يسوع مخلصي


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

يسوع مخلصي
يسوع مخلصي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
يسوع مخلصي

أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

آلام المسيح, رؤية شاهد عيان

انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6  الصفحة التالية

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 2 من اصل 6]

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

تأمل الرب يسوع


لا أحدُ يُصدق أننى عرّقتُ حقاً دمَاً فى تلك اللّيلةِ في جسثيمانى، وقليلين يؤمنون أننى عَانيتُ أكثر بكثيرَ مما عانيته في سّاعاتِ الصّلبِ. لقد كانت هذه الساعات أكثر ألماً لأنه كُشفَ لى بوضوح أن آثام كل شخصِ قَدْ صارت آثامي وأنني يَجِبُ أَنْ أُجيبَ عن كل أحد. وهكذا أنا البريء النقي، أجبت الآب كما لو أنى كُنْتُ حقاً مذنباً بالتّضليلِ وبكل التّلوّثِ الذى تُرتكبونه يا أخوتي.
أنكم تُهينون الرب الذي خَلقكَم لتَكُونَوا آداه عظمةِ الكون ولم يخلقكم لتضلوا عن الطّبيعةِ المُعطاة لكم بغرضِ أن تأخذوا تدريجياً تلك الطّبيعةِ التى ستَقُودكِم لتَنْظروا تجلّي ذاتي الإلهيّة النقية، أنا خالقكَم. لذلك، جُعِلتُ لصاً، قاتلاً، زانياً، كاذباً، شخصاً مدنِّساً‏, شتّاماً, مشوِّه السّمعة‏, ومتمرّداً ضد الآب الذي أحَببتُه دائماً.
لقد كان التباين الكامل بين محبّتي للآب وبين إرادته السبب فى أن أعرق دّماًِ. لكننى أطِعتُ حتى النّهايةِ ومن أجل محبّتي لكل شخصِ، غَطّيتُ نفسي بالذّنوبِ حتى أستطيع أَنْ أنفذ إرادة أبى وأن أخلصكم من الدينونة الأبدية .
تأملوا بكم كثير من المعاناةِ الإنسانيةِ كان على أكابد فى تلك اللّيلةِ، وصدقوني، ما من أحد كان يقدر أَنْ يُخفّفَ مثل هذا الألمِ لأنني بالمقابل كُنْتُ أرى كيف أن كل واحد منكم قد كَرّس نفسه أن يَجْعلَ موتي قاسياً في كل لحظةِ ألم أُعطيت لي من جراء الإساءات التي كان علىّ أن أسدد عقوبتها بالكامل. أريدكم أن تعلموا مره أخرى كيف أنى قد أحببت كل البشر في تلك الساعة التى كان فيها الهجر والحزن بلا سبب
فى آلامي أُريدكَم أَنْ تأخذوا فى الاعتبار قبل كل شيء، المرارة التي سببتها معرْفتي للآثامِ التى تَظلمِ فكر البشر، التى تَقُود فكرهم نحو الانحراف. إن هذه الآثامِ تكون مَقْبولُة منكم فى أغلب الأوقات كثمرةِ ميولِ طّبيعيةِ، تدعون أنها لا يُمكنُ مُقَاومَتها بإرادة المرء. اليوم كثيرون ممن يحيِّون في خطايا مُهلكةِ، يلومون الآخرين أو القضاء والقدر، بدون أن يحاولوا التَخَلُّص منها. لقد رَأيتُ هذا في جَثْسَيْمَانِي وعَرفتُ الشر العظيمَ الذى ستواجهه نفسى. لقد رأيت كثيرون جداً يفْقدونُ بالرغم من ذلك وكم عَانيتُ من أجلهم! إن هؤلاء الملائكةِ قَدْ طَمأنوني على محبّتكَ أيها الآب، وهذه البهجةِ التى أرسلتها لى، قَدْ صنعت عملاً حسناً بالرغم من مقاومتي الطّبيعيةِ.

أمتلئ بقيّة الكهف برّؤى مخيفة من جرائمنا؛ لقد أخذها يسوع كلها على نفسه، لكن ذلك القلب الحبيب، الذي امتلأ بالحبّ الكلّي الكمال نحو الرب والإنسان، قد فاض بالألم وغُمر تحت ثقّل كثير جدا من الجرائم البغيضة. عندما عبرت هذه الكتلة الهائلة من الآثم على نفسه وصارت كأمواج محيط لا يسبر غوره، قدّم الشيطان له تجارب غير معدودة، كما فعل سابقاً في البرية، حتى تجاسر أن يقدّم اتهامات متعدّدة ضده. لقد صاح : " خذ كل هذه الأشياء على نفسك, هل لن تلوث نفسك " ثم وضع الرب فى الاتهام بوقاحة جهنمية، مضيّفاً جرائم خيالية. لقد انتقده بعيوب تلاميذه، الافتراءات التي سبّبوها، والاضطرابات التى سبَّبها للعالم بالتخلي عن العادات القديمة.
ولولا كونه حكيماً وصارماً، لكان من الممكن أن يفيق الشيطان فى هذه المناسبة؛ لقد انتقد يسوع لكونه كان سببا لمذبحة الأطفال، وتسبب أيضا فى آلام والديه في مصر، ولكونه لم ينقذ يوحنا المعمدان من الموت، ولكونه جلب الانشقاق في العائلات، حامياً رجال ذى شخصيات هزيلة، وأنه رفض أن يشفي أشخاصاً عديّدين، أنه ظَلَم‏ سكان الجرجسيين لكونه سمح للأرواح النجسة أن تدخل الخنازير مما جعلها تلقى بنفسها في البحيرة؛ ولكونه هجر عائلته وبدد ملكية الآخرين؛ بكلمة واحدة، حاول أن يجعل يسوع يتردّد، لقد اقترح عليه كل فكر ممكن أن يغري به أى مُحتضر في سّاعة الموت وأن ما يريد أن يفعله لهو فوق قدرة البشر؛ لأنه قد أخفي عنه أن يسوع هو ابن الرب، وأغراه فقط كما يفعل مع كل البشر. إن مٌخلّصنا الإلهى أجاز بهذا لإنسانيته أن تخفى لاهوته، لأنه سرّ أن يتحمّل حتى ذلك الإغراء الذي يُهاجم النفوس المقدّسة في سّاعة الموت فيما يتعلق باستحقاق أعمالهم الجيدة. حتى أنه شرب كأس الألم حتى الثّمالة، لقد أجاز للرّوح الشّريّر أن يُجرب إنسانيته المقدّسة، كما يُجرب الإنسان الذي يجب أن يرغب فى أن ينسب إلى أعماله الجيدة بعض القيمة الخاصّة في نفسه، بالإضافة إلى ذلك ما يمكن أن يأخذه من قبل اتحاده باستحقاقات مُخلّصنا. لم يكن هناك فعل لم يستطيع أن يُشكل به بعض الاتهامات، وانتقد يسوع بأشياء أخرى كثيرة.
من بين آثام العالم التى أخذها يسوع على نفسه، رأيت آثامي أنا أيضا بوضوح وظهرت كل عيوبي تتدفّق نحوه من خلال التجارب التي أحاطت به. خلال هذا الوقت ثبّت عيناي على عريسي السّماوي؛ بكيت معه وصلّيت، والتفت معه نحو ملائكة المواساة. آه، إن إلهنا العزيز قد تلوّى حقا تحت ثقل آلامه وأحزانه !
بدا يسوع هادئاً في بادئ الأمر، بينما كان جاثياً على ركبتيه يصلّى، لكن بعد فترة صارت نفسه فزعة برؤية جرائم البشر الغير معدودة، وجحودهم نحو الرب، وألمه كان عظيماً جدا حتى أنه ارتعد وارتجف بينما يصيح : أبتاه، إن أمكن، فلتعبر هذه الكأس عنّي! أبتاه، إن كل الأشياء ممكنة لك, أزل هذه الكأس عنّي! " لكنه أضاف فى اللّحظة التالية: " ومع هذا، لتكن لا مشيئتى بل مشيئتك " أن مشيئته ومشيئة أبيه واحدة، لكن حبّه قد أستوجب أن يُترك الآن إلى كل ضعف طبيعته البشرية، لهذا ارتعد بمشهد الموت.
لقد رأيت المغارة التي كان راكعاً فيها ممتلئة بأشكال مخيفة؛ رأيت كل الآثام والفجور والرذائل وجحود البشرية تعذّبه وتسحقه إلى الأرض؛ لقد رأيت رهبة الموت والرّعب الذي شعر به كإنسان ينظر الآلام التّكفيرية التى كانت على وشك أن تقع عليه، تحيط به وتهاجم شخصه الإلهى تحت أشكال خيالات قبيحة. لقد سقط من جانب لآخر، شابكاً يديه؛ تغطّى جسده بعرق بارد وارتعد وارتجف. ثم نهض، لكن ركبتيه كانتا تهتزان وبالكاد تقدران على حمله؛ وجهه كان شاحباً، وتبدل مظهره تماما، شفتاه كانت بيضاء وشعره غير مُرتب.



عدل سابقا من قبل amsellek-iw في 25/9/2009, 17:06 عدل 1 مرات

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

تأمل الرب يسوع
آلامي... يا لها من هاوية بلا قاع من المرارةِ قد الّتفت علىّ! كم يخطئ كثيراً من يظن أنه يَفْهمها، على الرغم من إنهم يُفكّرونُ فقط فى آلامي الجسدية الرهيبة .
أبنائي، لقَدْ ادخرت لكم مشاهد أخرى من المآسيِ الأساسية التي عِشتُها وأَرْغبُ أَنْ أَتقاسمها معكَم لأنكم من هؤلاء الذين أعطاهم لى الآب في البستان .
أحبائى، تعلّمُوا منى أن الشيء الضّروريِ الوحيدِ، حتى وإن تمردت طبيعتكَم عليكم، هو أَنْ تُقدّمَوا نفوسكم بتواضع وأَنْ تَُسلمَوا نفوسكم كى تتحقق إرادة الرب فيكم.
لقد أردت أيضا أَنْ أُعلّمَ النفوس أن كل الأعمال الهامة يَجِبُ أَنْ تُعدً وأن تُنشط من خلال الصّلاةِ. فبالصلاةِ تتحصن النفس ضد أكثر الأشياءِ صعوبة والرب يَتّصلِ بهاِ ويَنْصحها ويُلهمها حتى لو لم تكن مدركة لذلك .
لقد انسحبتُ إِلى البستان مع ثلاثة من تلاميذي، لأُعلّمهم أن قوى النفس الثّلاث يَجِبُ أَنْ تُرافقَهم وأن تُساعدهم في الصّلاةِ.
تذكّرْوا المعونات الإلهية، كمال الرب, شفقته، قوته، رحمته والحبّ الذي يكنه لكم. بعد ذلك، انظروا بّفهمِ كيف تكافئوه عن الأعاجيبِ التي صنعها من أجلكم.... من خلال الصّلاةِ، في انزوائكم وصمتكَم، اَسْمحُوا لأرادتكم أنْ تتُحَرّكُ كى تَعمَلُ المزيد والأفضلَ للرب، وأنْ تكونوا مُكَرّسُين لإنقاذِ النفوسِ، سواء بواسطة عملكمَ الرّسولي أو بحياتكمَ المتواضعةِ والمخفيةِ. اطرحْوا ذواتكم بتواضع كمخلوقاتِ في حضرةِ خالقها، ومَجّدْوا عمله فيكم، مهما كانت تلك الأعمال، مودعين إرادتكم إلى قدوس القديسين .
بهذه الطريقة قدمت نفسي كى أُحقق عمل فداء العالمِ. آه! يا لها من لحظة عندما شَعرتُ بكل ذلك العذابِ آتياً علىّ، العذاب الذى علىّ أَنْ أَعانيه في آلامي : الافتراءات، الإهانات، الجَلْد، الرّكل، إكليل الشّوكِ، العطش، الصّليب. كل ذلك عْبرِ أمام عينيّ في الوقت نفسه الذي اخترق فيه الألم الحاد قلبي؛ الإساءات، الآثام، والبغضة التي ستُرتكبِ بمرورِ الوقتِ. وأنا لم أرها فقط، بل شَعرتُ بها وقد انغرست فىّ بكل بشاعةِ، وبهذه الطريقة قَدّمتُ نفسي إِلى أبي السّماويِ لأناشده الرحمة.
لقد قدمت نفسي كسوسنة لأُهدّئَ غضب الآب وأَسترضىَ عِقابه الإلهي‏. وعلى الرغم من هذا، بكثير جداً من الجرائمِ والآثامِ، اختبرت طبيعتي البشرية آلاماً مُميتة إلى حدّ أنى عرقت دّماُ. هَلْ مُمكن لهذا الألمِ وهذا الدّمِ أن يصْيرا بلا فائدةَ لكثير من النفوس؟ ... أن حبّي كَانَ أصلَ آلامي. إن أنا لم أرد ذلك، من كان سيَكُونَ قادراًَ أَنْ يَمْسّني؟ لقد أردت ذلك وكي أَتمّمَ إرادتي، استخدمت أقسَى مَنْ فى البشر .
قبل الألمِ، عَرفتُ نفسي كل الآلام واستطعت أَنْ أُقيّمها بالكامل. لكن بالرغم من ذلك، عندما أردتُ أَنْ أَعاني، كَانَ عندي الإحساسُ الإنسانيُ بكل هذه الآلامُ. لقد أَخذتُ كل الأحاسيس بالإضافة إِلى المعرفةِ والتّقديرِ الكامل لهاِ.
عند الحديث عن آلامي، لا أستطيع أَنْ اَدْخلَ فى تفاصيل كثيرةً. لقَدْ فعلتُ ذلك فى مرات أخرى ولم تستطيعوا أَنْ تَفْهموا ذلك. ذلك بسبب طبيعتكَم البشرية، أنكم لا تستطيعون أَنْ تبدءوا فهم المدى الهائل للألم الذي عَانيتُه. نعم، أنى أنيركمَ، لكننى أظل داخل حدود لا تستطيعون أَنْ تتخطوها. فقط أمي جَعلتهاُ تعرف كل آلامي، لهذا فهي من تألمت بآلامي أكثر من أي أحدَ. لكن اليوم, سَيَعْرفُ العالمَ أكثر مما سَمحتُ به حتى الآن، لأن أبي يُريد ذلك بهذه الطّريقةِ. لذلك السّببِ، يَزدهرُ شعاع من الحبِّ في كنيستي بسبب كل الظّروفِ المتُغَيِّرةِ التي أَخذتني من البستان إِلى الجلجثةِ. أكثر من أي شخص آخر، أنى أُظهرُ آلامي إِلى الأقرباء الأحباء الذين كَانَوا معي في البستانِ. إنهم قادرون أَنْ يَذْكروا شيئاً ما يُناسب الفكر المعاصرِ. وإن استطاعوا، فهم يَجِبُ أَنْ يفَعلوا ذلك. لهذا يُكتب كل ما أُخبركم به يا صغاري، من أجلكم ومن أجل كثيرين آخرين، من أجل راحة النفوس ومن أجل مجدِ الثّالوثِ القدّوسِ الذي يَرْغبُ فى أن تُعرف آلامي في جَثْسَيْمَانِي .
إن نفسى حزينة حتى الموتِ. فى حين أن الحزنَ لا يُمكنُ أن يَكُونُ سببا طبيعياً ًَللموتِ، لقد أردتُ أَنْ أختبر حزن الرّوحِ، الذي يتَضمّنَ الغيابِ الكاملِ لتأثيرِ اللاهوتِ والحضور المُفجع لأسبابِ آلامي .
فى نفسى, التي كَانتَ تتعذّبُ حتى الموت, كَانتَ توجد كل الأسبابِ التي دْفعتني لأَنْ أَجْلبَ المحبّة إِلى الأرضِ. أولهاً كَانتْ الإساءةَ التى جُعلتْ ضد آلامي الإلهية كإنسان، مع إدراكي الكامل بألوهيتي. أنكمَ لا تستطيعون أَنْ تَجدواَ أي شئ يماثل هذا النوعِ من الألمِ لأن الإنسان الذي أخطأ يَفْهمُ بنوري الجزء الذي يتوافق معه وفى عديد من المرات يفهمه على نَحْو ناقص، أنه لا يفقه ما مدى ما تعنيه الخطية أمامي. لذلك السّبب الرب فقط من يستطيع أن يعرف بوضوح فداحة الإساءة التى قد صُنعت له.
وبالرغم من هذا، يَجِبُ على الإنسانية أَنْ تَكُونَ قادرة على أَنْ تَقدم معرفة كاملة، حُزناً صادقاً، وتوبة إِلى اللاهوتِ، وأنا أستطيع أَنْ أدع الإنسانية تَفعلُ هكذا حينما تَرْيد. في الحقيقةِ أنا أفعَْلُ هذا بتقديم معرفتي التي عَملتُ داخلي كإنسان، كإنسان يحمل وزر الإساءة ضد الرب
هذه كَانتْ رغبتي: أنه من خلالي، سَيكونُ للأثيم التائب وسيلة ليتَقدمِ بها إِلى إلهه مُعترفاً بالإساءة التى أُرتَكَبها، وأنا، في لاهوتي، أستطيع أيضاً أَنْ أتقبل الّفهم الكامل لما قَدْ صُنع ضدي.
لقد كنت حزيناً حتى الموت لرؤيتي هذا التّراكم الضّخم للخطايا التى ترتكب في كل موضع. وإن كان لأجل خطيه واحدة اختبرت موتاً لا شبيه له, فماذا كان علىَّ أن أختبر من أجل مزيج من كل الإهانات ؟ " حزينة هى نفسى حتى الموتُ " حزناً أوهن فىّ كل مقدرة؛ حزناً قد صار له مركزاً فيّ أنا الربوبية, فى تتجمع اتجاهه كل تيارات الذنوب ورائحة نتِانة‏ النفوس التى فسدت من كل أنواع الرّذائل. لهذا السبب كنت أنا الهدف والسهم فى آن واحد, كإله كنت الهدف, وكإنسان كنت السهم. وبمجرد أن غُمرت بكل الخطايا, ظهرت أمام أبى وكأنني الأثيم الوحيد. لا يمكن أن يوجد حزناً أعظم من هذا، وقد أردت أن أناله بالكامل، من أجل محبتي للآب، ومن أجل رحمتي بكم جميعاً .
إن كان الإنسان لا يَنتبهُ إلى هذه الأمور، فأنه يَتأمّلُ فى معاني هذه الكَلِماتِ دون جدوى، تلك الكلمات التي تَتضمّنُ كل جوهري كإله وكإنسان.
انظروا نحوى في سّجنِ الروح العملاقِ هذاِ. هَلْ لا أَستحقُّ الحبّ بعد أن كَافحتُ وعَانيتُ كثيراً؟ هَلْ لا أَستحقُّ من الخليقة أَنْ أُعد من خاصتهمِ، لقد أَعطيتهم نفسي بالكامل بلا أي تحفّظ؟ أَشْربُوا جميعاً من ينبوع صلاحي الذى لا ينضبِ. أشربْوا! ها أنا أقدم لكم حزني في البستانِ؛ أَعطوني أحزانكمَ، كل أحزانكَم. أنى أُريدُ أَنْ أَجْعلَ من أحزانكَم باقة من زهر البنفسجِ، التي يتجه عطرها دائماً نحو ألوهيتي .
" أبتاه، خذُ هذا الكأسِ بعيداً عني إن كان ذلك ممكناً، لكن لتكن لا إرادتي بل أرادتك ." لقد قُلتُ هذا بعلو المرارةِ، عندما صْار الثّقل الذى وضّع علىّ دموياً حتى أنى وَجدتَ نفسى في ظّلمةِ من المستحيل تصديقها. لقد قُلت ذلك للآب لأننى، علاوة على كل الملامةِ، فأنى قَدّمتُ نفسي أمامه كأني الأثيمِ الوحيدِ قبالة كل عدالته الإلهية التى سددتهاَ. وأحسست بالحَرمان منَ ألوهيتي، فقط بشريتى هى التى ظَهرتْ أمامي.
خُذْ منّي آيها الآب، خذ هذا الكأسِ الشديدة المرارةّ التى تُقدّمهاُ لي، والتي قَبلتُها لأجل محبتّكَ عندما جِئتُ إِلى هذا العالمِ. لقَدْ وَصلتُ إلى النقطةِ التي صرت لا أميز فيها حتى نفسي. أنتَ أيها الآب، الذي يَحْبّني، قَدْ جَعلَت الإثم ميراثي وهذا جعل حضوري أمامك لا يطاق. أن جحود البشرِ قد صار مَعْرُوفاً لي, لكن كيف سأَتحمّلُ رُؤيةَ نفسي وحيداً؟ إلهي، لتكن لك رحمةُ لهذه العزلة العظيمةِ التي وَجدتُ نفسي فيها. لماذا تُريدُ أَنْ تَتْركني؟ أي معونة سَأَجدُ إذن في مثل هذا الانسحاق العظيمِ؟ لماذا تَضْربني أنت أيضاً بهذه الطريقة ؟ نعم، أنك تَحْرمني منك. أنى أحس كأنني اَسْقطُ في مثل هذه الهاويةِ التي لا أميز فيها حتى يدّكِ في هذا الوضع المأسويِ. أن الدّم الذي تَسرّبَ خارج جسدي يَعطيكَ شهادةَ عن انسحاقي تحت يدّكِ القويةِ.
هكذا، صَرختُ؛ سَقطتُ. لكنى واصلت: إنك مُحق أيها الآب القدوس أن تَعمَلُ بى ما تُريدهُ. أن حياتي لَيستْ لي، إنها بالكليةً لك. أنى لا أُريدُ أن تكون إرادتى، بل بالأحرىَ إرادتك أنت. لقَدْ قَبلتُ الموت على الصّليبِ، أنى اَقْبلُ أيضا الموتَ الظّاهرى عن ربوبيتى .
إنه العدل. كل هذا يَجِبُ أَنْ أَعطيه لكَ، وقبل كل شيءِ، يَجِبُ أَنْ أقدم لك محرقة ألوهيتي التي تُوحّدني بك. نعم أيها الآب، بالدّمِ الذي تَراه، أُؤكّدُ عطائي وقبولي: لتكن إرادتك ولَيسَ إرادتي .
.



عدل سابقا من قبل amsellek-iw في 25/9/2009, 17:07 عدل 1 مرات

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

لقد كانت حوالي العاشرة والنصف عندما نهض يسوع على ركبتيه، وكان ينضح عرقاً بارداً، توجه بخطى واهنة نحو تلاميذه الثّلاثة. بصّعوبة صعد إلى جانب المغارة ووصل حيث كان التلاميذ ينامون منهكين من الإعياء، حزانى وقلقين.
جاء إليهم، كرجل مغمور بالحزن المرّ ملتمساً أصدقاءه, ومثل الراعي الصالح، الذي يسرع ليفتقد قطيعه عند اقتراب الخطر، ليهبه الأمان ممن يهدّده؛ لأنه كان يعرف جيّداً إنهم أيضا مُتعبون من الألم والتجربة. الرّؤى الفظيعة لم تتركه، حتى بينما كان يلتمس تلاميذه. عندما وجدهم نائمين، شبك يديه وسقط على ركبتيه بجانبهم، مغلوّباً بالحزن والقلق، وقال : " سمعان هل أنت نائم؟ " فاستيقظوا ونهضوا، وقال لهم بعمق حزن الروح " ماذا؟ ألا تستطيعوا أن تسهروا ساعة واحدة معي؟ "
عندما نظروا إليه، ورأوه شاحباً ومنهكاً، بالكاد قادراً أن يسند نفسه، مُستحماً في عرقه، مرتعداً ومرتجفاً، عندما سمعوا كيف أن صوته قد صار متغيّراً وخافتاً، لم يعرفوا ماذا عليهم أن يعتقدوا، ورأوا أنه لم يعد محاط بهالة النور المشهورة، إنهم لم يتعرفوا عليه كيسوع. قال له يوحنا : يا سيد، ماذا حدث لك؟ هل يجب أن أدعو التّلاميذ الآخرين؟ هل علينا أن نهرب ؟ " أجابه يسوع : " لقد كنت أعيش وأعلّم وأؤدّي معجزات طيلة ثلاث وثلاثين سنة، أن ذلك لا يكفي لإنجاز ما يجب أن يُنجز قبل هذا الوقت غدا. لا تنادى الثّمانية؛ إنى لم أحضرهم هنا، لأنهم لا يستطيعون أن يروني معذّباً هكذا دون أن يروّعوا؛ دون أن يخضعوا للتجارب، دون أن ينسوا كثيراً من الماضي، ويفقدوا ثقتهم فيّ. لكنكم أنتم، الذين رأيتم ابن الإنسان مُتجلياً، ورأيتموه أيضا تحت السحابة، تستطيعون أن ترونه في إهمال الرّوح؛ وعلى الرغم من هذا، اسهروا وصلّوا لئلا تقعوا في تجربة، لأن الرّوح نشط حقا، لكن الجسد ضعيف "
بهذه الكلمات كان يشجّعهم ليثابروا، وكي يجعل المعركة التي كانت تتحمّلها طبيعته البشرية ضد الموت معروفة لهم، بسبب ضعفه وبحزنه الذى غمره مكث معهم ربع ساعة تقريبا، وتكلّم معهم ثانية. ثم عاد إلى المغارة، آلامه الروحية كانت لا تزال فى ازدياد، بينما مد تلاميذه أياديهم نحوه وبكوا واحتضن كل منهم الآخر متسائلين : " ماذا ممكن أن يكون هذا؟ ما هذا الذي يحدث له؟ أنه يبدو في حالة أسى كامل " بعد هذا، غطّوا رؤوسهم، وبدءوا يصلّون، بشكل حزين جدا وبقلق عميق.
تأمل الرب يسوع
على الرغم من كل شيء، بالرغم من الثّقل الهائل والإعياء الفظيع، مع تصبب عرقي دّماًِ، كُنْتُ مصدوماً لأنىّ عندما ذَهبتُ لأبْحثَ عن تلاميذي، شَعرتُ أنى مُنهك بشكل مروِّع‏ .
بطرس، يوحنا، يعقوب! أين أنتمَ فأنا لا أراكمَ مُتيقظين ؟ استيقظوا، انظروا إلى وجهي، انظروا كيف أن جسدي يَرتعدُ في هذه المحنةِ التي أجوزها ! لماذا تَنَامُون؟ اَستيقظُوا وَصلّوا معي؛ فأنا قَدْ عرّقتُ دماً من أجلكم !
بطرس، هَلْ لست تبالي بآلامى؟ يعقوب، لقَدْ أعطيتك كثيراً من الأولويّة‏، أَنْظرُ إليّ وَتذكّرني! وأنت يا يوحنا، لماذا تَتْركُ نفسك تَغْرقُ في النّومِ مع الآخرين؟ أنكَ تستطيع أَنْ تتَحْملَ أكثر منهم ... لا تَنَامواَ، اسهروا وصلّوا معي!
إن هذا ما حَصلتُ عليه: طَلَبت الرّاحةِ، فوَجدتُ مأساةَ مرّةَ. حتى هم ليسوا معي. إلى من سواهم سأَذْهبُ؟ .... إنه حقاً، إن أبى أعطاني فقط ما قد طلبته منه، حتى تقع علىّ دينونة كل الإنسانيةِ. أبتاه، أعنى! أنكَ تستطيع أَنْ تفَعَلُ كل شئ؛ ساعدني!
لقد صَلّيتُ مرة أخرى كإنسان من أجل كل من تحُطّمتَ آمالهم ومن أجل من يَطْلبُون الفهم والراحة من الأعالي. لكن ماذا يستطيع أبى أَنْ يفعل إن كنت أنا قَدْ اخترتُ بحرّيه أَنْ أفي عن كل شيءِ؟ إن اختياري لمَ يتغَيّرَ. ومع ذلك، فمقاومتي الطّبيعية قَدْ بلغت حدها الأقصى فطغت علّى بشريتي .
مره أخرى سَقطتُ على الأرض على وجهي بسبب الخزي من كل آثامكمَ؛ مره أخرى سَألتُ أبي أَنْ يَأْخذَ تلك الكأس عنىِ. لكنه أجاب، إن لم أشَربها، فسيكون كما لو أننى لم أجِئُ إِلى هذا العالم, من جهتي فيكفى عزاء لنفسي أن عديداً من المخلوقاتِ ستنال جزء من آلامي المُبرحة في البستان .
لقد أجبت: أبتاه، لتكن لا إرادتي، بل أرادتك أنت. أعطني خليقتي، هؤلاء الذين قَدْ فديتهم. أنكَ بنفسك تَأْخذهم لأنه من أجلك أنا قَدْ قَبلتُ. أنى أُريدُ أَنْ أَراكَ راضياً. إنى أقدم لك كل آلامي وثبات إرادتيَ، فى الحقيقة إن إرادتي ليَستُ تتعارض مع إرادتك، لأننا نحن دوماً لنا إرادة واحدة. أبتاه، إنى مُنسحق لكن هكذا حبّنا سَيُعْرَفُ. فلتكن لا إرادتي بل أرادتك أنت!

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

مرت حوالي ساعة ونصف منذ أن دخل يسوع بستان الزّيتون. أن الكتاب المقدّس يخبرنا أنه قال " أما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة ؟ " لكن كلماته لا يجب أن تؤخذ بشكل حرفي، ولا طبقا لطريقتنا فى حساب الوقت.
صلى التلاميذ الثّلاثة الذين كانوا مع يسوع في بادئ الأمر، لكنهم ناموا بعد ذلك، لأن التجربة قد وقعت عليهم بسبب حاجتهم للثقة في الرب. الثّمانية الآخرون، الذي بقوا خارج البستان، لم يناموا، لأن كلمات الرب الأخيرة، المعبّرة جداً عن الألم والحزن قد ملأت قلوبهم بنذر الشّر، وكانوا يتجوّلون حول جبل الزيتون، محاولين أن يجدوا مكاناً كمأوى في حالة الخطر.
كانت مدينة أورشليم هادئة جدا؛ اليهود بدورهم، انشغلوا في الإعداد للعيد، لكنى أري هنا وهناك، بعضاً من أصدقاء وتلاميذ يسوع يمشون ذهابا وإيابا بحرص، يتحدّثون بشكل جديّ سوياً، ومتوقّعين بوضوح بعض الأحداث العظيمة. والدة الرب والمجدلية ومارثا ومريم التى لكلوبا وسالوما قد ذهبن من علية صهيون إلى بيت مريم أمّ مرقص. مريم قد تنبّهت إلي التّقارير التي كان تنتشر، ورغبت أن ترجع إلى المدينة مع صديقاتها، من أجل أن تسمع شيئاً ما عن يسوع. جاء لعازر ونيقوديموس ويوسف الرامى، وبعض الأقارب من حبرون، جاءوا ليروا ويسعوا لتهدئتها، لأنهم كانوا مدركين، أمّا من معرفتهم الخاصة أو أن التّلاميذ قد اخبروهم بالتّنبؤات المحزنة التي قالها يسوع في علية صهيون، لقد استعلموا من بعض الفريسيون الذين كانوا على علاقة خاصة بهم، ولم يقدروا أن يسمعوا عن أي مؤامرة كانت تُحاك ضد الرب. بكونهم جاهلين تماما بخيانة يهوذا، طمأنوا مريم أن الخطر ليس عظيماً بعد، وأن أعداء يسوع لم يشنوا أي محاولات اعتداء‏ على شخصه، على الأقل حتى ينتهى العيد. أخبرتهم مريم كم أن يهوذا قد بدا مضطربا ومنزعجا أخيراً، وكيف أنه قد ترك علية صهيون فجأة. لقد أحست بلا ريبة أنه ذاهب ليخون الرب، لأنها حذّرته دوماً من أنه ابن الجحيم. رجعت النّساء القديسات حينئذ إلى بيت مريم أمّ مرقص .
عندما رَجعَ يسوع إِلى المغارة، غير مُراح من كل ثقل آلامه، سَقطَ ساجدَا، بوجهه على الأرضِ وذراعاهِ مَدّده، وصَلّي إِلى أبيه الأزلي؛ لكن نفسه كَانَت يجبُ أَنْ تَتحمّلَ المعركة الدّاخلية ثانية، معركة دامتْ حوالي ثلاثة أرباع ساعةِ. جاءتْ الملائكة وأرته في سلسلةِ من الرُّؤىِ، كل الآلامِ التي ينبغى أَنْ يَتحمّلهاَ من أجل أَنْ يُكفّرَ عن الخطيئةِ؛ كم كَان عظيما جمالَ الإنسان، صورة الرب، قبل السّقوطِ، وكم قَدْ تغُيّر ذلك الجمالِ وزال عندما دَخلتْ الخطيئة العالمَ. لقد نَظرَ كيف نَشأَت كل الآثامِ من خطيئة آدم، لقد رأى تأثيراتها الفظيعة على النفسِ، وعلى نفس النمط كان مغزى وجوهر كل الآلام التى استلزمتْ مِن قِبل الرغبة الملحَّة‏ فى افتدائهم. لقد أرته الملائكة الرّضا ما يَجِبُ أَنْ يقدمه إلى العدل الإلهى، وكيف أنه يَتضمّنُ على درجةِ من الألمِ في نفسه وفى جسده بأن يدرك كل الآلامِ الناشئة عن شهوات كل البشر، حيث أن ديون كل جنس البشر كَانَ لِزاماً عليهِ أَنْ يسددها بتلك الطبيعة البشرية التي كانت هى الوحيدة البريئةَ, بشرية ابن الرب. لقد أرته الملائكة كل هذه الأشياءِ تحت أشكالِ مختلفةِ، وشَعرتُ بما كَانوا يَقُولونَه، مع أنى لم أسَمع أى صوت. لا لسانُ يستطيع أَنْ يَصفَ أى ألم وأى رعب غَمرَ نفس يسوع برؤية التكفير الفظيع المستوجب, إن آلامه كَانتْ عظيمَة جداً، حقاً، إن عرقاً دموياً أنساب من كل مسامِ جسده المقدّسِ.
بينما كانت تُسحق إنسانيةَ للمسيحِ المحبوبةَ هكذا إِلى الأرضِ تحت ثقل كل هذا الألمِ المُرعبِ، بدت الملائكة ممتلئة بالشّفقة؛ كان هناك تأنّى، وقد أدركت إنهم يرغبون بشكل جديّ أن يواسوه، وصَلوا من أجل ذلك التّأثيرِ أمام عرشِ الرب. للّحظةِ واحدة بَدا، كما لو أنه كَانَ هناك صراع بين رّحمةِ الرب وعدالته من جهة وبين ذلك الحبِّ الذي كَان يَضحّيِ بنفسه من الجهة الأخرى.
لقَدْ أُجيز لى أَنْ أرى صورة الرب، لَيسَ كما سبق، جالسَا على عرشِ، بل تحت شكلِ مضيء. لقد رأيت الطّبيعةَ الإلهية للابن في شخصِ الأبِ، وكأنها تنسحب نحو حضنه؛ شخص الروح القدسِ كان، إذا جاز التعبير، بينهما، ومع ذلك الكل كان إله واحد, لكن هذه الأشياءِ متعذر وصفهاُ.
كل هذا كَانَ إدراكَ داخليَ أكثر من كونه رؤياِ تحت أشكالِ مُميّزةِ، وبدا لي أن المشيئة الإلهية للسيد المسيح تَنسحبُ بطريقة ما نحو الأبِ السّرمديِ، لكى تُجيزَ لكل تلك الآلامِ أَنْ تَثقل على إنسانيته وحدها. إنسانيته التي سَتَتوسّلُ إلى أبيه كي يُصفح عنها، لقد رَأيتُ في هذا الوقت الملائكة، ممتلئة بالشّفقةِ، تَرْغبُ أَنْ تَواسي يسوع، الذي، في الحقيقةِ، قَدْ أُريحَ قليلاً في تلك اللّحظةِ. ثم أختَفيِ الجميع، وتراجعت الملائكة عن إلهنا، الذى كانت نفسه عَلى وَشَكِ أَنْ تَتحمّلَ اعتداءات جديدة .
عندما سرَّ فادينا، أَنْ يُجرّبَ على جبل الزيتون وأن يَتغلّبَ على كراهية الطبيعة البشريةِ العنيفِة للمُعاناة وللموت اللذان يُمثلان جزءا من كل الآلام، أجيزَ للمُجرب أَنْ يفعلُ معه ما يفعله مع كل البشر الذين يَرْغبُون أَنْ يَضحّون بأنفسهم لأجل سببِ مقدّسِ. فى الجزء الأول للمعاناة، أظهر الشيطان أمام عيني الرب فداحة ديون الخطيئة والتي كان فى سبيله أن يسددها، وكان وقحاً وخبيثاً كفاية حتى أنه نشد عيوب في أعمال منقذنا نفسه. فى المعاناة الثّانية، نظر يسوع، إلى حجم المُعاناة الأكثر اكتمالا‏ وفي كل مرارتها، والألم التّكفيري الذي سيتطلّب لإرضاء العدل الإلهى. هذا قَدْ أُظهر إليه من قبل الملائكةِ؛ لأنه لا يخص الشيطانُ أَنْ يُظهر أن التّكفيرِ ممكن، وأبّو الأكاذيبِ واليأسِ لن يُظْهِر‏ أَبَداً أعمالِ الرّحمةِ الإلهية أمام البشرِ. لكون يسوع قَاومَ بشكل منتصر كل هذه الاعتداءات مِن قِبل كل استسلامه الكلى والمطلقِ إِلى إرادة أبيه السّماويِ، تعاقبت عليه رُّؤىِ جديدةِ ومُفزِعةِ أمام عينيه، وذلك الشعورِ بالشكِ والقلقِ الذي يُجربه دوما الإنسان الذى على وشك أن يؤدى تضحيةِ عظيمةِ، نشأ في نفس مُخلصنا، كما سألَ نفسه ذلك السؤالَ المروع :" وأي صلاح سينتج من هذه التّضحيةِ؟ " حينئذ ظهرت أمام عينيه صورة أكثر من مرعبة عن المستقبلِ وغُمِرتْ قلبه الحنون بالألمِ.
عندما خلق الرب آدم الأول، ألقى عليه سُباتاً عميقاً، فتح جنبه، واخذ ضلعاً من أضلاعه، وصنع منه حواء، زوجته وأمّ كل الأحياء. ثم أحضرها إلى آدم، الذي صاح:" هذه الآن عظم من عظامي، ولحم من لحمي. ولهذا السبب سيترك الرجل أباه وأمّه، ويلتصق بزوجته، ويكونان الاثنان جسداً واحداً." هذا كان الزّواج الذي كُتب عنه: " هذا سر عظيم. أنى أتكلّم من نحو المسيح ومن نحو الكنيسة" يسوع المسيح، آدم الثّاني، قد سرّ أيضا أن يدع السبات يقع عليه, سبات الموت على الصّليب، وهو سرّ أيضا أن يجعل جنبه مفتوحاً، من أجل أن تتشكّل منه حواء الثّانية، عروسه البكر، الكنيسة، أمّ كل الأحياء.
إنها كانت مشيئته أن يعطيها دم الفداء وماء التطهير وروحه, الثّلاثة الذين يقدِّمون الشّهادة على الأرض وأن يمنحها أيضا الأسرار المقدّسة، من أجل أن تكون نقية ومقدّسة وغير دنّسه؛ إنه عليه أن يصير رأسها، ونحن أعضاءها علينا أن نكون تحت الاستسلام إلى الرّأس، عظم من عظامه، ولحم من لحمه.
بأخذ المسيح طبيعة بشرية عاني الموت من أجلنا، إنه ترك أباه الأزلى أيضا، ليلتصق بزوجته، الكنيسة، وهو صار جسداً واحداً معها، بإطعامها من جسده الذى على المذبح والذي يُوحّد به نفسه معنا بشكل متواصل.
لقد سُرّ أن يبقى على الأرض مع كنيسته، حتى نكون جميعاً متّحدين سوياً بواسطته داخل حظيرتها وهو قد قال : أن أبوّاب الجحيم لن تقوى عليها ", لكى يرضي محبّته التى لا توصَف‏ للخطاة، لقد صار الرب إنساناً وأخاً لنفس هؤلاء الخطاة، لدرجة إنه أخذ على نفسه العقاب المستوجب عن كل جرائمهم. لقد تأمّل بحزن عميق عظمة هذا الدّين والآلام البشعة التى من قبلها كان عليه أن يسدَّد الدَيْن. ومع ذلك كان له أقصى فرح أن يُخضع نفسه لإرادة أبيه السّماوي كذبيحة كفارية. الآن، على أية حال، قد نظر لكل آلام المستقبل، لقد نظر معارك وجراح عروسه السّمائية؛ بكلمة واحدة، لقد نظر جحود البشر .
لقد رأى يسوع كل آلام تلاميذه وتابعيه وأصدقائه فى المستقبل ؛ بعد ذلك رأى الكنيسة الأولى، تتكون من بضع نفوس في حظيرتها في بادئ الأمر، وبعد ذلك تزداد أعدادها، لقد انزعج بالبدع والانشقاقات الدينية المندلعة بين أولادها، الذين كرّروا خطية آدم بالكبرياء والعصيان. رأى فتور وحقد وفساد عدد لانهائي من المسيحيين، رأى أكاذيب وخبث المعلمين المتفاخرين، كل تدنيس للمقدسات من قبل القساوسة الأشرار، النّتائج القاتلة لكل خطيئة، ورجسة الخراب في ملكوت الرب، في هيكل أولئك البشر الجاحدين الذين كان على وشك أن يفتديهم بدمه مُجتازا آلاماً بشعة.

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

فضائح من كل العصور وحتى الزمن الحاضر, بل حتى نهاية العالم, كل أشكال الخطأ، المكر، التعصّب المجنون، العناد والحقد, كل ذلك عُرض أمام عينيه، وهو رآه، كما كان يطفو أمامه كل المرتدين والمُهرطقين والمُصلِحين‏ الزائفين, الذين يخدعون البشر بمظهر القداسة. وهم المحرِّفون‏ والمفسدون من كل العصور الذين أهانوه وعذّبوه لكونه لم يصُلب طبقاً لرأيهم، أو لكونه لم يعانى بالضبط كما قرروا أو تخيّلوا إنه كان يجب أن يُعاني. لقد نافس كل منهم الآخر في تمزيق لُباس كنيسته الذى بلا خياطة؛ كثيرون من يسيئون مُعاملته, يُهينونه وينكرونه، وكثيرون من يرتدون عنه باحتقار، يهزونّ رؤوسهم عنده، متجنّبين أحضانه الحنونة، ومتعجلين إلى الهاوية حيث قد ابتلعوا أخيرا. لقد رأى أعداداً غير مُحصاة من البشر الآخرين الذين ما تجاسروا أن ينكروه علانية، بل جازوا باشمئزاز من منظر جراح كنيسته، كما اللاويّ. الذى جاز مقابل الرّجل المسكين الذي سقط بين اللّصوص. مثل الأولاد الجبناء والذين بلا إيمان، يهجرون أمّهم في منتصف اللّيل، عندما يبصرون اللّصوص وقطاع الطريق الذين فتحوا الباب لهم بإهمالهم أو بحقدهم، لقد هربوا من جراح العروس. لقد رأى كل هؤلاء الناس، أحيانا منفصلين عن الكرمة الحقيقية، ويجدون راحتهم وسط أشجار البرية, أحيانا مثل غنم ضالة، متروكة لرحمة الذّئاب، منقادة من قبل مأجورين‏ حقراء نحو المراعي الرديئة، ورافضين أن يدخلوا حظيرة الرّاعي الصالح الذي بذل حياته من أجل خرافه. إنهم كانوا تائهين مشرّدين في البراري وسط الرّمال التى تذريها الرّياح، وقد قرروا بعناد ألا يروا مدينته التى وضعت على التل، التي لا يمكن أن تكون مُخبئة، دار العروس، كنيسته المبنية على الصخر، والتي وعد أن تبقى حتى نهاية الدهور. لقد بنوا على الرمال مباني هزيلة، لقد كانوا يهدّمونها باستمرار ويجدّدونها، لكن حيث لا مذبح هناك ولا ذبيحة ؛ لقد كان لديهم أداة لتحديد مسار الرياح على أسطح بيوتهم، وكانت مذاهبهم تتغيّر مع تغير اتجاه الرّيح، ولذلك سيكونون إلي الأبد في معارضة كل منهم للآخر. إنهم لا يمكن أن يجيئوا إلى فهم متبادل، والى الأبد متزعزعين، يحطّمون منازلهم غالبا ويقذفون الحجارة على حجر زاوية الكنيسة، الذي سيظل دوماً ثابتاً.

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

وكما أنه ليس هناك سوى الظلمة في بيوت هؤلاء البشر، فأن عديد منهم، بدلا من أن يخطون نحو الشّمعة الموضوعة على الشّمعدان في دار عروس المسيح، يجولون بأعين مغلقة حول حدائق الكنيسة، يستمدون الحياة فقط باستنشاق الرّوائح الحلوة التي تنتشر منها، مادين أياديهم نحو أصنام مُبهمة، ويتبعون نجوماً تائهة تقودهم إلى آبار لا ماء فيها. وحتى عندما يجدون أنفسهم على حافة شَفا كارثة‏، فأنهم يرفضون أن يستمعوا إلى صوت العريس الذى يدعوهم، بالرغم من الاحتضار من الجوع والسخرية والمهانة، فأنهم يسخرون من أولئك الخدام والرّسل الذين يُرسلون ليدعوهم لى وليمة العرس. إنهم يرفضون بعناد أن يدخلوا البستان، لأنهم يخافون أشواك السّياج، ومع إنهم ليس لديهم لا حنطة ليشبعوا بها جوعهم ولا نبيذ ليرووا به عطشهم، بل قد تسمّموا ببساطة بالكبرياء واحترام الذات، ولكونهم معميين بأضوائهم الكاذبة، يثابرون بالتصريح أن كنيسة الكلمة المتجسد غير مرئية. لقد رآهم يسوع جميعاً، بكى عليهم، وقد سرّ أن يعاني من أجل كل أولئك الذين لا يرونه والذين لن يحملوا صلبانهم بعده في مدينته المبنية على التل, كنيسته المؤسّسة على الصخر، التي أعطاها نفسه في العشاء الرباني المقدّس، والتى لن تقوى أبوّاب الجحيم عليها.
رؤية بارزة في هذه الرّؤى المحزنة التي نظرتها بروح يسوع، رأيت إبليس، قد جر وخنق عديد من البشر المفديين بدم المسيح والمقدّسين من قبل مسحة أسراره. نظر مُخلصنا الإلهى بألم وبكثير من المرارة جحود وفساد المسيحيين الأوائل ومن تلاهم على مر العصور وحتى نهاية العالم، وخلال كل هذا الوقت كان صوت المُجرب يتكرّر باستمرار: " هل أنت مُعتزم أن تعاني من أجل مثل هؤلاء الفاسقين الجاحدين؟ " بينما الظّهورات المتعدّدة تُنجح كل منها الأخرى بسّرعة حادة، وتثقل بقسوة وتسحق يسوع، الذي غُمرت بشريته المقدّسة بألم لا يوصف. يسوع مسيح الرب, ابن الإنسان جاهد وتلوّي بينما سقط على ركبتيه، بأيادي مشبوكة، كما لو أنه قد أبيد تحت ثقل آلامه. كان الصراع الذي حدث حينئذ بين إرادته البشرية وبين اشمئزازُه أن يعاني كثيرا من أجل مثل هذا الجنس الجاحد بغاية القسوة، حتى أنه تفجرت قطرات كبيرة من الدّم من كل مسام جسده المقدّس، التي سقطت تقطّر على الأرض. فى معاناته المريرة نظر حوله، كما لو أنه ينشد معونة، وبدا كأنه يأخذ السماء والأرض ونجوم السّماء ليشهدوا عن آلامه.
رفع يسوع صوته، بألم النفس، ونطق ببضع نداءات الألم. أستيقظ التلاميذ الثّلاثة، استمعوا، وكانوا متلهفين أن يقتربوا منه، لكن بطرس حجز يعقوب ويوحنا، قائلاً : " أبقوا هنا؛ سأصل أنا إليه " ثم رأيت بطرس يركض مسرعا ودخل المغارة وصاح " يا مُعلم، ماذا حدث لك؟ " لكنه برؤية يسوع وكيف أنه مستحمّ في دمه، ومنهاراً على الأرض تحت ثقل الخوف المهلك والألم، أنسحب، وتوقّف للحظة، مغلّوباً بالرّعب. لم يجبه يسوع، بدا وكأنه غير واع لوجوده. عاد بطرس لرفاقه، وأخبرهم أن الرب لم يجبه سوي بالآهات والتّنهدات. اصبحوا حزانى أكثر فأكثر بعد هذا، غطّوا رؤوسهم، وجلسوا ليبكوا ويصلوا.
حينئذ رجعت إلى عريسي السّماوي في معاناته الأكثر مرارّة. الرّؤى المخيفة للجحود المستقبلي للبشر المدينين للعدل الإلهي والتى كان يأخذها هو على نفسه، استمرت تزداد وضوحاً أكثر فأكثر. بضع مرات سمعته يصيح : " أبتاه، هل ممكن أن أعاني من أجل جنس بغاية الجحود؟ أبتاه، إن لم تعبر عنى هذه الكأس، بل يجب أن اشربها, فسأفعل! "
ضمن كل هذا الظّهورات، كان لإبليس مكانة بارزة، تحت أشكال متعدّدة، تُمثل أنواع مختلفة من الآثام. أحيانا ظهر تحت شكل صورة عملاق أسود، أحيانا تحت منظر نمر، ثعلب، ذئب، تنين، أو ثعبان، إنه لم يأخذ حقا أيا من هذه الأشكال، بل أحد خصائصها فحسب‏، ضمن أشكال قبيحة أخرى. لا شيء من هذه الظهورات المخيفة تشبه بالكامل أي مخلوق، بل كانت رموز لرجاسة، لنزاع، لتناقض، في كلمة واحدة كانت ترمز للخطيئة ، كانت شيطانية حتى نهاية المدى. هذه الأشكال الشّيطانية حثّت أن تجر وتمزّق أعداد غير محصاة من أولئك البشر أرباُ, أولئك البشر الذين كان افتدائهم يقتحمه بطّريقه المؤلم نحو الصّليب. في بادئ الأمر رأيت ثّعباناً؛ ظهر بتاج على رأسه. كان عملاق الحجم، ظاهرياً محتفظ بقوة غير محدودة، ويقود جحافل غير معدودة أمامه من أعداء يسوع من كل جنس وكل أمة. مسلّحاً بكل أنواع الأسلحة المخرّبة، إنهم أحيناً يمزّقون بعضهم البعض إلي قطع، وبعد ذلك يجدّدون هجماتهم على مُخلصنا باّهتياّج مضاعف. لقد كان حقا منظراً مرعباً؛ لأنهم كوّموا فوقه الإساءات الأكثر خوفا، اللعن، الضرب، الجرح، وتمزيقه إلي قطع. أسلحتهم كانت سيوف ورماح تطير حوله في الجو بشكل مستمر في كل الجهات، مثل دراسات الحبوب في مخزن حبوب هائل؛ وتهيّج كل هؤلاء الشّياطين بدا موجه على نحو خاص ضد يسوع, حبة الحنطة السماوية التى نزلت إلى الأرض لتموت هناك، من أجل أن تغذّي البشر إلى الأبد بخبز الحياة.
هكذا تعرّض إلى غضب هذه الفرق الجهنمية, البعض منها بدت لي تتشّكل على هيئة أناس عميان، يسوع بهذا القدر كان مجروحاً كما لو أن ضرباتهم كانت حقيقية. رأيته يتمايل من جانب لآخر، أحيانا يرفع نفسه لأعلى وأحيانا يسقط ثانية، بينما يضرب الثّعبان الأرض بذيله في وسط الحشود التي كان يقودها للأمام بشكل متواصل ضد يسوع، ومَزّقَ إِلى قِطَعِ أو ابتلعَ كل من قد ضَربَوا على الأرض, لقد جُعل معروفاً لي بأن هذه الظّهورات كانت عن كل أولئك الأشخاص الذين يهينون ويغضبون الرب يسوع بطرق مختلفة، ثم يتقدّمون للأسرار المقدّسة. ميزت بينهم كل أولئك الذين يتقدمون للأسرار المقدسة بطريقة بذيئة. نظرت برّعب إلى كل إساءة قُدمت للرب، سواء بالإهمال أو بالاستهانة وبإغفال ما جاء عنه؛ باحتقار علني، بظلم وتدنيس المقدسات؛ بعبادة الأصنام الدّنيوية؛ بالظّلمة الرّوحية والمعرفة الكاذبة؛ وأخيرا بالخطأ والشكوك، بالتعصّب والكراهية والاضطهاد العلني. بين هؤلاء البشر رأيت العديد من الصمّ والمشلولين والعميان والخرس والأطفال؛ إنهم البشر العميان الذين لن يروا الحقيقة؛ إنهم البشر المشلولون الذين لن يتقدّموا فى حياتهم طبقا لاتجاهاته نحو الطّريق الذى يقود إلى الحياة الأبدية؛ إنهم البشر الصمّ الذين يرفضون أن يستمعوا لإنذاراته وتحذيراته؛ إنهم البشر الخرس الذين لن يستعملوا أصواتهم للدفاع عنه؛ وأخيرا الأطفال الذين ضُلّلوا بإتباع الوالدين والمعلمين الممتلئين من محبّة العالم ونسوا الرب، الذين تغذّوا على غنى العّالم، السكارى بحكمة كاذبة وبغض كل ما يتعلق بالدّين. والمنظر الذي أحزنني خاصة هم أولئك الأطفال، لأن يسوع يُحبّ الأطفال جدا، لقد رأيت كثيراً من مساعِدي الكهنة‏ عديمي الاحترام الذين يتصرّفون على نحو سيئ، الذين لا يكرمون الرب في الطقوس المقدّسة التي يشاركون فيها. نظرت برّعب أن عديداً من القساوسة، بعض الذين يتخيلون أنفسهم ممتلئين بالإيمان والتّقوى، يغضبون الرب يسوع أيضا في الأسرار المقدسة. رأيت عديداً من الذين أمنوا وعلّموا بعقيدة الوجود الحقيقي، لكنهم لم يأخذوها بكفاية إلى القلب، لأنهم نسوا وأهملوا قصر وعرش وكرسي الرب الحيّ؛ بعبارة أخرى : الكنيسة والمذبح والخيمة والكأس ووعاء القربان المقدس، الأواني والحلي؛ بكلمة واحدة، كل ما يستعمل في عبادته أو ما يزيّن داره.

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

كل إهمال يسود في أي مكان، كل الأشياء التى تركت لتبلى في التراب والأقذار، وعبادة الرب، إن لم تكن تُدنّس سرّا‏، كانت على الأقل تُهان ظاهريّا‏. وهذا لم يكن نتيجة افتقار حقيقي، بل نتيجة اللامبالاة والتكاسل، نتيجة الاستغراق‏ العقلي فى شّؤون العالم العقيمة، وغالبا أيضا نتيجة الغرور والموت الروحي؛ لأنى رأيت إهمالاً من هذا النّوع في الكنائس ذات القساوسة والشعب الغني، أو من الأثرياء على نَحْو مقبول‏. لقد رأيت عديداً من الدنيويين, عديمي الطعم, بحلي غير مناسبة قد بدلوا زّينة التقوى بزينة العالم .
لقد رأيت أنّه كلما كان الإنسان فقيراً كلما كان مقامهم في أكواخهم أفضل أمام سيد السماء والأرض في كنائسه. إن لم يقم البشر بحُسن الضيافة‏ فأن ذلك يُحزن يسوع بعمق، وهو الذي أعطى نفسه إليهم ليكون غذاءهم! حقا، ليس هناك احتياج أن يكون الإنسان غني من أجل أن يلتقي بمن يكافئ بمائة ضعف نظير قدح من الماء البارد تعطيه للعطشان؛ لكن كم يكون تصرفنا مخزياً عندما لا نسقى الرب الإله، العطشان لنفوسنا، عندما نعطيه ماء فاسداً في قدح قذر! عاقبة كل هذا الإهمال، رأيت ضّعفاً مروّعاً، رأيت الأسرار المقدسة مدنّسة، الكنائس مهجورة، والقساوسة مُستخف بهم. أن هذه الحالة من التلوّث والإهمال تمتد حتى إلى النفوس المخلصة، التي تركت مساكن قلوبهم غير مستعدة وغير نظيفة عندما كان يسوع على وشك أن يدخلها، بالضبط نفس ما حدث عندما تركوا خيمته على المذبح.
إن كان علَّى أن أتكلم لعام كامل، لما تمكّنت من أن أسرد كل الإهانات التى تُقدم إلى يسوع في الأسرار المقدسة, تلك الإهانات التى جُعلت معروفة لي بهذه الطريقة. لقد رأيت مُبدعي تلك الإهانات يهاجمون يسوع في فرّق, ويضربونه بأسلحة مختلفة، أسلحة تُطابق إهاناتهم المتعدّدة. لقد رأيت مسيحيين عديمي الاحترام من كل الأعمار، قساوسة مهملين أو مدنسين، حشود من الفاترين والغير مستحقين، جنود أشرار يدنّسون الأوعية المقدّسة، وخدام الشّيطان يستعملون القربان المقدس في الأسرار المُخيفة للعبادة الشيطانية. من بين هذا الجماعات رأيت عدداً عظيماً من علماء الدين، الذين انجذبوا في البدع من قبل آثامهم، يهاجمون يسوع في أسرار كنيسته المقدسة، وينتزعون من قلبه، بكلماتهم المغرية ووعودهم، عديد من النفوس الذين أراق دمه من أجلهم. آه! لقد كان حقا منظر مرعباً، لأننى رأيت الكنيسة كجسد السيد المسيح؛ وكل هذه الجماعات من البشر، الذين فصلوا أنفسهم عن الكنيسة، مشوَّهين وممزّقين قطعاً كاملة من لحمه الحيّ. واحسرتاه! لقد نظر إليهم بأسلوب فى غاية التأثر وناح عليهم لأنهم هكذا لابد أن يتسبّبوا فى خسارتهم الأبدية. لقد أعطى ذاته الإلهية إلينا لإطعامنا في العشاء الرباني المقدّس، من أجل أن نتحد في جسد واحد الذى هو جسد الكنيسة، عروسه, أن البشر الذين كان لهم امتداد لانهائي انقسموا وانفصل كل منهم عن الآخر؛ والآن نظر إلى نفسه مُمزقاً ومنشطراً لأثنين في ذات جسده؛ لأن عمل محبته الرّئيسي، العشاء الرباني، الذي كان على البشر أن يصيروا فيه بالكلية واحداً، قد صار، من قبل حقد المعلمين الكذبة، موضوع للانفصال. لقد نظرت أمماً كاملة تُنتزع من حضنه، وتُحرم من أي مشاركة في كنز النّعم المتروك للكنيسة. أخيرا، رأيت كل من انفصلوا عن الكنيسة مغمورين في أعماق الخيانة, الخرافة, البدع والفلسفة الدنيوية الباطلة؛ وقد أعطوا مُتنفساً لتهيّجهم العنيف بالارتباط معاً في الأجسام الكبيرة ليهاجموا الكنيسة، لكونهم منُقادين من قبل الثّعبان الذي كان يسلّي نفسه في وسطهم. وا أسفاه! لقد كان كما لو أن يسوع نفسه قد تمزّق إلي ألف قطعة!
عظيماً جدا كان رعبي ورهبتي، أن عريسي السّماوي ظهر لي، وعلى نَحْو رحيم‏ وضع يدّه على قلبي، قائلاً : " لا أحد قد رأى حتى الآن كل هذه الأمور، وكان قلبي ليطفح بالحزن إن لم أعطك هذه القدرة. "
لقد رأيت الدّم يتدفّق في قطرات كبيرة لأسفل من الوجه الشّاحب لمُخلّصنا، شعره كان مُتَلَبِّد‏اً ولحيته ملطخة بالدم ومُتشابكة. بعد الرّؤيا التي وصفتها توا، هرب، إن جاز التعبير، خارج المغارة وعاد إلى تلاميذه. لكنه كان يترنّح بينما يمشى؛ ظهوره كان ظهور إنسان مُغّطى بالجراح ومنحني تحت عبء ثقيل، ولقد تعثّر في كل خطوه.
عندما صعد إلى التلاميذ الثّلاثة، لم يكونوا مضطجعين نائمين كما سبق أول مرة، لكن رؤوسهم كانت مغطاة، وقد غرقوا لأسفل على ركبهم، في وَضْع جسْمانِي‏ يُفترض غالبا من قبل أناس تلك البلد عندما يكونوا حزانى أو عندما يرغبون فى الصلاة. لقد ناموا، مقهورين بالأسى والإعياء. يسوع الذى كان مرتعداً ويتأوَّه‏، دنا منهم، وهم استيقظوا.
لكن عندما رأوه واقفاً أمامهم فى ضوء القمر، وجهه شاحباً وملطخاً بالدماء، وشعره غير مرتب، لم تميزه أعينهم المرهقة في بادئ الأمر، لأنه كان قد تغيّر بما يفوق الوَصْف‏. شبك يديه معا، فنهضوا وسندوه بأياديهم بمودّة وأخبرهم بلّهجة حزينة إنه ينبغى أن يُساق للموت فى اليوم التالي وإنه خلال ساعة سيُقبض عليه ويُقاد أمام محكمة، ستُساء مُعاملته ويُهان ويُجلد وأخيرا يُساق إلى الموت الأكثر قسوة. ناشدهم أن يواسوا أمه، وأيضا المجدلية. إنهم لم يجيبوا، لأنهم لم يعرفوا ماذا عليهم أن يقولوا، لقد أزعجهم إلى حد بعيد ظهوره هكذا ولغته أيضاً، وظنوا أن عقله لابد أن يكون قد شت. عندما أراد أن يعود إلى المغارة، لم يكن لديه القوة على المشي. رأيت يوحنا ويعقوب يسندانه من الخلف ورجعا عندما دخل المغارة. لقد كانت حينئذ حوالي الساعة الحادية عشر والربع.
[
CENTER]تأمل الرب يسوع[/CENTER]
نعم, لقد رَجعتُ مرة أخرى لأَيقظَ تلاميذي، لكن إشعاعات العدل الإلهي كانت قَدْ تَركتني في أخدودِ دائمِ.... لقد أصبحوا مَمْلُوءينَ بالخوفِ عندما رَأوني كإنسان مُضطرب، ومن تألم بالأكثر كَانَ يوحنا. لقد صمتّ ... هم ذهلوا.... بطرس فقط من كَانَ عِنْدَهُ الشّجاعةُ أن يَتكلّمَ. مسكين أنت يا بطرس، إن كنت قَدْ عرفت فقط أن جزءِاً من قلقي كنت أنت السبب فيه .
لقَدْ أَخذتُ أصدقائي الثّلاثة كي أستطيع أَنْ أستَريحَ فيهم وفي محبّتهم، كي يُساعدوني بمُشَارَكتهم لآلامي، ويَصلوا معي .... كيف أَصفُ ما شْعرتُ به عندما رأيتهم نياماً؟
كم يتألم قلبي حتى اليوم، مُحتاجاً أن أجدَ الراحة في أحبائي، إنى اَذْهبُ إليهم فأَجدهم نياما. أكثر من مرة، عندما أريد أَنْ أيقظهم وأن أُخرجهم من ذواتهم، أن أخرجهم بعيداً عن مشاغلهم. يُجيبونني، إن لم يكن بالكَلِماتِ، يكون بالتصرفات : " لَيسَ الآن، أنى مُتعبُ جداً؛ عندي الكثير كى أعْمَلُه؛ أن هذا ضار لصحتي؛ أنى بَحاجةُ لقليل من الوقتَ؛ أنى أُريدُ بعض السّلامِ. "
فأَصرُّ وبلطف أُخبرُ تلك النفسِ: لا تَخَافُى.إن تْركُت راحتك من أجلى، فأنا سَأُكافئكَ. تعالى وصلّى معي، فقط ساعة واحدة! انظري، هذه هى اللّحظةُ التى أَحتاجكَ فيها! فأجدها تجيبني" هلا توَقفُت، هَلْ أنتَ مُطالب بجدول أعمالَ الآن ؟ " كم كثير من المراتِ اَسْمعُ ذلك الجوابِ نفسهِ!
يا لك من نفس مسكينة، أما كُنْتَ قادرةَ أَنْ تظلي معى لساعةَ واحدة؟ قريباً أنا سآجيء وأنتَ لَنْ تَسْمعيني لأنك ستكونى نائمُة. أنا سَأُريدُ أَنْ أَعطيكَ النّعمة لكن لكونك نائمةُ، فأنتَ لَنْ تَكُونَى قادرة أَنْ تناليها. ومن سيكون مَتأكّداً أنّه سَيكونُ عِنْدَه القوةُ أن يَستيقظَ؟... من المُمكن أن تكونوا مَحْرُومِين من الطّعامِ، حينئذ سَتَكُونُ نفوسكم ضعيفَة ولَنْ تَكُونواَ قادرين أَنْ تَخْرجَوا من ذلك الفتور. كثير من النفوس فاجئها الموتِ في منتصفِ نومهاِ العميقِ، تُرى متى وكيف أفاقت ؟
أحبائي، أُريدُ أَنْ أُعلّمكَم أيضا كم أنه بلا فائدة وبلا جدوى أَنْ تَبْحثَوا عن الراحةِ في المخلوقاتِ. أنهم غالباً ما يكونوا نائمين وبدلاً من أن أجد الراحةِ التى أنشدها فيهم، أُتْركُ بمرارةِ لأنهم لم يتجاوبوا لا إِلى مشيئتنا ولا إِلى محبّتنا.
عندما صَلّيتُ إِلى أبي وسألتهْ المعونة، كانت نفسى المخذولة والحزينة تَُعاني آلام الموتِ. لقد أحسست بالقُهر مع ثقّل أسوأ جحودِ .
الدّم الذي سكبته من كل مسامِ جسدي والدم الذى تدفّقُ بعد وقتِ قصيرِ من كل جراحي، سَيَكُونُ بلا فائدة لعددِ عظيمِ من النفوس التي سُتَفْقدُ. سَيَكُونُ بلا فائدة لكثيرين ممن يُهينوني ولكثيرين ممن لَمْ يَعْرفوني! بعد قليل سأَسْكبُ دمي من أجل الجميع وميراثي سيكون َمُتاحاً لكل واحد منهم. دماُ إلهياً! استحقاقات لانهائية! ومع ذلك، سيكون ذلك بلا فