اللّحظةِ المُخيفةِ، لقد رَأىَ مُخلصنا ذات مرة في دارِ لعازر وسَمعه هناك يتناقشُ، وبرؤية الأسلوب البربريِ الذي يُجر به يسوع أمام بيلاطس تَذكّرَ كل ما عَاناه عندما قُتل طفليه بقسوة أمام عينيه، وقرر أن يُقدم هذه الشّهادةِ العلنية عن إيمانه ببراءةِ يسوع. أما الكهنة وحاشيتهم لكونهم كَانوا مغتاظين من الأسلوب المتغطرسِ الذي يعاملهم به بيلاطس، وبالوضعِ المهين الذى اضطروا أَنْ يتخذوه، لم يبالوا بكَلِماتِ هذا الرجل.
جر الحرّاس المتوحشون يسوع على السلمِ الرّخاميِ واقتادوه إِلى نهايةِ الشرفة، حيث كان بيلاطس يَتشاورُ مع كهنة اليهود. لقد سمع الحاكم الرّوماني عن يسوع كثيراً ومع ذلك فهو لم يسَبَقَ أَنْ رَآه، وقَدْ انُدهشَ تماماً بالمظهر الهادئِ لتصرفِ الرجلِ الذى جُلبَ أمامه في حالة يرثى لها. أن السّلوك الوحشي للكهنة والشيوخ قد أثاره وزِادَ من احتقاره لهم، وأعلمهم فى الحال أنه لَيْسَ لديه أدنى نّيةُ لإدانةِ يسوع بدون براهين مقنعة عن حقيقةِ اتهاماتهم. وقال مُخاطباً الكهنة بنّغمةِ أكثر احتقاراً : " أي اتّهام تَجْلبُونه ضد هذا الرّجلِ؟ " أجابَ الكهنة بتجهّم : " ما لم يكنَ شريرا لما كُنّا أُسلّمناه إليك " فقال لهم بيلاطس : " خذوه، وَحاْكموه أنتم طبقاً لناموسكم " فقالوا له : " إنك تعلم جيداً إنه لا يحق لنا أَنْ نحكم على أي إنسان بالموتِ. " كان أعداء يسوع غاضبين ورُغِبوا أَنْ يَنهوا المحاكمةُ، ويُعدموا ضحيّتهم بأسرع ما يمكن، لكى يستعدوا للاحتفال بالفصحِ، ولم يعرف هؤلاء التعساء الأردياء، أن من ساقوه أمام محكمةِ قاضِ وثنيِ لم يدخلوا منزله خوفاً من أن يُدنّسُوا أنفسهم قبل تَنَاوُلِ الذبيحة الرّمزيةِ، ليس سوي هو، وهو فقط، كَانَ حملَ الفصحَ الحقيقيَ، ولم تكن الحملان الأخرى إلا مجرد ظّل له فقط.
أمرهم بيلاطس أَنْ يُقدموا اتهاماتهم. هذه الاتهامات كَانَت ثلاث، وقَدّموا عشَر شهودَ ليَشْهدوا عن صدق كل اتهام. لقد كان هدفهم الأعظم هو أَنْ يَجْعلَوا بيلاطس يُصدق أن يسوع زعيمَ مؤامرةِ ضد الإمبراطورِ، لكى يُدينه إِلى الموتِ كمتمرّدِ، لقد سعوا أَنْ يُدينوه بإغْواءِ الشعب وتُحريضه عِلى التّمرّدِ، وأنه عدو للسّلامِ العامّ والهدوء.
ليُبرهنَوا على صدق هذه الاتهامات قَدّموا بعض الشّهودِ الكذبة، أعلنوا أيضا أنه انتهكَ السبت ودَنّسه بشفاء المرضىِ فى ذلك اليومِ. قَاطعهم بيلاطس عند هذا الاتهام وقالَ لهم باسْتِهْزاءِ : " من الواضح أن لا أحد منكم كان من بين هؤلاء المرضى وإلا لما كُنتُم ستَشتكونَه لكُونه قد شفاكم فى السبت. " فرد رؤساء الكهنة : " إنه يُحرض الشعب، ويَغْرسُ تعاليم كريهة. إنه يقول، لا أحد يستطيع أَنْ ينال الحياة الأبدية ما لم يَأْكلَ لحمه ويَشْربَ دمه " أغتاظ بيلاطس تماماً من الكراهيةِ الحادةِ التي أظهرتها كَلِماتهم ووجوههم وصاح بنظرةِ ازدراء : " أنكم بكل تأكيد تَرْغبَون أَنْ تَتْبعوا تعاليمه وأَنْ تنالوا حياة أبدية، لأنكم متعطشون لجسده ولدمه. "
ثم قدم اليهود الاتهام الثّاني ضد يسوع، أنه منع الشعب من أَنْ يَدْفعَ الجزية إِلى الإمبراطورِ. هذه الكَلِماتِ أيقظتْ نقمة بيلاطس، لأنه كان يَرى من موضعه أنّ كل الضّرائبِ قَدْ دُفِعتَ بشكل سليم، وصِاحَ بنغمةِ غاضبةِ : " ذلك كذبُ! لابد أنى اَعْرفَ ذلك أكثر منكم. " هذا أكره أعداءِ يسوع أَنْ يَمْضوا إلى الاتهام الثالث، الذي أعلنوه قائلين : " مع أن هذا الرّجلِ ذو مولد غامض، إلا أنه رئيسُ حزبِ كبيرِ. أنه يسكب اللعناتَ على أورشليم، ويروى أمثالاً ذات معنىِ مزدوج فيما يتعلق بملك يَعدُّ لحفل عرس لابنه. إن الجموع التي جمّعَها على جبلِ سَعت ذات مرة أَنْ تَجْعله ملكاً عليهم؛ لكن لكون ذلك كان أقرب مما نَوى؛ لأن خططه لم تكن قد نْضجُت بعد؛ لهذا هَربَ وأخفىَ نفسه. حديثا‏ قَدْ تَقدّمَ أكثر, فقبل أيام دَخلَ أورشليم علي رأسِ جمّعِ صاخبِ، الذين بأمره جَعلوا الشعب يشقون الجو باستقبال حافلِ صارخين : " أوصنا لابن داود! مباركة هى مملكة أبينا داود، التي تَبْدأُ الآن. " أنه يُلزمُ الموالين له أَنْ يقدموا له كرامة ملوكية، ويُخبرهم أنه هو المسيحُ، مسيح الرب، المسيا المنتظر، ملك اليهودِ الموَعود، إنه يَرْغبُ أنْ يُنادى بهذه الألقاب الرّفيعةِ ". ثم قدموا عشَرة شهود تختص شهادتهم بتلك الأمور .

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

أدى الاتهام الأخير بأن يسوع قد جعل نفسه يُدْعَى ملكاً إلى بعض التأثير على بيلاطس؛ فاصبحَ مستغرقاً في التفكير‏ قليلاً وترك الشرفة وأَلقي نظرة فاَحْصة على يسوع، ثم دَخلَ الغرفة المُجَاوِرةَ، وأَمرَ الحرّاس أَنْ يَأتوا بيسوع بمفرده إلي حضرته. لم يكن بيلاطس يؤمن فقط بالخرافات، بل كان أيضاً ضعيفَ العقل بشدة وسريع التأثُّر. لقد سمع كثيراً، خلال منهج تعليمه الإلحادي، عن إشارات عن أبناءِ آلهته الذين قَدْ سَكنوا لفترة على الأرضِ؛ لقد كَانَ مدركاً بالكامل أيضاً بأنّ أنبياءِ اليهود قد تنبئوا منذ أمد بعيد بأنّ شخصاً ما يَجِبُ أَنْ يَظْهرَ في وسطهم وأنه سيَكُونَ مسيح الرب، مُخلّصهم ومنجيهم من العبوديةِ؛ وأن كثيرين من بين الناسِ يؤمنون بهذا إيماناً قوياً.
لقد تَذكّرَ أيضاً هؤلاء الملوكِ الذين قَدْ جاءَوا من الشّرقِ إِلى هيرودس، جد الملكِ الحالي وبنفس ذلك الاسم، ليقدموا الولاء إِلى ملكِ لليهودِ مولودِ حديثاً، وأن هيرودس لهذا أمر بذبح الأطفال. لقَدْ سَمعَ كثيراً من التّقليدِ بما يختص بالمسيح المنتظر وملك اليهودِ، حتى أنه امتحنهم ببعض الفضولِ؛ ولو بالطبع، بَكُونُه مُلحدَاً, بدون أدنى إيمان، من المحتمل أن يكون قَدْ وَافقَ حزب هيرودس وأولئك اليهودِ الذين يتَوقّعوا ملكاً قوياً ومنتصراً. بمثل هذه الانطباعات، فكرة أن يَتّهمُ اليهودِ هذا الشخص المسكين الذي جَلبوه في حضرته بوَضعُ نفسه كملكِ وكالمسيح المنتظرِ المَوْعُودِ، بدت له بالطبع فكرة سخيفة؛ لكن لأن أعداءِ يسوع قَدّموا هذه الاتهامات ببرهانِ الخيانةِ ضد الإمبراطورِية، اعتقد أنه من الأسلم له أَنْ يَستوجبه سراً.
قال بيلاطس ناظراً إلى يسوع : " أأنت ملك اليهودِ؟ " ولم يقدر أَنْ يخفى دهشته من المظهر الإلهى لطلعته. أُجابه يسوع : " هل تقول هذا الشيء من نفسك, أم الآخرون يقولون ذلك عنّي؟" أما بيلاطس فقَدْ شعر أنه أُهين بأن يظن يسوع أنه من الممكن أَنْ يؤمن بمثل هذا الأمر وأجابَ : " وهَلْ أنا يهودي؟ أن أمتك ورؤساء الكهنة قَدْ أسَلّموك إلي كمستحق للموتِ؛ ماذا فعلت؟ "أجاب يسوع : " لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هَذَا الْعَالَمِ. وَلَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هَذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ خُدامي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. أَمَّا الآنَ فَمَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هُنَا" تأثر بيلاطس بهذه الكَلِماتِ المهيبةِ إلى حد ما، وتكلم إليه بنبرة أكثرِ جديّة : " فَهَلْ أَنْتَ مَلِكٌ إِذَنْ؟" أَجَابَهُ يسوع : " أَنْتَ قُلْتَ، إِنِّي مَلِكٌ. وَلأجل هَذَا وُلِدْتُ وَلأجل هَذَا جِئْتُ إِلَى الْعَالَمِ: لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ، وَكُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يُصْغِي لِصَوْتِي" نَظرَ بيلاطس إليه ونهض من مقعده وقالَ : " الحق! ما هو الحق؟ "
ثم تبَادلا بضع كَلِمات لكنى لا أَتذكّرها الآن، وعاد بيلاطس إِلى الشرفة. كَانت إجابات وتصرفات يسوع بعيدَة عن فهمه؛ لكنه رَأىَ بوضوح أن إدعاء المَلوَكِيَّة‏ لا يَتعارض مع الإمبراطورية، لأنها ليست مملكةُ دنيويةُ تلك التي ينشدهاَ؛ بينما الإمبراطوريةُ لا تهتم بشيء أبعد من هذا العالمِ. لهذا خاطب رؤساء الكهنة ثانية من الشرفة وقالَ : " إنى لست أَجدُ علة فيه" غضب أعداء يسوع ونَطقوا باتهامات مختلفة ضد مُخلّصنا. لكنه ظل صامتاًَ، مُستغرقاً بالكلية في الصَّلاةِ من أجل أعدائه، عندما خاطبه بيلاطس قائلاً : " أما تجيب بشيء ؟ اَنْظرُ بكم عديد من الأمور يَتّهمونك!" لم يُجبَه يسوع بشيء
قالَ بيلاطس وقَدْ أمتلئ بالدّهشةِ : " أنى أرى بوضوح أنّ كل ما تدعونه لهو باطل " أما متهموه، الذين استمر يتَزاِيد غضبهم، صْرخوا : " ألست تَجدُ علة فيه؟ ألم يجرم عندما حرّضُ الشعب على الَتمرّد في كل أنحاء المملكةِ ليَنْشروا تعاليمه الباطلة؟ ليس هنا فقط، بل في الجليل أيضاً ؟ "
ذكر الجليل جَعل بيلاطس يتردد: تأمل للحظةِ، وبعد ذلك سَألَ : " أهذا الرّجلِ جليلي، ومن اختصاص هيرودس؟ فأجابوا " أنه جليلى؛ وعِاش والديه في الناصرة، ومنزله حالياً في كفر ناحوم. "
أجاب بيلاطس : " فى تلك الحالةُ، خذوه أمام هيرودس؛ إنه هنا لأجل العيد، ومُمكنُ أَنْ يَحْاكمه حالاً، لأن هذا اختصاصه " اقتيد يسوع فى الحال لخارج الساحةِ، وبعث بيلاطس بضابطَ إِلى هيرودس، ليُعلمه أن يسوع الناصري، الذي من اختصاصه عَلى وَشَكِ أَنْ يصل إليه ليُحاْكَمهُ.
كان لدى بيلاطس سببان ليتصرف هذا التصرفِ؛ بالدرجة الأولى أنه قَدْ سر أَنْ يَهْربَ من أن يَحاْكمَه بنفسه، حيث أنه شَعرَ بغاية القلق من تلك القضيةِ بالكامل؛ وبالدرجة الثّانية كَانَ مسروراً لكونه وجد فرصةِ لكى يسَرِ هيرودس، الذي كَانَ على خلافَ معه، لأنه عَرف أنه فضوليَ جداً ويريد أَنْ يَرى يسوع.
غضب أعداء يسوع لكُونهم طردوا هكذا مِن قِبل بيلاطس في حضورِ هذه الحشود، وأعطوا متنفساً لغضبهم بإسَاْءَة معاملة يسوع أكثر من ذى قبل. كبلوه ثانية وبعد ذلك لم يتَوقّفوا عن أن يَغْمروه باللّعناتِ والضّربِ واقتادوه بعجالة خلال الحشدِ نحو قصر هيرودس، الذي كان على مقربة من الساحةِ. وانضم بعض الجنودِ الرّومان للموكب.
خلال وقت المحاكمة أرسلت كلوديا بروكليس، زوجة بيلاطس، رسائل متكررة لزوجها تُعلنَ فيها أنّها ترُغِب بشدة فى محادثته؛ وعندما أُرسلَ يسوع إِلى هيرودس، وقفت فى شرفةِ ورَاقبتْ التّصرف القاسى لأعدائه بمشاعرِ مَخْتلُطةِ من الخوفِ والأسى والرعب.
تأمل الرب يسوع
فى الفجر أَمرهم قيافا أَنْ يَأْخذوني إِلى بيلاطس كي يُعلنُ حكم الموتِ. سَألني بيلاطس، أملاً أن يجد سبباً ليُدينني، لكن في نفس الوقت عذبه ضميره وشَعرَ بخوفَ عظيمَ من الظّلمِ الذي سيَرتكبُه. أخيراً وَجدَ طريقَه ليتجاهلني وأوعز باقتيادي إِلى هيرودس.
فى بيلاطس مثال صادق عن النفوس التي تَشْعرُ بحركة النّعمةِ وتعميها في نفس الوقت أهوائها الخاصة بحبِّ الذات، وتَسْمحُ للنّعمة أَنْ تَعْبرَ عنها مخافةّ من أن تَكُونَ مُستهّْزأ بها.
أنا لم أجب عن أي من أسئلةِ بيلاطس. لكن عندما سَألنيَ :" أأنتَ ملك اليهودِ؟ "، أجبتهُ حينئذ بجديةِ وباستقامة : " أنتَ قَدْ قُلتَ، أنى أنا ملكُ، لكن مملكتي لَيستْ من هذا العالمِ " بهذه الكَلِماتِ أردتُ أَنْ أُعلّمَ عديداً من النفوس كيف يَتحمّلَون الآلام أو الإذلال الذى يستطيعوا أن يتجنبوه بسهولة عندما تواتيهم الفرصةِ، إنهم يَجِبُ أَنْ يُجيبوا بسماحه :" إن مملكتي لَيستْ من هذا العالمِ ..." هذا بمعنى، إنني لست اَبْحثُ عن المديح مِن قِبل البشرِ. إن مسكني لَيسَ فى هذا العالم، أنا سَأستَريحُ فى بيتي الحقيقي."
الآن، تُشَجَّعَوا كي تُتمموا اهتماماتي بدون أن تأَخْذوا في الاعتبار رأيِ العالم. أن تقيمه ليس له قيمة, بل المهم هو أَنْ تتبعوا صوت النّعمةِ كي تتخلّصوا مِن‏ إغراء الطبيعة‏‏. إن لم تكونوا قادرين على أَنْ تغلبوا بمفردكم، َاَطلبواُ القوةِ والَنْصحُ‏، لأنة فى مناسباتِ عديدة، الأهواء والكبرياء المفرط يَعميان النفس ويَدْفعانها إلى أَنْ تَتصرّفَ على نحو خاطئ.

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

الفصل الثلاثون
أصل طريق الصّليب

خلال كل المشهدِ الذي وَصفنَاه الآن، كانت العذراء مريم تقف مع المجدلية ويوحنا في أحد جوانب الساحةِ: مغُمِورين بحُزنِ بغاية المرارة، حزن كان يتزاِيدَ مع كل ما يسَمعونه ويرونه. عندما اُخِذَ يسوع أمام هيرودس، قادَ يوحنا العذراءَ المباركَة والمجدلية ومروا على كل المناطق التي تقُدّسَت بخطاه. لقد مروا على دّارِ قيافا ثانية، دار حنان، أوفيل، جَثْسَيْمَانِي وبستان الزّيتونِ؛ لقد توَقفوا وتَأمّلوا كل بقعةِ حيث سَقطَ، أو حيث عَانى؛ وبَكوا بصمت بتذكر كل ما خَضعَ له. سَجدتْ العذراءُ المباركةُ راكعة وقَبّلتْ الأرض حيثما سَقطَ ابنها، بينما اعتصرت المجدلية يديها من الأسىِ المرّير، ويوحنا، مع أنه لم يستطع أَنْ يمنع دموعه، إلا أنه سَعى إلى مواساتهما ومساندتهما. هكذا كَانتَ ممارسة تكريس طريق الآلام لأول مرةِ؛ هكذا كَانَ إكرام آلام يسوع أول مرة، حتى قبل أن تكتمل تلك الآلام بحمل الصليبَ، والعذراء المباركة، ذلك النموذجِ للنقاوةِ التى بلا تلوثِ، كَانَت الأولَى فى إظهار التّبجيل العميق الذى تشعر به الكنيسةِ لإلهنا الحبيب. كم هو حلو ومُعزى أَنْ نتبع تلك الأمِ التى بلا دنس، بالمرور ذهاباً وإياباً، ونُبجل تلك البُقَعِ المقدّسة بدموع توبتنا. لكن، آه! كيف نستطيع أَنْ نَصفَ السّيف الحادّ، سيف الأسىِ الذى جاز فى نفسها الرقيقة؟ تلك التي حبلتْ بمخلص العالمِ في رحمها العفيفِ وأرضعته، تلك التي حَبلت بالحقيقة بكلمةَ الرب، أنها ذات القلب الممتلئ بالنّعمةِ، الذى تَنازلَ وسكن فيه مُخلص العالم تسعة اشهرَ، إنها من شَعرت به يَعِيشُ داخلها قبل أن يظَهرَ بين البشر ليَمْنحهمَ بركة الخلاص ويُعلّمهم تعاليمه السّمائية؛ لقد عَانتْ مع يسوع، شاركُته ليس فقط آلامه المريرة، بل أيضاً تلك الرغبة المتوهجة فى تحرير البشريةِ السَاقطةَ بالموتِ المخزي على الصليب.
بهذا الأسلوب المؤثر صنعت العذراءِ كلية الطهر والقداّسةِ أساسِ الولاءِ الذى سُمى بطريقَ الصّليبِ؛ في كل موقع موسوم بآلامِ ابنها، لقد ادخرت في قلبها استحقاقات لا تنضب من آلامه، وجمّعتهم كحجر كريمِ أو كرائحة زهور حلوة لتُقَدّمُهم كتقدمة مختارة إِلى الأبِ الأبدي نيابة عن كل المؤمنين الحقيقيين.
إن حزن المجدلية كَانَ شديداً جداً حتى أنها بدت تقريباً كشّخصِ مذهول. الحبّ المقدّس والغير محدود الذى أحست به تجاه يسوع حَثها على أن تسكب نفسها عند قدميه، وتسكب هناك مشاعر قلبها كما سكبت الطيب الثّمينَ ذات مرة على رأسه بينما كان يتكئ على المائدة؛ لكن ها هنا يوجد ما يحيل بينها وبينه. إن التوبة التى عاشتها لأجل ذنوبها كَانتْ هائلةَ، وشكرها لم يكن أقلَ شدة لأجل غفرانهم؛ لكن عندما اشتاقت أَنْ تَقدم أْعمال الحبِّ والشّكرِ كرائحة بخور ذكية عند قدمي يسوع، رأته مُخاناً، مُتألماً وعَلى وَشَكِ أَنْ يَمُوتَ من أجل التكفير عن آثامها التي أَخذَها على نفسه، وهذا المشهد مَلأها بالرّعبِ، ومزقت نفسها إرباً بمشاعرِ من الحبِ والندم والشكر. منظر جحودِ أولئك الذين كَانَ يسوع عَلى وَشَكِ أَنْ يَمُوتَ من أجلهم زاد من مرارة هذه المشاعرِ كثيراً وكل خطوةِ أو كلمة أو حركة أظهرت آلام نفسها.
أمتلئ قلب يوحنا بالحبِّ، وتألم بشدة، لكنه لم ينَطقَ بكلمةَ. لقد شَجّع‏ أمَ سيده الحبيبِ في رحلتها الأولى لمواضع طريقِ الصليبِ، وسَاعدها في إعْطاءِ مثالِ عن ذلك الولاءِ الذي صار يُمَارسَ بكثير من التأجّجِ من أعضاءِ الكنيسةِ المسيحيةِ.

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

الفصل الثلاثون
أصل طريق الصّليب

خلال كل المشهدِ الذي وَصفنَاه الآن، كانت العذراء مريم تقف مع المجدلية ويوحنا في أحد جوانب الساحةِ: مغُمِورين بحُزنِ بغاية المرارة، حزن كان يتزاِيدَ مع كل ما يسَمعونه ويرونه. عندما اُخِذَ يسوع أمام هيرودس، قادَ يوحنا العذراءَ المباركَة والمجدلية ومروا على كل المناطق التي تقُدّسَت بخطاه. لقد مروا على دّارِ قيافا ثانية، دار حنان، أوفيل، جَثْسَيْمَانِي وبستان الزّيتونِ؛ لقد توَقفوا وتَأمّلوا كل بقعةِ حيث سَقطَ، أو حيث عَانى؛ وبَكوا بصمت بتذكر كل ما خَضعَ له. سَجدتْ العذراءُ المباركةُ راكعة وقَبّلتْ الأرض حيثما سَقطَ ابنها، بينما اعتصرت المجدلية يديها من الأسىِ المرّير، ويوحنا، مع أنه لم يستطع أَنْ يمنع دموعه، إلا أنه سَعى إلى مواساتهما ومساندتهما. هكذا كَانتَ ممارسة تكريس طريق الآلام لأول مرةِ؛ هكذا كَانَ إكرام آلام يسوع أول مرة، حتى قبل أن تكتمل تلك الآلام بحمل الصليبَ، والعذراء المباركة، ذلك النموذجِ للنقاوةِ التى بلا تلوثِ، كَانَت الأولَى فى إظهار التّبجيل العميق الذى تشعر به الكنيسةِ لإلهنا الحبيب. كم هو حلو ومُعزى أَنْ نتبع تلك الأمِ التى بلا دنس، بالمرور ذهاباً وإياباً، ونُبجل تلك البُقَعِ المقدّسة بدموع توبتنا. لكن، آه! كيف نستطيع أَنْ نَصفَ السّيف الحادّ، سيف الأسىِ الذى جاز فى نفسها الرقيقة؟ تلك التي حبلتْ بمخلص العالمِ في رحمها العفيفِ وأرضعته، تلك التي حَبلت بالحقيقة بكلمةَ الرب، أنها ذات القلب الممتلئ بالنّعمةِ، الذى تَنازلَ وسكن فيه مُخلص العالم تسعة اشهرَ، إنها من شَعرت به يَعِيشُ داخلها قبل أن يظَهرَ بين البشر ليَمْنحهمَ بركة الخلاص ويُعلّمهم تعاليمه السّمائية؛ لقد عَانتْ مع يسوع، شاركُته ليس فقط آلامه المريرة، بل أيضاً تلك الرغبة المتوهجة فى تحرير البشريةِ السَاقطةَ بالموتِ المخزي على الصليب.
بهذا الأسلوب المؤثر صنعت العذراءِ كلية الطهر والقداّسةِ أساسِ الولاءِ الذى سُمى بطريقَ الصّليبِ؛ في كل موقع موسوم بآلامِ ابنها، لقد ادخرت في قلبها استحقاقات لا تنضب من آلامه، وجمّعتهم كحجر كريمِ أو كرائحة زهور حلوة لتُقَدّمُهم كتقدمة مختارة إِلى الأبِ الأبدي نيابة عن كل المؤمنين الحقيقيين.
إن حزن المجدلية كَانَ شديداً جداً حتى أنها بدت تقريباً كشّخصِ مذهول. الحبّ المقدّس والغير محدود الذى أحست به تجاه يسوع حَثها على أن تسكب نفسها عند قدميه، وتسكب هناك مشاعر قلبها كما سكبت الطيب الثّمينَ ذات مرة على رأسه بينما كان يتكئ على المائدة؛ لكن ها هنا يوجد ما يحيل بينها وبينه. إن التوبة التى عاشتها لأجل ذنوبها كَانتْ هائلةَ، وشكرها لم يكن أقلَ شدة لأجل غفرانهم؛ لكن عندما اشتاقت أَنْ تَقدم أْعمال الحبِّ والشّكرِ كرائحة بخور ذكية عند قدمي يسوع، رأته مُخاناً، مُتألماً وعَلى وَشَكِ أَنْ يَمُوتَ من أجل التكفير عن آثامها التي أَخذَها على نفسه، وهذا المشهد مَلأها بالرّعبِ، ومزقت نفسها إرباً بمشاعرِ من الحبِ والندم والشكر. منظر جحودِ أولئك الذين كَانَ يسوع عَلى وَشَكِ أَنْ يَمُوتَ من أجلهم زاد من مرارة هذه المشاعرِ كثيراً وكل خطوةِ أو كلمة أو حركة أظهرت آلام نفسها.
أمتلئ قلب يوحنا بالحبِّ، وتألم بشدة، لكنه لم ينَطقَ بكلمةَ. لقد شَجّع‏ أمَ سيده الحبيبِ في رحلتها الأولى لمواضع طريقِ الصليبِ، وسَاعدها في إعْطاءِ مثالِ عن ذلك الولاءِ الذي صار يُمَارسَ بكثير من التأجّجِ من أعضاءِ الكنيسةِ المسيحيةِ.

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

الفصل الحادي والثلاثون
بيلاطس وزوجته

بينما كان اليهودَ يَقتادُون يسوع إِلى هيرودس، رَأيتُ بيلاطس يَذْهبُ إلى زوجته، كلوديا بروكليس. لقد كانت متعَجّلة لملاقاته، وذَهبا معا إلى إحدى الشرفات التى تقع خلف القصرَ. بدت كلوديا متأثرة كثيراً وخائفةِ. لقد كَانتْ امرأة طويلةَ القامة، رقيقة، لكنها كانت شاحبة. شعرها مُضُفِرَ ومُزَيَّن قليلاً، لكنه مُغَطَّىَ جزئياً بخمار طويلِ يسَقطَ بشكل رشيق على كتفيها. تَحدّثتْ مع بيلاطس لوقتِ طويلِ، وتَوسّلت إليه بكل ما هو مقدّسَ عنده ألا يظلم يسوع، ذلك النّبيِ، قدّيسِ القديسين؛ وروت الأحلامِ والرُّؤى الغير عادية التى رأتها فى اللّيلةِ السّابقة والتى تختص به .
بينما كَانتْ تَتكلّم رَأيتُ أكبر جزءَ من هذه الرُّؤىِ: أولاً الأحداث الرّئيسية في حياةِ الرب يسوع : البشارةِ، الميلاد، توقير الرّعاةِ والمجوسِ، نبؤه سمعان الشيخ وحنة النبيةِ، الهروب إلي مصر، مذبحة الأطفالِ، وتجربة الرب يسوع في البريةِ. لقَدْ رأت في نومها أيضاً السمات الآخّاذ‏ة للحياةِ العامّةِ ليسوع. لقد ظَهرَ لها دائما مُحاَّطاً بضياءِ متألقِا، لكن أعداءه الخبثاء والقساة كَانوا يظهرون فى أشكالِ مروّعةِ ومثيرة للاشمئزاز. لقد رَأتْ آلامه الشديدة وصبره ومحبّته التى لا تنضب، على نفس النمط رأت آلام أمه واستسلامها الكامل. هذه الرُّؤىِ مَلأتْ زوجةَ بيلاطس بالقلقِ والرّعبِ، خاصة أنها يرافقها رّموزِ جَعلتها تفَهمَ معانيها، ومشاعرها الرقيقة قَدْ سُلِبت برؤية مثل هذه المشاهدِ المُخيفةِ. لقَدْ عَانتْ منها طوال اللّيلِ؛ وعندما أشرق الصباح واستيقظتْ على ضوضاءِ الغوغاءِ الذين كَانواَ يَسْحبُون يسوع لُيحْاكَمُ ورَأتْ فى الحال الذبيح بلا مُقَاوَمَةِ وسطِ الحشودِ، مُقيداً، متألماً، ويُعامل على نحو غير أنساني حتى أنه كانَ من الصعب تمييزه، كأنه لم يكنَ ذلك الشخص المُشرق والممجدِ الذى رأته أمام عينيها في رُؤىِ اللّيلِة الماضيةِ. لقَدْ تأثّرتْ بشّدة من هذا المنظر، وطَلبتْ بيلاطس فوراً وأعطته تقريراً عن كل ما حَدثَ لها. تَكلّمتْ بكثير من الشدة والانفعال؛ بالرغم من أن جزء عظيمَ مما رَأتْه لم تتَمَكّنَ من َفْهمَه أو توضحه، ومع ذلك تَوسّلتْ إلى زوجها ونَاشدتْه بأكثر التّعبيرات تأثيراً أَنْ يَمْنحَها طلبها.
كَانَ بيلاطس مُتعجّبَا ومضطرباً من كَلِماتِ زوجته. لقد قَارنَ بين رّوايتها مع كل ما سَمعهَ بخصوص يسوع سابقاً؛ وتأمل فى كراهيةِ اليهودِ وصّمت مُخلصنا وإجاباته الغامضة عن كل أسئلته. لقد تَردّدَ لبعض الوقتِ، لكنه تغلّبَ أخيراً بالتماسات زوجته واخبرها أنه أعلن بالفعل عن إيمانه ببراءةِ يسوع وأنه لَنْ يُدينه، لأن رَأىَ أنّ الاتهامات ليست سوي تّلفيقَ من أعدائه. لقد تَكلّمَ عن كَلِماتِ يسوع له ووَعدَ زوجته أن لا شيء يَجِبُ أَنْ يُقنعه بأَنْ يُدينَ هذا الرجل البار، حتى أنه أعطاها خاتمه قبل أن يفترقا كعربون عن وفائه بوعده.
شخصية بيلاطس كانت فاسدة ومترددة، لكن أسوأَ صفاته كَانتْ الكبرياءَ الشديد والدناءة‏ اللتين تجَعلانه لا يَتردّدَ عن فعل أى عملِ ظالمِ. أنه يؤمن بالخرافاتَ بشدة، وكان يستعين بالسّحرِ والشعوذةِ إن اعترضته أي صعوبات. لقد كَانَ مرتبكاً كثيراً ومنزعجاً بخصوص محاكمةِ يسوع؛ ولقد رَأيته يَجْري ذهاباً وإيابا، يقدم بخوراً أولاً لأحد الآلهة وبعد ذلك إِلى إله آخرِ، ويُنَاشَدهم أَنْ يُساعدونه؛ لكن الشيطانَ مَلأَ خياله بأعظمُ تشويشُ ؛ لقد غرس أولاً فكرة باطلة وبعد ذلك فكرة أخرى. ظل ذهنه مُغَلَّفاً بالظّلمةِ، واصبحَ متردداً أكثر فأكثر. لقد فكر أولاً أن يُبرّئُ يسوع، لأنه يعرف جيّداً أنْه برئَ، لكنه خَافَ تَحَمُّلَ غضبَ آلهته إن أطلق سراحه، كما أنه توهم أنه أحد أنصاف الآلهةِ، وبغيض إِليهم, لقد قال فى نفسه " من المحتمل أن يكون هذا الرّجلِ ملكِ اليهودِ الذى اختصت به عديد من الّنبوءاتِ. ربما كان هو ملك اليهودِ الذي أتى المجوس من الشّرقِ ليُمجّدَوه. ربما يكون العدوُ السريُ لكل آلهتنا والإمبراطوريةِ؛ ربما يَكُونَ إنقاذ حياته يكون أكثر الحماقات فى حياتي. من يَعْرفُ ربما يكون موته نصراً لآلهتي؟ " ثم تَذكّرَ الأحلامَ الغير عادية التي وَصفتْها له زوجته، التي لم يسَبَقَ أَنْ رَأتْ يسوع، ومرة أخرى غَيّر رأيه، وقرر أنه سَيَكُونُ أكثر آمناً إنْ لم يُدنه. حَاولَ أَنْ يُقنعَ نفسه أنه يرَغبَ أَنْ يجيز حكماً عادلاً؛ لكنه خَدعَ نفسه، لأنه عندما سَألَ نفسه، " ما هو الحق؟ " لم ينتظرَ الجواب. ذهنه قَدْ أمتلئ بالتّشويشِ، وكَانَ مرتبكاً تماماً ولا يعرف كيف يَتصرّف، أمنيته الوحيدةِ كَانتْ أَنْ لا يُعرض نفسه لأي مخاطرة .

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

الفصل الثاني والثلاثون
يسوع أمام هيرودس

بُنِى قصر هيرودس في المدينةِ الجديدةِ على الجانبِ الشّماليِ للساحةِ؛ على مسافة ليست بعيدة عن قصر بيلاطس. سار الموكب برفقة جنودِ رومان. كان أعداء يسوع بغاية الغيظ لكونهم قَدْ أُرغموا على أَنْ يسلكوا الطريق ذهابا وإيابا، ولهذا نَفّسوا عن غيظهم فى يسوع.
سبق رسول بيلاطس الموكب، ولذلك كان هيرودس يَتوقّعهم. كان جالساً في قاعةِ واسعة ومُحاطاً مِن قِبل حاشيته وحراسه. دخل رؤساء الكهنة واتكئوا بجانبه، تْاركُين يسوع في المدخلِ. كان هيرودس مبتهجاَ ومسروراً كثيرا من بيلاطس لكونه اعترفِ علانية بحقه فى محُاكْمةِ الجليلى، واُبتَهَج أيضاً برُؤيةِ يسوع الذي لم يسَبَقَ أَنْ تَنازلَ وَظْهرَ أمامه وقد أهين بمثل هذه الحالة من الإذلالِ. فضوله قد أثير بشّدة بالتّعبيراتِ التي أعلن بها يوحنا المعمدان عن مَجيء يسوع، وسَمعَ كثيراً أيضاً عنه من هيروديا ومن عديد من الجواسيسِ الذين أرسلهم في مختلف المناطقِ: لهذا كَانَ مسروراً لكونه وجد فرصةِ لاسْتِْجوابه في حضورِ رجال حاشيته وكهنة اليهود، مَتمنّياً أَنْ يَقدم يسوع عرضاً كبيراً عن معرفته ومواهبه. ولكون بيلاطس قد أرسل له خطاباً يقول فيه : " أنه لم يستطع أَنْ يَجدَ علة في الرّجل " فقد استنتجَ بأن هذه الكَلِماتِ قَدْ تكون تلميحِ بأن بيلاطس يرَغبَ أن يُعامل مُتهمي يسوع باحتقار وارتياب. لهذا خاطبهم بأسلوب متغطرسِ بأقصى ما يستطيع مما زِادَ من غيظهم وغضبهم بما يفوق الوصف .
بدأ الجمع فى الحالً يَصِيح باتهامات سمعَها هيرودس بصعوبة، ولكونه اعتزم أن يرْضى فضوله باختبار سريع ليسوع، الذى تمنى كثيراً أَنْ يَراه. لكن عندما نَظره عاَرّيا من كل لباسِ باستثناء‏ عباءةِ وقادراً بالكاد أَنْ يَقفَ، وطلعته تشَوّهتْ بالكلية من الضّرب الذى ناله، ومن الطّينِ الذي ألقاه الرّعاع علي رأسه، استدارا الأمير المترف والمخنث في اشمئزازِ، ناَطقَا باسمَ الرب، وقال للكهنة بنغمةِ هى خليط من الرّحمةِ والاحتقار : " خذوه من هنا، ولا ترجعوه إلى حضرتي بمثل هذه الحالة المذرية ", أخذ الحرّاس يسوع إلي القاعة الخارجيةِ، ودبّروا بمشقّة‏ بعض الماءِ في أناء ونظفوا ملابسه المُلَوَّثةَ ووجهه المشَوّه؛ لكنهم لم يتَمَكّنوا من أَنْ يمنعوا توحشهم حتى بينما كانوا يفعَلَون هذا، ولم يبالوا بالجراحِ التى قَدْ تغُطّى بها.
أثناء ذلك تَحرّشَ هيرودس بالكهنة كما فعل بيلاطس وقال لهم " إن سلوككمَ يَشْبهُ جداً سلوك الجزارين، وها أنتمَ قد شْرعُتم فى ذبائحكم مبكّراً‏ في الصّباحِ." تلا رؤساء الكهنة اتهاماتهم فى الحال. أدعى هيرودس عندما جاء يسوع ثانية إلي حضرته أَنْه يَشْعرَ ببعض الشّفقةِ، وقدم له قدحاً من الخمر ليُجددَ قوته؛ لكن يسوع أدارَ رأسه بعيداً ورَفضَ.
بَدأَ هيرودس حينئذ يُسهِب‏ بثّرثرةِ عظيمةِ عن كل ما سَمعهَ بخصوص يسوع. سَألَه كثيراً وحَثّه أَنْ يؤدى معجزة في حضرته؛ لكن يسوع لم يُجبَه بكلمةَ ووَقفَ أمامه وعيناه ناظرتان لأسفل، مما جعل هيرودس يُغضَب ويرتبكَ، مع أنه سَعى أن يُخفى غضبه واستمرَّ فى استجواباته. في بادئ الأمر عبَّر عن‏ دهشته واستعملَ كَلِماتِ مقنعةِ : " هل ممكن أن تظهر بنفسك يا يسوع أمامي كمجرمِ؟ لقَدْ سَمعتُ عن أعمال كثيرةً تخصك يتحدثون بشأنها. ربما تكون غير مدرك أنك أهنتني بشدة بإطْلاقِ صراح السّجناءِ الذين حبستهم، لكن ربما كانت النوايا حسنه. لقَدْ أرسلَك الحاكم الرّوماني إلي الآن لتُحاْكَمُ؛ أي جواب ممكن أن تَعطيه لى عن كل هذه الاتهامات؟ لماذا أنت صامت؟ لقَدْ سَمعتُ كثيراً عن حكمتك، وعن الدّيانة التى تنادى بها, دعني اَسْمعُ إجابتك وفنّد ما يدعيه خصومك. هل أنت ملك اليهودِ؟ هل أنت ابن الرب؟ من أنت ؟ لقد قيل لى أنك تؤدى معجزات عظيمة؛ أصنع واحدة الآن في حضرتي. فإن لى السلطة أَنْ أطلقك. هَلْ أعدت حقاً البصرَ للأعمىُ وأحييت لعازر من الموتِ، وأطعمت ألفين أو ثّلاث آلاف إنسان ببضعة أرغفةِ؟ لماذا لا تجيبَ؟ لقد أمرتك أَنْ تفَعْلَ معجزة بسرعة أمامي؛ ربما تُسر بعد ذلك لكونك امتثلتَ لرغباتي. " استمر يسوع مَحتفظاً بصمته واستمرَّ هيرودس يَسْأله بثرثرةِ أكثرِ

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

" من أنت ؟ من أين تستمد قوتك؟ كيف أنك لم تعد تَمتلكها؟ هل أنت من كان ميلادك قَدْ أُنبّأ به بمثل هذا الأسلوب العجيب؟ لقد جاء ملوك من الشّرقِ إِلى جدي ليَروا ملك اليهودِ المولود حديثاً: هَلْ حقاً أنك أنت ذلك الطّفلِ؟ هل هربت عندما ذُبح الكثير من الأطفال، وكيف دبرت أمر هروبكَ؟ لماذا كنت غير معروف لعديد من السَنَوات؟ أجب عن أسئلتي! هل أنت ملك؟ أن مظهرك الآن لا يُعطى بالتأكيد ذلك الانطباع. لقد قيل لى أنّك كنت ذاهباً إِلى الهيكلِ في موكب منذ وقت قصير. ماذا كَانَ يُعنى مثل هذا الموكبِ؟ تكلّمُ حالاً! أجبني! "
استمرَّ هيرودس يَسْألَ يسوع بهذا الأسلوب السّريعِ؛ لكن يسوع لم يجبه. لقَدْ رأيت أن يسوع كَانَ صامتاً هكذا لأن هيرودس كُان فى حالة عزلة، بسبب زواجه الغير شرعي من هيروديا، ولأنه أعطىَ أمراً بقتل يوحنا المعمدان. عندما شاهد حنان وقيافا كيف أن هيرودس ساخطاً من صمتِ يسوع، سَعيا فى الحال أن يَستغلاُ مشاعر غضبِه، وأعلنا تهمهما قائلين أن يسوع قَدْ وصف هيرودس نفسه بالثعلب؛ وأن هدفه العظيم لسنوات عديدّة مضت هو أَنْ يُسقطَ عائلةِ هيرودس؛ وأنه كَانَ يسعي إلى أن يُؤسّسَ ديانةَ جديدَ، وإنه احتفلَ بالفصح فى اليومِ السّابقِ. ومع أن هيرودس قَدْ اُغتاظ بشدة من تصرفاتِ يسوع، إلا أنه لم يُبعد نظره عن النّهاية السّياسيةِ التي أراد أَنْ يحققها. لقَدْ قرر أَلا يُدينُ يسوع، لأنه أحس بإحساس غامض بالرّعبِ في حضوره، ولأنه ما زالَ نادماً لكونه أسلم يوحنا المعمدان إِلى الموتِ، بالإضافة أنه يمَقتَ رؤساء الكهنة لأنهم لم يسَمحوا له أَنْ يُشتركَ في التّضحياتِ بسبب زواجه الغير شرعي من هيروديا.
لكن دافعه الرّئيسيَ لقراره بألا يُدينُ يسوعَ، أنه أراد أَن يصنع مودة مع بيلاطس لأجل مجاملته له، واعتقدَ أن أفضلَ مُقابل سيَكُونُ إظهار التقديرَ لقراره ومُوَافَقَته في الرّأيِ. لكنه تَكلّمَ بأسلوب محتقر إِلى يسوع، والتفت إِلى الحرّاسِ والخدمِ الذين أحاطوه، وكَان عددهم يُناهز مأتى شخص قائلاًَ :' خذُوا هذا الغبيِ، وقدموا له الإجلال الذى يستحقه؛ إنه مجنونُ، لكنه ليس مذنباً بأي جريمةِ. "
حينئذ اُخِذوا يسوع فى الحال إلى قاعة كبيرةِ، حيث أهانوهِ واحتقروه بكل أهانه ممكنة. كانت هذه القاعة بين جناحي القصرِ، وقف هيرودس ليشاهدَ ذلك لبعض الوقتِ. كان حنان وقيافا بجانبه، يَسْعيان إلى إقناعه بأَنْ يُدينَ مُخلصنا. لكن جهودهم كَانتْ غير مثمرةَ، وأجاب هيرودس بنغمةِ عاليةِ تكفى أنْ تُسْمَعُ مِن قِبل الجنودِ الرّومان : " كلا، سأكون مُخطئاً بالتأكيد إن أنا أدنته. " بما معناه، أنه سَيَكُونُ مخطئاً إذا أدان شخصاً كمذنبِ بينما يرى بيلاطس أنه برئُ، وأنه يرجأ الحكم النّهائي له.
عندما أدرك رؤساء الكهنة وباقي خصوم يسوع أنّ هيرودس قَدْ قرر أَلا يَستسلمُ لرغباتهم، أرسلوا مبعوثين إلى الجزء الذى يسُكِنهَ الفريسيون من المدينة، ليعلموهم إنهم يَجِبُ أَنْ يحتشدوا بجوارِ قصرِ بيلاطس وأن يجمّعواُ الرّعاعَ ويَرْشوهم ليصنعوا ضوضاء، ويَطاْلبوا بإدانة يسوع. وبَعثوا بوكلاءَ سريين أيضاً كى يُحذروا الشعب بتهديدات الثّأرِ الإلهى إن لم يصروا على قتل يسوع، الذي يعتبرونه مُجدفاً. لقَدْ أمروا هؤلاء الوكلاءِ أَنْ يحذروا الشعب بإعْلانِ أنه إن لم يُقتل يسوع، فأنه سيَذْهبُ إِلى الرومانِ، وسيُساعدُ على إبادةِ الأمةِ اليهوديةِ، لأن ذلك كان ما يُشير إليه عندما تَكلّمَ عن مملكته المُقبلة. لقد سَعوا فى نْشر تقريرَ في أجزاء أخرى من المدينةِ، أن هيرودس قَدْ أدانه، لكن ما زالَ ضروري للشعب أَنْ يُظهر رغبته، كما أن الموالين له سيَخَافونَ؛ لأنه إن أطلق سراحه فأنه سيتقرب للرومان، ويصنع اضطراباً فى يومِ العيدِ، وينتقم بوحشية منهم. رَوّج البعض منهم تقارير تحذير مناقضة ليُثيروا الشعب ويتسبّبُوا فى حدوث تمرد؛ بينما وزع آخرون أموال بين الجنودِ ليَرْشوهم ليسيئوا معاملة يسوع، لكي يتُسبّبَوا فى موته، الذي كَانوا مُتلهفين على َجْلبه بأسرع ما يمكن، خشية أن يُبرّئه بيلاطس.
بينما كان الفريسيون يُعدون أنفسهم بهذا الأسلوب، كان مُخلصنا المبارك يَعاني أبلغ إساءة من الجنودِ الهمج الذين سلم هيرودس يسوع لهم، لقد سْخروا منه كأحمق. لقد سَحبوه إلي القاعة، وكان لواحد منهم كيس أبيض كبير كَانَ فيما سبق مَمْلُوءاً بالقطنِ، صنعوا فتحةَ في وسطه بالسيفِ، وبعد ذلك ألقوه على رأسِ يسوع ومصاحبين كل فعلِ بالضحك مُستهزئين به. أحضر جنديُ آخرُ عباءةِ قِرمزيةِ قديمةِ، ووضعها حول رقبته، بينما أحنى الباقون رؤوسهم أمامه وكانوا يَدْفعونه ويسبونه ويتفلون عليه ويصفعونه على وجههِ، لأنه رَفضَ أَنْ يُجيبَ ملكهم، سخروا منه بالتظاهر بأنهم يُبايعونه, ألقوا الوحل عليه, أوثقوه من خصرهِ كي يَجْعلوه يَرْقصَ؛ ثم طرحوه أرضاً، جروه إلى إلي جانبِ القاعةِ، لتصطدم رأسه المقدّسة بالأعمدة وبجوانب الحوائطِ، وعندما أنهضوه فى النهاية، كان ذلك فقط لكي يواصلوا إهاناتهم. بَلغ جنود وخدم هيرودس الذين تجُمّعوا في هذه القاعة أكثر من مائتين، وكل فكرهمِ أَنْ يتوددوا إِلى حاكمهم بتَعذيبِ يسوع ببعض الطّرقِ التى لم يُسمع بها من قبل. كثيرون منهم قَدْ أرتشي مِن قِبل خصوم يسوع كى يَضْربوه على رّأسهِ بعصيهم، وقد استغلّوا الفوضى والضّوضاءِ ليفعلوا هكذا. نَظرَ يسوع إليهم بشّفقةِ؛ زيادة الألمِ جعلته يتأوه ويئن، لكن أعداءه ابتهجوا بآلامه، وهزءوا بتأوهاته، ولا واحد من بين كل الّجمّعِ أظهر أدنى دّرجة من الرحمة. لقد رَأيتُ الدمَ ينزف من رأسه، وثلاث مرات طرحه الضّرب أرضاً، لكن الملائكةَ التى كَانتْ تَبْكي بجانبه كانت تدَهن رأسه ببلسمِ سّمائيِ. لقد كُشفَ لي ذلك لأعلم أنه لولا تلك المعونة لأفضت تلك الجراحِ إلى موت يسوع. أن الفلسطينيين في غزة، الذين أعطوا متنفساً لغضبهم بتَعذيبِ شمشون الأعمىِ، كَانَوا أقل بربريَة ووحشية من هؤلاء الجلادين اليهود القساة .
لم يكن الكهنة صبورين فى الرجوع إِلى الهيكلِ؛ لهذا، بعد ما تأكدوا من أن طلباتهم بخصوص يسوع لن تُطاع، رَجعوا إِلى هيرودس، وسَعوا لإقناعه بإدانة يسوع. لكنه، لِكَونِهِ قد قرر أن يفَعَلُ كل ما فى مقدوره كى يُسر بيلاطس، رْفضُ أَنْ ينصاع لرغباتهم، وأعاد يسوع ثانية مُكتسياً بزي الحمقى .
تأمل الرب يسوع
أَمرَ بيلاطس أن يَأْخذوني إِلى هيرودس, إنه رجلاً فاسداً مسكيناً من الذين يبَحثونَ عن اللذة فقطِ، سْامحاً لها أنْ تُسوقُه إِلى مشاعر منحرفةِ. لقد كَانَ يأمل أنَ يراني آتياً أمام محكمته لأنه تَمنّى أَنْ يَسلّي نفسه بكَلِماتي وبمعجزاتي.
خذوا بعين الاعتبار يا أبنائي النّفور الذي شَعرتُ به في حضرِة أكثر الرجال إثارة للاشمئزاز، الذي غَطّتني كلماته وأسئلته وإيماءاته بالتّشويشِ. أيتها النفوس النقية والعفيفة، تعالوا لتُحيطَوا بعريسكم ولتَحْمونه.
توقّع هيرودس أَنْ أُجيبَه على أسئلته السّاخرة لكنني لم اَنْطقُ بكلمة؛ اَحتْفظُت بصّمتَ مُطلق أمامه. عدم إجابتي كَانتَ أعظم برهانَ أستطيع أَنْ أَعطيه له عن منزلتي. كَلِماته البذيئة لم تكن جديرة بأَنْ تلتقي بكلماتي النقية. فى نفس الوقت، قلبي كان قَدْ توُحّدَ بشكل لانهائي مع أبي السّماويِ. لقد كنت متشوقاً برغبة أَنْ أسفك دمى حتى القطرة الأخيرة من أجل فداء النفوسِ. إن فكرة أن كل إنسان، سيتبعني بعد ذلك، سيغلب بمثالي وسخائي، اشعلتني حباً، ولذا لم أمتنع فقط عن ذلك الاستجواب الفظيعِ بل أردتُ أَنْ أركض نحو عذابِ الصّليبِ.
لقد سَمحت لهم أَنْ يُعاملوني كإنسان أحمق وقد غطّوني بسترةِ قرمزية كعلامة سخريتهم وهزئهم بى. بعد ذلك، في وسط صراخ صّياحهم الساخر، اقتادوني مرة أخرى إلى بيلاطس .

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

الفصل الثالث والثلاثون
اقتياد يسوع من هيرودس إلى بيلاطس

غضب أعداء يسوع تماماً لَكُونهمَ مُضطرين للعودة بيسوع إِلى بيلاطس الذي أعلن براءته مراراً وأنه غير مُدَانُ. لقد اقتادوه فى طريقِ أكثر طولاِِ، كي يدّعوا أناس تلك المناطق من المدينةِ يَرونه في حالة العارِ التي كَانَ عليهاَ، ومن ناحية أخرى كي يَعطوا رسلهم وقتاً كافياً ليُثيروا عامة الشعب.
هذا الطّريقِ كَانَ صعباً وغير ممهد؛ وبتحريض الفريسيين لم يمتنع الجنود لحظةَ عن تَعذيبِ يسوع. كان الرداء الطّويل الذي يرتديه يعَرقَل خطاه، وتسَبّب فى سْقوطه أكثر من مرة؛ وبدلاً من أن يُساعده حرّاسه القساة في إعيائهِ سعوا بمشاركة كثيرين من عامة الناسِ الهمج أن يجبروه على النهوض بالضّربِ والرّكلِ .
لم يبد يسوع أدنى مقاومةَ إِلى كل الإساءات؛ بل كان يصَلّى باستمرار إِلى أبيه لأجل النّعمةِ والقوةِ التي لولاهما لكان أنهار، لكى يتمم آلامه لأجل فدائنا .
وصل الموكب لقصرَ بيلاطس. الحشود كَانتَ كثيرة، وكان الفريسيون يسيرون ذهاباً وإيابا، يَسْعون أن يُحرّضُوا الجموع أكثرُ. جَمّعَ بيلاطس أكثر من ألف جنديِ، وأرسلهم حول دار الولاية والساحة وقصره لأنه تَذكّرَ التمرد الذي حَدثَ السّنة الماضية في عيد الفصحِ.
العذراء المباركة ومريم التى لكلوبا والمجدلية، وحوالي عشرين من النِّساءِ القديّساتِ، كَنَ يَقفنُ في موضع يستطعن منه أَنْ يَرين كل ما يحَدث، وفي بادئ الأمر كَانَ يوحنا معهم.
أقتاد الفريسيين يسوع، الذى كان ما زالَ يرتدى ذلك الرداء، وسطِ الغوغاءِ الوقحين، وقَدْ فعَلَوا كل ما فى قدرتهم ليجمّعواَ الحقراء والأشرار الفجار من حثالةِ الشعب. كان هناك خادمُ قَدْ وَصلَ بالفعل إلى بيلاطس مُرسلَ مِن قِبل هيرودس، ومعه رسالةِ تُظهر أن سيده يقَدّرَ بالكامل رأيه، لكنه ينَظرَ إلى الجليلى على أنه ليس سوى إنسان أحمق، وأنه عَامله على هذا الأساس وها هو يرجعه له الآن. رضىَ بيلاطس تماماً لكونه وجد أن هيرودس قَدْ وصل إِلى نفس النتيجة التى وصل إليها هو نفسه، ولهذا أرجعه برسالة مهذبة. من تلك السّاعةِ اصبحا صديقان، بعد ما كاناَ أعداء لعديد من السَّنَواتِ؛ منذ أن انهارت القناةِ .
اقتيد يسوع ثانية إِلى قصر بيلاطس. جره الجنود على الدّرجِ بوحشيتهم المعتادةِ؛ أقدامه تُشَابكت مع ردائه الطّويلِ، وسَقطَ على الدرج الرّخاميِ الأبيضِ، الذى تلُطّخْ من الدّمِ النازف من رأسه المقدّسِ. أخذ أعداؤه مقاعدهم ثانية عند مدخلِ الساحةِ؛ سَخرَ الغوغاءُ من سقوطه، وضرب الجنود ضحيتهم البريئةَ، بدلاً من أن يُساعدونه على الَنْهوضَ. كان بيلاطس يَتّكئ على كرسي وأمامه منضدةِ صغيرة ومحاطَاً بضّبّاطِ وأشخاصِ يحَملون أشرطة رقّ الكتابةِ فى أياديهم. تَقدّمَ وقالَ إِلى من يتّهمون يسوع : " لقد قَدّمتَم لي هذا الرّجلِ، كشخص يُفسد الشعب، وها أنا بعد ما اختبرته أمامكم، لم أجد علة فيه من جهة تلك الأمور التى تشتكون بها عليه. كلا، ولا هيرودس. لأنى أرسلتكمَ إليه، وإنه لم يفعل شيئاً يستحقّ عليه الموتِ. لهذا أنا سأؤدبه وأُطلقه. "
غضب الفريسيون عندما سمعوا هذه الكَلِماتِ، وسَعوا بكل قدرتهم أَنْ يُقنعَوا الشعب أَنْ يَتمرّد، مُوزّعين الأموال عليهم ليصلوا إلىَ هذا الغرضِ. نظر بيلاطس حوله باحتقارِ، وخاطبهم بكَلِماتِ هازئة .
وكان من المعتاد طبقاً لتقليد قديم، أن الشعب كَانَ له امتياز طَلَبِ إطلاق سراح أحد السّجناء. أرسل الفريسين مبعوثون ليُقنعوا الشعب أَنْ يَطْلبوا الموت ليسوع. تَمنّى بيلاطس أن يطلبوا يسوع، وقرر أن يَعطيهم أَنْ يَختاروا بينه وبين مجرم يُدعِيِ باراباس، الذي كَانَ قَدْ أدين بجرائم قتلِ مُخيفةِ ارتكبَها خلال العصيان، وأيضا بعديد من الجرائمِ الأخرىِ، وكَانَ، علاوة على ذلك، مَكروه مِن الشعب.
كَانَ هناك هياج بين الحشودِ؛ تَقدّمَ قسم مُعين، وكلم خطباؤهم بيلاطس بصوتِ عال قائلينَ : " امنحنا الامتياز الذى تمَنحه لنا دوماً فى يومِ العيد " فأجاب بيلاطس : " لقد اعتدت أَنْ أُسلّمَ لكم مجرماً في عيد الفصحِ؛ من ستطلبون أن أُطلقُ لكم، باراباس، أم يسوع الذى يُدعى ملك اليهود ؟ "
مع أن بيلاطس كان متأكداً بأن يسوع ليس ملكَ اليهودِ، إلا أنه دَعاه هكذا، من ناحية لأن كبرياءه الرّومانيَ جَعله يستمد سعادته من إذْلاْلِ اليهودِ بدُعوةِ مثل هذا الشخصِ الحقيرِ المظهرِ بملكهم؛ ومن ناحية أخرى لأنه شَعرَ بنوعَ من الاعتقاد الدّاخليِ أن يسوع رُبَما يكون حقاً ُ ذلك الملكِ العجيب، ذلك المسيح المنتظر الموُعوِدَ. لقد رَأىَ بوضوح أنّ الكهنة قَدْ حُرّضوا بالحسدِ فقط في اتهاماتهم ضد يسوع؛ هذا جَعله يحرصِ أكثر على أَن يُخيّب آمالهم؛ وكَانَ هناك بعض التّرددِ بين الحشودِ عندما سأل بيلاطس هذا السّؤالِ، أجابت بعض الأصوات: " باراباس "

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

جاءه خادمَ مُرسل مِن قِبل زوجته في هذه اللّحظةِ؛ تَركَ بيلاطس الرّصيفَ، وقَدّم الرسول التعهد الذي أعطاه بيلاطس لزوجته، قائلاً في نفس الوقت : " إن كلوديا بروكليس تَستجديكَ أَنْ تَتذكّرَ وعدكَ لها فى هذا الصباح " سار الفريسيين والكهنة بحرص وبعجالة بين الحشودِ، يهددون البعض ويأَمْرونِ الآخرين، مع أنه، في الحقيقةِ، قليلاً الذى تطلّبَ لتُحرّيضَ الحشود التى كانت غاضبة بالفعل .
وقفت العذراء مريم مع المجدلية ويوحنا والنِساء القديّسات، في ركن الساحة، مَرتعدات يَبْكين؛ لأنه مع أن أمِ يسوع كَانتَ مدركةَ بالكامل بأنّ فداء البشر لا يَمَكّنَ أَنْ يتم مِن قِبل أي وسائلِ أخرىِ إلا بموتِ ابنها، إلا أنها امتلئت بالألمِ كأمِّ، وبرغبة متلهفة فى أَنْ تُنقذه من ذلك العذابِ ومن ذلك الموتِ الذي كَانَ عَلى وَشَكِ أَنْ يَعانيه. لقد صَلّتْ إلى الرب ألا يَسْمحُ أنْ تُرتَكبُ هذه جريمةِ المخيفة؛ لقد كَرّرتْ نفس كَلِماتَ يسوع في بستان جَثْسَيْمَانِي : " إن أمكن، فلتجيز هذا الكأسِ " كانت لم تزالَْ تشعر ببصيص من الأملِ، لأنه كان هناك تقريرَ شائع أن بيلاطس يرَغبَ فى تبرئة يسوع. تُجمّع بجوارها مجموعة من الناس، أغلبهم من كفر ناحوم، حيث عَلّمَ يسوع وأجرى عديداً من معجزات الشفاء بينهم؛ لقد ادّعوا إنهم لا يَتذكّرونَها لا هى ولا باقي رفاقها. لقد فكرت كثيراً، كما فعَلَ رفاقها أيضاً، أن هؤلاء الأشخاصِ على الأقل سيَرْفضونَ باراباس ويطلبون حياة مُخلصهم وفاديهم؛ لكن هذه الآمالِ كَانتْ، للأسف، أوهاماً.
أعاد بيلاطس التعهدَ إِلى زوجته، كتأمينِ عن نيته بأَنْ يَحْفظَ وعده. تَقدّمَ ثانية إلى الرّصيفِ، وجلسَ علي المنضدةِ الصغيرة. أخذ كبار الكهنة مقاعدهم أيضاً، وسأل بيلاطس مرة أخرى: " أي من الرجلين على أَنْ أطلق لكم؟ " دَوّى صراخ عامَّ خلال القاعةِ : " لَيسَ هذا الرّجلِ، بل باراباس! " فرد بيلاطس : " لكن ماذا أفعل بيسوع، الذى يًدعى المسيح ؟ " صرخ الجميع بطريقة صاخبةِ : " فليصلب! فليصلب " سأل بيلاطس لثالث مرة: " لكن أي شر قَدْ فعلَ؟ أنى لست أَجدُ علة فيه. لذا سَأَجْلدهُ وبعد ذلك أُبرّئه. " لكن الصراخ " أَصْلبه! أصلبه! " دوى من الحشودِ، ودوت الأصوات كعاصفةِ جهنميةِ؛ صرخ رؤساء الكهنة والفريسيين وأسرعوا ذهاباً وإيابا كالمجانين. بيلاطس فى النهاية؛ لم يتَمَكن من أَنْ يُقاومَ مثل هذه المظاهراتِ العنيفةِ؛ أطلق باراباس للشعب، وقرر أنْ يُجْلَدُ يسوع.
تأمل الرب يسوع
كَانَ بيلاطس يَبْحثُ عن طّريقة كى يُطلقني. لقَدْ كان قُلِقاًَ بسبب تحذير زوجته وارتبك بين شعورِ ضميره بالذنب وبين الخوفِ من أن يُحدث الناس الشغب ضده. بالحالة التى يُرثى لها التى وَجدتُ فيها نفسي، قدمني إِلى الغوغاءِ مُقترحُاً أن يطلقني وأن يُدينُ باراباس، اللص الشهير القاتل في مُقابلي. أجاب الناس بصّوتِ واحد :" دعة يَمُوتُ وأطلق باراباس ! "
آيتها النفوس التي تَحْبّني، انظروا كيف إنهم قَدْ قَارنوني بمجرمِ، كيف إنهم قَدْ خفضوني عن أكثر البشر انحرافاً. أنصتوا إلى الصّياحِ الغاضبِ الذى أطلقوه ضدي. انظروا بأى غضبِ يَطلبون موتي. هَلْ رَفضتُ أَنْ أواجه مثل هذه المجابهةِ المخزيةِ؟ كلا، بالعكس، لقد عَانقتها من أجل محبّتي للأنفس وكي أريهم أن هذا الحبِّ لم يأخذني فقط حتى الموتِ، بل حتى الموتِ الأكثر خزياًً .
ومع ذلك، لا تَظنوا أنّ طبيعتي البشريةَ لم تشَعر بالاشمئزاز أو بالأمُ. بالعكس، لقد أردتُ أَنْ اَشْعرَ بكل اشمئزاز طبيعة البشر، وأن أَكُونُ مُتعرضاً لنفس حالتهاِ، مَعطيكمَ النموذج الذي سَيَهبكم القوة في كل ظروفِ الحياةِ وأن أُعلّمكِم أَنْ تتغلبوا على الرفض متى سُئلتم أن تْتمموا المشيئة الإلهية َ.
تأمّلْوا للحظةِ فى عذاب قلبي الذى لا يوُصف، تأملوا برُؤيةِ أنى قد وَضعَت خلف باراباس. تأملوا كيف أنى تَذكّرتُ حينئذ حنان أمي عندما كانت تحتضني وتضمني إلى قلبها! وكيف كان القلقَ والإعياءَ شديد الوضوح على أبي بالتبّني كى يُظهر لى محبّته. تأملوا كيف أنى تَذكّرتُ المُساعدات‏ التى سكبتها مجاناً على هؤلاء الناسِ النّاكرين للجميل: مُعطياً البصرِ للعميانِ، شافيا للمرضىَ، مُرجعا الحياة لأطرافهم التى فَقدوها، مطعماً الحشودِ، ومُقيماً لموتى. الآن أرى نفسي خُفّضتُ إِلى أكثر الحالات احتقارا! لقد صرت إنساناً مَكْرُوهاً من قبل البشرِ، ومُدان كلصِ بلا سمعةِ.

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

الفصل الرابع والثلاثون
جلد يسوع


كرر بيلاطس عدَة مراتُ عبارة " أنى لست أَجدُ جُرماً فيه, لذا سَأؤدبه ثم أطلقه " لكن اليهود استمرّوا يَرْددّون، " اَصْلبه! اصلبه!" لكنه صَمّمَ على أن يَتمسّكَ بقراره بعدم إُدانةُ الرب إِلى الموتِ، وأَمر أنْ يُجْلَدُ طبقاً للأسلوب الروماني.
اَقتاد الحرّاس يسوع وسط الحشود الغاضبةِ إِلى الساحة، وفعلوا ذلك بوحشيةِ بالغة، في نفس الوقت واصلوا سبه وأهانته، وضَربه بعصيهم.
يقع العمود الذى كان يُجلد عليه المجرمون شمالِ قصرِ بيلاطس، قُرْب بيت الحرسِ، وَصل الجلاّدون فى الحال، حاملين السياط والعصي والحبال، التى القوها أسفل العمود. لقد كَانوا ستة أفراد، ذى بشرة داكنة، أقصر قليلا من يسوع؛ صدورهم مغُطاة بقطعةِ من الجلد، أذرعهم القوية المشعرة عارّية. كَانوا أشراراً من تخوم مصر وقد أدينوا لأجل جرائمهم بالأشغال الشاقةِ، وقَدْ استخدموا من حيث المبدأ في شق القنواتِ، وفي نَصْبِ البناياتِ العامّةِ، لقد اُختير الأكثر جرماً ليَقُوموا بدور الجلادين في دار الولاية.
هؤلاء الرّجالِ القساة كَانوا قد جلدوا عديداً من المرات مذنبين مساكين علي هذا العمودِ حتى الموتِ. إنهم يشَبهون الوحوشَ أو الشياطين، وبَدوا نصف سكارىِ. ضَربوا الرب بقبضات أياديهم، وجروه بالحبالِ التي كان مُكبلاً بهاَ، مع أنه تبعهم دون أن يبدى أدنى مقاومةِ، وفى النهاية طرحوه بشكل بربري عند العمودِ. وُضعَ هذا العمودِ وحده في منتصف القاعة ولم يكن له أى دور فى حمّلَ أي جزءِ من البنايةِ؛ لم يكن مرتفعاً، كان ممكن لأي إنسان طويلِ القامة أَنْ يَمْسَّ قمّته بمِدِ ذراعه؛ كَانت هناك حلقة حديديةَ عند قمته، وحلقة وخُطاف أسفل قليلا. من المستحيل تماماً أَنْ أصفَ القسوة التى رأيتها فى هؤلاء الأشرارِ تجاه يسوع: لقد مَزّقوا العباءةَ التى كَانَ مكتسي بها عندما سّخروا منه في محكمةِ هيرودس، وطرَحوه شبه ساجداً.
أرتعد يسوع وارتجف عندما وَقفَ قبالة العمودِ، وخلع ملابسه بسرعة بقدر ما يستطيع، لكن يديه كَانتا ملطختين بالدماء ومتورمتين. المقابل الوحيدة الذى صنعه عندما ضربه جلادوه المتوحشون وسبوه كَانَ الَصلاة من أجلهم بأسلوبِ مؤثر للغاية: أدارَ وجهه مرة نحو أمه، التي كَانتْ تَقفُ مقهورة بالأسىِ؛ هذه النّظرةِ أفقدتها شجاعتها تماماً: غِابتْ عن الوعي، وكَادت أن تَسْقطُ، لولا أن النِّساءُ القدّيساتُ سندنها. وضع يسوع ذراعيهَ حول العمودِ مطوقاً إياه، وعندما رُفعت يداه هكذا، قيدها الجلادون بالحلقة الحديدية التي علي قمةِ العمودِ؛ ثم شدوا ذراعيه عالياً بحيث كانت قدميه المقيدة بأحكام بقاعدةِ العمودِ تمَسَّ بالكاد الأرضَ. هكذا كَانَ قدوس القديسين ممدّداً بقسوة، بدون أى لُباسِ، على عمودِ يستعملَ لعقابِ اعتي المجرمين؛ وبعد ذلك بدأ شريران هائجان متعطشان لدمه بأسلوب بغاية البربرية يَجْلدَان جسده المقدّس من الرّأسِ إِلى القدمينِ. السّياط التي استعملوها أولا بدت لي مصنوعة من نوع من الخشب الأبيضِ المرنِ، لكن ربما كانت تنتهي بأوتار الثيرانِ، أو بأشرطةِ من الجلدِ.
إلهنا الحبيب، ابن الرب، الإله الحقيقي والإنسان الحقيقي، تَلوّى تحت ضرباتِ هؤلاء البرابرةِ؛ آهاتَه العميقةَ كانت تُسْمعُ من بعيد؛ لقد دَوت خلال الأثير‏ِ. هذه الآهاتِ تشَبه بالأحرىَ صراخاً مؤثراً نابعاً من الصّلاةِ والتّضرّعِ أكثر من كونها أنيناً من الألمِ. صخب الفريسيون والشعب شَكّل نوعاً أخرَ من المصاحبة، كانت في بعض الأوقات مثل زوبعةِ رعديةِ تجلب الُصمّم تخَفّت وتخَنق هذه النّداءاتِ المقدّسةِ والمحزنةِ، وترددت صيحات " أسلمه إِلى الموتِ! أَصْلبه!" أستمر بيلاطس يَتفاوضُ مع الشعب، وعندما طَلبَ الصمتَ ليستطع الَتكلّمَ، كان مضطراً إلى أَنْ يعلن عن رغباته إِلى الحشود الصّاخبةِ بصوتِ البوقِ، وفي مثل هذه اللّحظاتِ رُبَما تَسْمعَ ثانية أصوات السّياطِ وأنين يسوع ولعنات الجنودِ، وَمأمأة حملانِ الفصحِ التي كَانت تُغْسل في بركةِ بروباتيكا، على مسافةُ قريبة من الساحة. كَانَ هناك شيء ماَ مؤثر بشكل غريب في المأمأة الحزينة لهذه الحملانِ: لقد بدت كأنها توحّد أنينها وتمزجه بالأنين المؤلم لمخلصنا.
تُجمّع غوغاء اليهود علي مسافةِ قليلة من العمودِ حيث كَان يتم العقاب المُخيفِ، وكان الجنود الرومان منتشرين في مناطق مختلفةِ. عديد من الأشخاصِ كَانوا يَمْشونَ ذهاباً وإيابا، البعض في صّمتِ، وآخرون يَتكلّمونَ عن يسوع بأكثر التعبيرات مهانة، وبدا القليل متأثر، واعتقد أنى نَظرتُ أشعةَ من النور تُصدرُ من إلهنا وتدُخُلِ قلوبِ هؤلاء.
رَأيتُ مجموعاتَ من الشّبابِ الوقح والسّيئ السمعة، يشغلون أنفسهم قُرْب دار الحراسة في إعْداْدِ سياطِ جديدةِ، بينما ذَهبَ الآخرون ليَنشدوا فروعاً من الأشّواكِ. ْبعض من خدمِ رؤساء الكهنة صعدوا إِلى الجلادين المتوحشين وأعطوهم أموالاً ودورقاً كبيراً ممتلئ بسائلِ أحمرِ ساطع أسكرهم تماماً، وزِادَت قسوتهم نحو ضحيتهم البريئة عشرات الأضعاف. استمرّ الشّريران يَضْربان إلهنا بعنفِ متواصلِ لمدة ربع ساعةِ، ثم استبدلا بآخرين. لقد تغطى جسده بالكامل بعلامات زرقاء وسوداء وحمراء؛ الدّم كَانَ يقطّرُ ساقطاً على الأرضِ، ومع ذلك أظهرت النّداءات الغاضبة التي صدرتْ من اليهودِ المُتجَمَّعين أنّ قسوتهم كَانتْ بعيدةَ من أن تَكُونُ مُشبَعة.
شرع الجلادان الجديدان فى جَلْد يسوع بأقصى ضراوة‏ ممكنة؛ لقد استعملا نوعاً مختلفاً من العصي، نوع من العصي الشّائكِة، مغَطاة بالعقدِ والنتوءات. الضّربات من هذه العصي مَزّقتْ لحمه إِلى قِطَعِ؛ اندفع دمه ليُلطّخَ عصيهم، وهو تَأَوَّه‏ وصَلَّى وارتجفَ. فى هذه اللّحظةِ، اجتاز الساحة بعض الغرباءِ الممتطين الجمال؛ توَقفوا للحظةِ، وقَدْ تُأثروا تماماً برّحمةِ ورّعبِ من المشهدِ الذى أمامهم، وَضّحَ بعض من الموجودون لهم سببَ ما يشَهدونه. كَانَ بعض من هؤلاء المسافرين قَدْ تعمّد على يد يوحنا، والآخرون قَدْ سَمعوا عظة يسوع على الجبلِ. كَان صخب وجلبة الغوغاءِ يصم الأذان حتى قُرْب دارَ بيلاطس.
آخذ جلادان جديدان أماكن الأخيرينِ، كانت سياطهم مصنوعة من سّلاسلِ صّغيرةِ، أو أشرطة مغَطاة بخطّافاتِ حديديةِ، لقد كانت تخترق إِلى العظم وتمَزّقْ قِطَعاً كبيرة من اللّحمِ في كل ضربةِ. أى كلمات مُمكنُ أَنْ تَصفَ هذا المشهد الفظيع ؟ ليس هناك كلمات ممكن أن تصفه!
مع ذلك, قسوة هؤلاء البرابرةِ لم تشبع بعد؛ حَلا يسوع ورْبُطاه ثانية بظهره ملتصق بالعمودَ. ولأنه كَانَ عاجزاً بالكلية عن أَنْ يَسند نفسه في وضع الوقوف، أجازوا الحبال حول خصره وتحت ذراعيهِ ومن فوق رُكَبتيه، وقيدوا يديه بإحكام في الحلقاتِ التي وُضِعتْ في الجزءِ الأعلى من العمودِ، وجْلداه بضراوة أعظمِ من ذى قبل؛ واحد منهم ضَربه بشكل ثابت على وجههِ بعصاِ جديدةِ. لقد تمزق جسد إلهنا تماماً إِلى قطع صغيرةِ، إنه لم يكن سوى جرحَ واحد. لقد نَظرَ إلى مُعذبيه بعينيه الملآنة بالدّمِ، كما لو أنه ينشد الرحمة؛ لكن وحشيتهم بدت أَنْها تَزدادَ، وتأوهاته صارت تخفت أكثر فى كل لحظة.
تواصل الجَلْد المُخيف بلا توقف لمدة ثلاثة أرباعِ الساعةِ، حينئذ أسرع من وسط الحشودِ إنسان غريب قريب لكتسيفون، الرّجل الأعمى الذي أبرأه يسوع، واقتربَ من العمودِ بسكينِ على شَكّلَ سيف قصير مقوّس‏ في يدّه. وصاح بنغمةِ غاضبة : كفى! كفى! لا تجلدوا هذا الرّجلِ البريء حتى الموت! " آَخذوَا الأوغاد‏ السّكارى على حين غرة، توَقفاَ لبرهةَ، بينما قَطعَ الرجل الحبالَ التي تُقيد يسوع بالعمودِ بسرعة واختفىَ بين الحشودِ. سَقطَ يسوع تقريباً دون وعي على الأرضِ، التي قَدْ اغتسلت من دماه. تركه الجلادان هناك، وانضما ثانية إلى رفاقهم القساة، الذين كَانوا يَسلّونَ أنفسهم في دارِ الحراسِة بالشُرْبِ، وضَفْر إكليل الشّوكِ.
ظل إلهنا لوقتِ قصيرِ على الأرضِ، عند العمودِ، مستحمَّاً في دمه، واقتربت بعض الفتيات الوقحات ليَرضينَ فضولهن بالنَظْر إليه. ثم اَستدرن مشمئزات، في هذا الوقت كانت ألام جراحِ يسوع شديدة جدا حتى أنه رُفِعَ رأسَه النَازْفة ونَظرَ إليهن. تراجعن بسرعة، وضحك الجنود وسخر منهن الحرّاس

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

خلال جَلْدِ إلهنا، رَأيتُ ملائكةَ باكية تَقتربُ منه لمرات عديدة؛ سَمعتُ أيضاً الصّلواتَ التى يُوجها إلى أبيه بشكل ثابت ليغفر لنا آثامنا, صلوات لم تتَوقّف خلال تعرضه لهذا العقابِ القاسي.
بينما كان يسوع ممدداً مستحمّاً في دمه رَأيتُ ملاكاً يقدم إليه وعاء يَحتوي على شرابَ ساطع المظهرَ الذي بدا أَنْه يُنشّطه لدّرجةِ معينة. رَجع الجنود فى الحال، وبعد أن وجهوا له بعض الضّرباتِ بعصيهم, أمروه أن يَنْهضُ ويَتْبعهم. لقد نهض بصّعوبةِ بالغة، لأن قدميه المرتجفتان استطاعتا بالكاد أن تحملا جسده؛ أنهم لم يعطوه الوقت الكافي ليرتدى ملابسه، بل ألقوا ردائه على كتفيه العاريتين واقتادوه من العمودِ إِلى بيت الحرسِ، حيث مَسحَ الدّمَ الذي كان يَقطّرَ من وجهه بطرف ردائه. عندما اجتاز أمام المقاعدِ التى يجلس عليها رؤساء الكهنة، صَرخوا، " أسلموه إِلى الموتِ! اصلبوه! اصلبوه! " وبعد ذلك استدارواَ بازدراء‏. اقتاد الجلادون يسوع إلي داخلِ بيت الحرسِ، الذي كان ممتلئاً بالعبيدِ والجلاّدين‏ وأناس سكارى من الشعبِ، لكن لم يكَنَ هناك جنودُ.
نَبّه الهياج العظيم بين عامة الناسِ بيلاطس كثيراً، حتى أنه أرسلَ إِلى قلعةِ أنطونيو يطلب تعزيزاتِ من الجنودِ الرّومان، وأُرسلتْ هذه الفِرَق العسكريةِ حول بيت الحرسَ؛ لقَدْ سُمح لهم أَنْ يَتحدّثوا وأَنْ يَسْخروا من يسوع بمختلف الطرق الممكنة، لكنهم مُنّعواَ من أَنْ يَتْركواَ صفوفهم. كان عدد هؤلاء الجنودِ، الذين طَلبَهم بيلاطس كى يُخيفَوا الغوغاء، حوالي ألف جندي.
تأمل الرب يسوع

لاحظوا كيف كان هذا الرّجل مذهولا, بغاية الاضطراب ولا يَعْرفُ ماذا يَفعَلُ معي. وكي يهدئِ غضبِ الغوغاءِ، أْمر أن أجَلد.
أُمَثاَّل بيلاطس، رَأيتُ نفوساً تنَقصَها الشّجاعة أن تَنفصلَ نهائياً عن مطالبِ العالم وعن طبيعتهم. وبدلاً من تفادى الأخطارِ التى يخبرهم ضميرهم عنها, بأن لا ينقادوا من قبل العالمِ ولا من قبل طّبيعتهمِ، يُخبرهم عقلهم الواعي أَنْ لا يَكُونوا تابعين لرّوحِ الصلاحِ. ومن ثم يَستسلمونَ لنزوةِ، ويُمتّعُون أنفسهم برضاءِ عابر، ويَستسلمونَ جزئياً إِلى ما تتطلبه عواطفهم. وليُسكتواَ إحساسهم بالذنب، يُقولون لأنفسهم :" لقد حَرمت نفسي بالفعل من هذا أو من ذاك، وهذا يكفيُ. "
سَأقول فقط إِلى هذه النفس : " أنك تَجْلديني كما صنع بيلاطس, لقَدْ خطوت خطوة بالفعل وغداً ستُكون الخطوة التاليةً. هَلْ أنت عازمة أَنْ تَرضي عواطفك بهذه الطريقة؟ كلا! أن عواطفك ستَطْلبُ المزيد قريباً. وكما لَمْ يكن عندك الشّجاعةَ لتُقاتليَ طبيعتكِ في هذا الشيء الصّغيرِ، فيما بعد ستكون شجاعتك أقل عندما ستكون الواقعة أعظم."
لقد عوقبت بكثير من العنفِ قبل الجلد بحيث أنه لم يكنَ هناك جزءاً منّي لم يكنَ فريسةَ للألمِ الأكثر فظاعة. الضّرب والرّكل سَبّبت جراحَ لا حصر لها ومرة بعد مرة سَقطتُ بسبب الألمَ الذى سببته الركلات.
انظرْوا إليّ يا أحبائي. لقد تَرْكت نفسي مُقاد بوداعة الحملِ إِلى تّعذيبِ الجلّد الفظيعِ. انهال الجلادون بوحشيه وبقسوة رهيبة على جسدى المغطّى بالفعل بالضرب والمقهور بالإعياء بسياط من حبال مضفرة وبعصي. العصيَ مَزّقتْ ونثرت أجزاء من جلدي ومن جسدى. تفجرت الدماء من كل أعضائي. جسدي كَانَ في حالة بشعة حتى أنى أشَبهتُ مسخ مشوه أكثر منى كإنسان. قسمات وجهي قَدْ فَقدتْ شكلها؛ لقد كان مُنْتَفخِاً بالكامل.
التفكير فى أن عديد من النفوس، التي ستكون بعد ذلك مُلهمهُ كى تَتبع خطواتي، قد ذوانى حبِّاَ.

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

الفصل الخامس والثلاثون
العذراء مريم خلال جلد إلهنا

لقد رَأيتُ العذراءَ المباركةَ خلال وقتِ جَلْدِ ابنها الإلهي؛ لقد رَأتْ وعَانتْ بحبِّ وأسىِ يتعذر وصفه كل العذابِ الذى كَانَ يَتحمّلهُ. كانت تتأوه بضعف، وعيناها كَانتْ حمراء من كثرة البُكاءِ. لقد كانت مُغطاة بإزار كبير، ومتكئة على مريم التى لهالي، أختها الأكبر سنا , التي كَانتَ كبيرة السنَ ومثل أمّها حنة, كَانت هناك أيضا مريم التى لكلوبا، ابنة مريم التى لهالي. وقف رفاق يسوع ومريم حول مريم؛ مرتدين إزارات كبيرةَ، بدوا مغلّوبُين بالأسىِ والقلقِ، وكَانواَ يَبْكون. رداء مريم كَانَ أزرقَ؛ طويلاً، ومُغَطَّى جزئيا بعباءةِ مصنوعة من الصّوفِ الأبيضِ، وإزارها كَان إلى حد ما‏ أبيضِ مُشرباً بصفرة. كانت المجدلية مستغرقة بالكلية فى الأسىِ وشعرها كَان طليقاً تحت إزارها .
عندما سقط يسوع عند العمودِ، بعد الجلدِ، رَأيتُ كلوديا بروكليس، زوجة بيلاطس، تُرسلُ بعض قِطَعِ من الكتان الكبيرةِ إِلى أمِ الرب. لم اَعْرفُ إن كانت تظن أنّ يسوع سَيُطلقُ سراحه، وأن أمه ستحتاج للكتان لتكسى جراحه، أم أن هذه السّيدةِ العطوفةِ كَانتْ مدركه للاستعمال الذي سَيَؤدى بهديتها. عند انتهاء الجَلْدِ، انتبهت مريم لنفسها لبرهة، ورَأت ابنها الإلهي مُمَزَّقاً بالكامل ومشوهاً، لِكَونِهِ اقِتيدَ بعيداً بعد الجَلْدِ مِن قِبل الجنود, مَسحَ عينيه، اللتين امتلأتا بالدّمِ، لكي يَنْظرُ إلي أمه، وهي مدّتْ يديها نحوه، واستمرّتْ تَنْظرَ إلي آثارِ الدّمِ على مواضع خطاه. ثم رَأيتُ مريم والمجدلية تقتربان من العمود حيث جُلِدَ يسوع؛ وسَجدا راكعتين على الأرضِ قُرْب العمود، ومَسحا الدّم المقدّس بالكتّانِ الذي أرسلته كلوديا بروكليس. يوحنا لم يكنَ فى ذلك الوقت مع النِّساءِ القدّيساتِ، اللواتي كُنّ حوالي عشرون سيدةِ. كان هناك أبناء سمعان وعوبيد، وفيرونيكا، وأيضا أبني أخ يوسف الرامى آرام وسيمني, بينما كان يوحنا في الهيكلِ، وبَدا مَغْمُوراً بالأسىِ. لم تكن الساعة قد جاوزت التاسعة صباحاً عندما انتهى جَلْد يسوع .

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

الفصل السادس والثلاثون
وصف المظّهر الشّخصي للعذراء المباركة

بينما كانت هذه الأحداثِ الحزينةِ تَجري كُنْتُ في أورشليم، أحياناً في نّاحيةِ وأحياناً في ناحية آخرِ؛ لقَدْ كنت مُغلّوبة تماماً، آلامي كَانتْ حادَة، وشَعرتُ كما لو أنى عَلى وَشَكِ الموت. خلال وقت جَلْدِ عريسي الحبيبِ، جَلستُ بقربه، في الجزءِ الذي لم يتَجاسرَ يهوديُ أن يقترب منه، خوفا من أن يُدنّسُ نفسه؛ لكنى لم أخِاف، كُنْتُ حريصة فقط على أَنْ تَسْقطَ قطرةِ من دّماءِ إلهى عليّ، لتَنقّيني. لقد شَعرتُ بأنني منسحقة القَلْب‏ بالكامل حتى أنى يَجِبُ أَنْ أَمُوت طالما أنى لا أستطيع أَنْ أُحل محل يسوع، وكل ضربةِ نالها جذبت منّي مثل هذه التنهدات والتأوهات حتى أنّي شَعرتُ بأنى مذهولة تماماً لَكُوني لم أُبَعَد. عندما أخذ الجلادون يسوع نحو بيت الحرس, ليُتوّجوه بالأشّواكِ، اشتقت أَنْ اَتبعه لأَتأمّله ثانية في آلامه. حينئذ أم يسوع، ترَافقَها النِّساءِ القدّيساتِ، اقتربنَ من العمودِ ومَسحنَ الدّم من عليه ومن على الأرضِ من حوله. كَانَ باب بيت الحرسِ مفتوحَاً، وسَمعتُ الضّحكَ الموجع للرّجالِ القساة الذين انشغلوا في إنْهاءِ إكليل الشّوكِ الذي أعدّوه لإلهنا. لقد كُنْتُ متأُثّرة كثيرا حتى الَبْكاء، لكنى سَعيتُ أن أذهب بقُرْب المكانِ حيث كَانَ الرب يسوع سيُتوّجُ بالأشّواكِ.
مرة أخرى رَأيتُ العذراء المباركة؛ كَانتْ شاحبَة وضعيفة، عيناها حمراء من كثرة البُكاءِ، لكن نُبلها البسيطَ فى سلوكها لا يُمكنُ أَنْ يُوْصَفَ. على الرغم من حزنها وآلامها، على الرغم من الإعياء الذي تَحمّلتْه لكونها كَانتْ تجولُ منذ المساء السّابق خلال شوارعِ أورشليم وعبر وادي يهوشافاط، إلا أن مظهرها كَانَ هادئاًَ ومعتدلاًَ، ولا طيّةَ من ردائها كانت فى غير موضعها. نَظرتْ حولها بنبل، وطرحتها متهدلة على كتفيها. تحَرّكتْ بهدوء، ومع أن قلبها كَانَ فريسةَ للأسىِ المرّ، هيئتها كَانتْ هادئةَ ومستسلمة. ردائها كان مبتل من النّدىِ الذي سَقطَ عليه خلال اللّيل، ومن الدّموعِ التي ذرفتها بمثل هذه الوفرةِ؛ دون هذا كان غير مُتسخ بالكليةً. جمالها كَان عظيماً، لكن يتعذر وصفه، لأنه فوق طاقة البشر,َ خليطَ من العظمة والقداسة والبساطة والنقاوة.
مظهر مريم المجدلية كَانَ مختلفَ بالكليةً؛ كَانتْ أطولَ وأكثر قوةَ، تعبيرات مُحياها أظهرت تصميماً أعظمَ، لكن جمالها قَدْ ذبل تقريباً من طريقة حياتها السابقة التى انغمسَت فيها طويلا، ومن التوبة والحزن الذى عاشته منذ أن أحست بخطاياها. كان مؤلماً أَنْ تَنْظرَ إليها؛ لقد كَانتْ صورةَ من اليأسِ، شعرها الطّويل الغير مرتب قَدْ تغُطّيِ جزئيا بطرحتها المُمَزَّقةِ والمبلّلةِ، ومظهرها كَان مظهر إنسان مستغرق‏ بالكامل فى البلاء، ومنزوية فى نفسها من الحُزنِ. كثيرين من سكان مدينة مجدل كَانوا يَقفونَ قُريْبا، يحدقون فها بدهشة وفضولِ، لأنهم كانوا يعَرفونها في الأيامِ السّابقةِ، أولا في ازدهار وبعد ذلك في إذلالِ وبؤسِ. أشاروا إليها، القوا الوحل عليها، لكنها لم تر شيئاً ولا عَرفتَ شيئاً ولا شَعرتْ بشيء، محتفظة بآلام أحزانها

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

الفصل السابع والثلاثون
التتويج بالأشّواك
خَطبَ بيلاطس فى عامة الناسَ مرات عديدة خلال وقت جَلْدِ يسوع، لكنهم كانوا يقَاطعونه ويصرخون : " أنه سَيُعدم، حتى لو متنا من أجل ذلك. " عندما اقتيد يسوع نحو بيت الحرسِ، صرخوا جميعاً ثانية : " أَصْلبه، أَصْلبه! "
بعد هذا كانت هناك فترة صمتَ. شغل بيلاطس نفسه فيها بإعْطاءِ الجنود أوامر مختلفة، وأحضر خدم رؤساء الكهنة بعض المرطباتِ لهم؛ بعد ذلك دخل بيلاطس إلى الجزءَ الدّاخليَ من قصره لأجل أن يَستشيرَ آلهته، وكي يبخر لها .
عندما جمعت العذراء المباركة والنِّساء القدّيسات دماء يسوع، من العمودِ ومن الأجزاءِ المجاورةِ له، تَركن الساحة ودَخلن دارِ صغيرة مُجَاوَرَة، لم أعرف مالكها. يوحنا على ما أعتقد، لم يكن حاضرا عند جَلْدِ يسوع.
فى رواق يحيط بالقاعة الدّاخليةَ لبيت الحرسِ تُوّجَ يسوع بالأشّواكِ، والأبواب كَانتْ مفتوحةَ. الأشرار الجبناء، الذين كَانوا يَنتظرونَ بلهّفة أن يَرضوا قسوتهم بتَعذيبِ وإهانةِ إلهنا، كَانواَ خمسين تقريباً، معظمهم عبيد أو خدم للسّجّانين والجنودِ. تجمع الغوغاء حول البنايةَ، لكنهم أزيحوا فى الحال مِن قِبل ألف جنديِ روماني كانوا قد اصطفوا هناك ومُنعوا من أَنْ يَتْركَوا صفوفهم، هؤلاء الجنودِ على الرغم من هذا فعَلوا كل ما بوسعهم بالضّحكِ والتّصفيقِ ليُحرّضوا الجلادين القساة على مضاعفة إهاناتهم كذلك زادت كَلِمات تشجيعهمِ قسوة هؤلاء الرّجالِ كثيراً .
فى وسط القاعة انتصب هناك عمودِ، ووضع عليه كرسي صغير منخفض جداً غطاه هؤلاء الرّجالِ القساة بمكر بأحجار حادةِّ وقطعِ من الخزفِ المَكْسُورِ. ثم نزعوا ملابسَ يسوع، لذا انفتحت كل جراحه مرة أخرى؛ القوا على كتفيه عباءة قرمزية قديمة وَصلتْ بالكاد إلى رُكَبتيه؛ جروه إِلى المقعدِ، ودَفعوه عليه بقسوة، ووَضعَوا إكليل الشّوكِ على رأسه. إكليل الشّوك كَانَ مصنوعاً من ثلاث أفرعِ مضَفرة معا، الجزء الأعظم من الأشّواك كان متجهاً للداخل عن قصد لكي يَثْقبَ رأس الرب. وضعوا أولاً هذه الفروعِ المَلْفُوفةِ على جبهته، رَبطوها بإحكام من الخلف، وما أن أُتمّواِ ذلك حتى وَضعوا قصبةَ كبيرةَ في يدّه، فاعَلين كل ذلك بسّخريةِ كما لو إنهم كَانوا يُتوّجونه ملكاً حقاً. ثم أخذوا القصبةِ، وضَربوه على رأسه بها بغاية القسوة حتى أن عينيه قَدْ امتلأتا بالدّمِ؛ لقد سَجدوا أمامه، سَخرواَ منه، بصقوا في وجهه وصفعوه قائلين في نفس الوقت، " السلام يا ملك اليهودِ! " ثم طَرحوا كرسيه الصغيرَ، أقاموه ثانية من الأرضِ حيث كان قَدْ سَقطَ، أجلسوه بأعظم وحشيةِ ممكنة.
من المحال تماماً أَنْ أَصفَ الإساءة القاسية التي ارتكبها هؤلاء الوحوشِ التى بهيئة بشر. مُعاناة يسوع من العطشِ كَانتْ حادَة، سببها الحمى التي أوجدتها جراحه وآلامه . لقد ارتجف جسده بالكامل، لحمه قَدْ مُزّقَ إرْبا إرْبا‏، لسانه تَقلّصَ، والترطيب الوحيد الذى ناله كَانَ الدّمَ الذي يقطّرَ من رأسه على شفاهه الجافّةِ. هذا المشهدِ المخزيِ قَدْ امتد نصف ساعة كاملة، واستمر الجنود الرّومان خلال كل الوقت يُصفّقون ويُشجّعَون الجناة على فعل المزيد من الإساءةُ .
تأمل الرب يسوع

انظرْوا، لقد عشَت أياماً من الحزنِ الشديد بإرادة الأبِ بلا تذمر بل بَقْبولُ ما أراده الآب أَنْ يَجْعلني اَشْعرَ به. عندما قُبض علىّ في البستان، أسرعوا فى اتهامي كاذبين, وأنا بلا أدنى مقاومة, سَمحت لهم أَنْ يَأْخذوني إِلى حيثما أرادوا أن يأخذوني. وعندما أرادوا أَنْ يُطوّقوا رأسي بتاجِ الشّوكِ، أحنيتُ رأسي بلا مقاومة، لأنى أَخذتُ كل شيءَ من أياديِ من أرسلني في العالمِ.
عندما استنزفتني أذرع أولئك الرّجالِ القساة بقوةِ الضرب الذى وجهوه ضد جسدي، وَضعوا تّاجاً نَسجوه من أفرعِ الشّوكِ على رأسي، واسْتِعْرضوا أمامي قائلين :" ها أنتَ هكذا ملك؟ ها نحن نُحيّيك!", البعض صفعني؛ آخرون أهانوني؛ آخرون وجهوا الضربَ من جديد ضد رأسي، كل ضربة أضافت ألماً جديداً إِلى جسدي، المجروح والمسحوق بالكامل .
لقد تعبُت؛ لم يكن لى أى موضع لأستريح فيه. أعيروني قلوبكمَ وأياديكم لأَغطّي نفسي بحبّكمَ. أنى مرتجفاً من البرد ومحموماً؛ احتضنوني ولو للحظةِ قبل أن يَستمرّوا فى هدم هيكلِ الحبِّ هذا.
دفع بعض الجنود والجلادون جسدى بأياديهم القذرة وآخرون دفعوني برماحهم لكونهم مشمئزين من دمائي، وبهذا أُعادوا فتح جراحي. أجلسوني عنوة على أحجارِ مدببة؛ لقد كنت أبكى بصّمتِ بسبب الألم. بطريقةِ بشعةِ، سْخرواَ من دموعي. فى النهاية مزّقواَ صدغيّ، وغرسوا لأسفل التّاجَ المنسوج من الأغصان الشّائكةِ.
خذوا بعين الاعتبار كيف أنني بذلك التّاجِ، أردتُ أَنْ اصنع كفارة عن خطيئةِ الكبرياءِ عن الكثير من النفوس التي ترَغْب أنْ تُمْدَحُ على نَحْو زائد‏، تاَركه نفسها متأثرة بآراءِ العالم الباطلة. فوق كل شيء، سَمحت لهم أَنْ يُتوّجوا رأسي بالأشّواكِ. تألم رأسي بقسوة بهذه الطّريقة كي أصنع كفارة من خلال الإذلالِ الإرادي من أجل البغض‏ والافتخار والمظهرية لكثير جداً من النفوسِ. النفوس التى بسبب منزلتها وحالتها، يَحْكمون علىّ بلا استحقاقَ، رافضين أَنْ يتَبعوا الطّريق الموَضوعَ لهم بتدبيري.
لا يوجد طريق مُهين عندما يكون مُخَطّطاًَ بإرادة الرب .... بلا جدوى تَعتزمون خْداع أنفسكم، فكّروا فى إتباع إرادة الرب وباستسلام كامل مهما كان ما يطلبه منكم.
هناك أناسُ في العالمِ، عندما تحين لّحظة اتخاذ قرارِ، يفكرون مَليّا‏ ويَمتحنُون رغبات قلوبهم. فعلى سبيل المثال من يريدون الزواج يبحثون عن شريك حياتهم لعلهم يَجدون فيمن ينوون الاقتران بهم الأساس الصّلب والتقى للحياة المسيحية. قد يَرون إنهم سَيَتبعون واجبات عائلاتهم بطريقة ما ضرورية تَرضى رغباتهم فى السّعادةِ. لكن الزهوَ والكبرياءَ يَحْجبان روحهم فيَتْركون أنفسهم مُنجذبين برغبة أن يَكُونُوا بارزين وظاهرين. حينئذ يَفْعلونَ ما بمقدورهم كى يَبْحثوا عن شخص يَكُونَ أغنى أو من طبقة أعلي، كي يَرضون طموحهم. أه! كم بعناد يَعمونَ أنفسهم. كلا، أنا سَأُقول لهم، أنكَم لَنْ تَجدواَ سعادة حقيقية في هذا العالمِ وأَتمنّى أن تَجدوها في العالم الآتي, انتبهْوا، أنكم تَضعُون نفوسكم في خطرِ عظيمِ!
سَأَتحدّثُ أيضا إِلى النفوس التي اَدْعوها إِلى طريقِ الكمالِ. كم كثير من الأوهامِ تكون في أولئك الذينِ يُقولون لى إنهم مستعدين أَنْ يصنعون مشيئتي وبعد ذلك يَثْقبونَ رأسي بأشواكِ تاجي.
هناك أيضا نفوساً أُريدهاُ لي. أنى أَعْرفها وأحَبّها، أُريدُ أَنْ أضعها حيث أقيم، أريد أن أضعها بحكمتي اللانهائيةِ حيث سَيَجدونَ كل ما هو ضروري ليَصلَوا إلى القداسة. هناك حيث سَأَجْعلُ ذاتي مُعلنة لهم، وحيث سَيَعطونني راحة أكثر، محبة أكثر، ونفوساً أكثر. لكن، بكثير جداً من المكرِ! كثيراً جداً من النفوس تكون مَعمية بالكبرياءِ والزهو من أجل طّموحِ واه. مالئين رؤوسهم بأفكارِ عقيمةِ وبلا فائدةِ؛ إنهم يَرْفضونَ أَنْ يَتبعوا الطّريق الذي وَضعَته بدافع محبّتي لهم.
أحبائي يا من قَدْ اخترتُهم، هَلْ تظنون أنّكم تُحققون مشيئتي بمُقَاوَمَةِ صوتِ النّعمةِ الذي يَدْعوكمَ ويرشدكم إلى ذلك الطّريقِ الذي يَرْفضه كبرياؤكَم ؟
هناك نفوس تُدَعىْ إِلى حالة الكمالِ، لكنها تتُناقشُ مع النّعمةِ وتتّراجعِ عندما توَاجه مذلةِ الطّريقِ الذي أريه لها، َخَائفة كيف إنها ستُحاكم من قبل العالمِ أو عندما تُُقيّم قدراتها، مُقنعة أنفسها إنها سَتَكُون أكثر فائدة فى موضع آخر لخدمتي ومن أجل مجدي.
سأجيب تلك النفوسِ: قولوا لى، هل رَفضتُ أو حتى تَردّدتُ عندما رَأيتُ نفسي أولدَ في الليل لوالدينِ فقيرين متواضعين وفي إسطبلِ، بعيداً عن مسكني وعن بلدي وفي أقسى فصولِ السّنةِ؟
بعد ذلك عِشتُ ثلاثين سنةَ أمارس عملاً بسيطاً في ورشةِ: مُتعرضاً لازدراء ومهانة الناسِ الذين يطَلبون عملاً مِن يوسف، أبي. أنى لم أبغض مُسَاعَدَة أمي في أكثر المهام خدمهِ في الدّارِ. ومع هذا، هَلْ لم يكَنَ لدى موهبةُ أكثرُ من تلك التى يتَطَلّبهاِ العملِ القاسيِ كنجارِ؟ أنا، من في سن الثانية عشر عَلّمتَ العلماء في الهيكلِ ... لكنها كانت إرادة أبي السّماويَ وهكذا، مَجّدته. عندما تَركتُ الناصرة وبَدأتُ حياتي العامّة، كَانَ من الممكنُ أَنْ أجعل نفسي معَروفاً أنى أنا المسيا وابن الإله، حتى يسمع البشر تعاليمي بتّبجيلِ، لكنى لم أفعَلُ ذلك لأن رّغبتي الوحيدة كانت أَنْ أَعمَلُ مشيئة أبى ....
وعندما حان وقت آلامي، من خلال قسوةِ البعض وإهاناتِ الآخرين، من خلال هجر خاصتى وجحودِ الغوغاءِ، من خلال العذاب العظيم الذى لا يوصف لجسدي واشمئزاز نفسي، انظروا كيف بأعظم حب, كنت ما زِلتُ كاشفاً ومُعانقُاً إرادة أبي السّماوي.
هكذا عندما تَتغلّبُون على الصّعوباتِ وعلى الاشمئزاز، تُقدّمُ النفس ذاتها بشكل كريم إِلى إرادة الرب. تأتى لحظةُ، تجدون أنفسكم متّحدين بقوة به، وتَتمتّعُ النفس بعذوبة يتعذر وصفها .
ما قُلتهُ للنفوس التي تَحتقرُ الحياة المتواضعة والمخفية، أُكرّرهُ إِلى أولئك الذينِ أَدْعوهم إِلى اتصال ثابتِ بالعالمِ، بينما يفضلون هم أن يحيوا فى عزلة كاملةَ وعملَ متواضعَ ومخفيَ.
أحبائي المختارين، إن سعادتكمَ وكمالكمَ لا يقومان على أتباع مذاق ما تفضلونه وعلى اتباع ميولكمَ الطّبيعية، بَكُونُكم مَعْرُوفين أو مجهولين من قبل المخلوقاتِ، بكونكم تسْتِعْملون أو تَخفون الموهبة التى لديكم، بل ستكون سعادتكم بتَوحيدِ وتَوفيُقِ نفوسكم من خلال محبِّة مشيئة الرب والاستسلام الكلى لهاِ، الاستسلام إِلى من يطلب منكم من أجل مجده ومن أجل قداستكَم .
أن الجلادين الذين يُحطّمونَ جسدي ليسوا عشَره ولا عشرين. هناك الكثير من الأياديِ التي تجرح جسدي؛ مُتلقيين العشاء الرباني في الأيادي, أنه العملِ المدنسِ لإبليس !
كيف يستطيعون أَنْ يَتأمّلوني في خضّم هذا الألمِ والمرارةِ بدون أن تتحرك قلوبهم بالشّفقةِ علىّ؟ لكن لَيسَ الجلادين من ينبغى أَنْ يَواسوني بل أنتم، أنتم أحبائي المختارينَ، واسوني حتى تخففوا آلامي. تأمّلواْ جراحي وانظروا إن كان هناك من تألم بقدر ما تألمت أنا لأظهر محبّتي لكم.

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

الفصل الثامن والثلاثون
الحكم علي يسوع

حينئذ عاد الجلادون القساة واقتادوا يسوع إلى قصر بيلاطس والعباءة القرمزية كانت ما زالت مُلقاة على كتفيه وتاج الشّوك على رأسه والقصبة في يديه المقيّدتين. لقد كان من المستحيل تمييزه بالمرة، عيناه، فمه، لحيته, الكل مُغطّى بالدّم، لم يكن جسده سوى جرح واحد، وظهره انحنى كأنه رجل مُسن، بينما كانت كل أطرافه ترتعد عندما يسير. عندما رآه بيلاطس واقفاً عند مدخل محكمته، حتى هو, وهو المعروف عنه القسوة, ارتخى وارتجف بالرّعب والحنو، بينما كان الكهنة البرابرة وعامة الشعب بعيدين عن الإحساس بالشفقة تجاهه، استمروا فى إهاناته والسخرية منه. عندما صعد يسوع الدّرج، تقدّم بيلاطس، أعلن البوق أنّ الحاكم على وشك أن يتكلّم، وخاطب رؤساء الكهنة قائلاً : " انظروا الرجل، لقد أحضرته إليكم، لكى تعرفوا أننّي لست أجد علة فيه. "
حينئذ اقتاد الجنود يسوع نحو بيلاطس، حتى يُمتع الشعب عيونهم القاسية مرة أخرى برؤيته، في الحالة المُزرية التى وصل إليها. مُهاناً ومُحتقراً حقا كان المنظر الذى قُدّم به، انفجر صياح الرّعب من الحشود، تلاه صمت مميت، عندما رفع يسوع بصّعوبة رأسه الجريح المتوّج بالأشّواك، وألقى نظرة منهكة على الحشود الثائرة. صاح بيلاطس بينما يشير إلى الشعب: " انظروا الرّجل! "
كراهية رؤساء الكهنة وتابعيهم كانت تزداد من منظر يسوع، وصرخوا : أسلمه إلى الموت؛ أصلبه. " فقال بيلاطس " ألستم قانعين. لقد نال عقاباً يكفي بدون شك أن يحرمه من كل شهوة لأن يجعل من نفسه ملكاً ", لكنهم صرخوا أكثر، وواصلت الحشود الصراخ : " اصلبه، اصلبه! " حينئذ قال بيلاطس : " خذوه أنتم واصلبوه، لأنى لست أجد علة فيه" أجاب الكهنة " نحن لدينا ناموسنا، وطبقا لذلك الناموس هو يجب أن يموت لأنه جعل نفسه ابن الرب. "
جملة "جعل نفسه ابن الرب" جددت رعب بيلاطس؛ فاخذ يسوع في غرفة أخرى وسأله؛ " من أين أنت ؟ " لكن يسوع لم يُجب. قال بيلاطس " ألا تكلمني؟ ألا تعلم أن لى سلطاناً أن أصلبك وسلطاناً أن أطلقك ؟ " فأجابه يسوع " ليس لك أي سلطان علىّ، ما لم يُعط لك من فوق؛ لهذا الذي أسلّمني إليك خطيئته أعظم. "
تردد وضّعف بيلاطس ملأ زوجته كلوديا بروكليس بالقلق؛ أرسلت له رسولا آخر، لتذكّره بوعده، لكنه رجع فارغاً بإجابة تعنى أنه يجب أن يترك القرار فى القضية فى النهاية إلى الآلهة.
بعد أن سمع رؤساء الكهنة والفريسيين عن جهود كلوديا لإنقاذ يسوع، أشاعوا بين الشعب، أن الموالين ليسوع قد أضَلوها، وأنه سيُطلق سراحه وبعد ذلك سينضم للرومان وسيجلب الدمار لأورشليم ويبيد اليهود.
كان بيلاطس في حالة من التّردد والاضطراب؛ لقد كان لا يعرف ما هى الخطوة التالية التى ينبغي عليه أن يخطوها، وخاطب أعداء يسوع ثانية بنفسه، مُعلناً أنه لا يجد أى جرم فيه لكنهم طلبوا موته بصورة أكثر شغباً. حينئذ تذكّر تناقض التهم الموجهة ضد يسوع وأحلام زوجته الغامضة، والتأثير الغير قابل للتفسير الذي أحدثته كلمات يسوع عليه هو شخصياً، ولهذا صمّم أن يسأله ثانية لكى يحصل على بعض المعلومات التي قد ترشده للطريق الذى يجب أن يتّبعه؛ لذا رجع إلى القصر، ذهب بمفرده في غرفة، وطلبت يسوع. نظر إلى الإنسان المعصور والناّزف أمامه، وصاح فى نفسه : " أيمكن أن يكون هذا إلهاً " ثم التفت إلى يسوع واستحلفه أن يخبره إن كان هو الرب، إن كان هو الملك الذي قد وُعد به اليهود، فأين مملكته تكون، وإلى أى صنف من الآلهة ينتمي, أما يسوع فقد لزم الصمت.
كان بيلاطس متردداً بين الخوف والغضب من كلمات يسوع؛ عاد إلى الشّرفة، وأعلن ثانية إنه سيطلق يسوع؛ لكنهم صرخوا " إن أنت أطلقت هذا الرّجل, فلن تكون مُحب لقيصر, لأن كل من يجعل نفسه ملكاً يكون ضد قيصر." آخرون قالوا إنهم سيتّهمونه إلى الإمبراطور بأنه أزعج عيدهم؛ وأنه لابد أن يقرر فى الحال، لأنهم ينبغى أن يكونوا في الهيكل قبل العاشرة ليلاُ.
دوّى صياح " أصلبه! أصلبه! " فى كل الجوانب؛ حتى أنها تردّدت من أسطّح البيوت التى قرب المحكمة، حيث تجمّع عليها عديد من الأشخاص. رأى بيلاطس أنّ كل جهوده عقيمة، وأنه لن يستطع أن يؤثر على الغوغاء الغاضبين؛ الذين كانت صرخاتهم ولعناتهم تصمّ الأذان، وبدأ يخاف من التمرد. حينئذ اخذ ماء وغسل يديه أمام الشعب قائلا : " إني برئ من دم هذا الرجل البار؛ أبصروا أنتم فى ذلك ", حينئذ صدر صياح مخيف وجماعي من الحشود التي تجمّعت من كل أجزاء إسرائيل " دمه علينا وعلى أبنائنا ".
تأمل الرب يسوع
مُتَوَّجاً بالأشّواكِ ومُغَطّى بعباءةِ أرجوانيةِ، قَدّمني الجنود مرة أخرى إِلى بيلاطس. بدون أن يَجد فيّ جريمة واحدة كى يُعاقبني عليها، سَألني بِضْعة أسئلةَ، تسائل لماذا لا أجيبه رغم علمي أنّه له كل السّلطة علىّ .
حينئذ، كْسرتُ صمتي وقلت له :" أنك لَنْ يَكونَ لك ذلك السلطان ما لم تنله من فوق، لكن لابد أن تتم الكتب المقدّسةِ " وَتْركتُ نفسي إِلى أبي السّماويِ، لقد صمتَّ مرة أخرى .

https://kabylechretien.alafdal.net

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 3 من اصل 6]

انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6  الصفحة التالية

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى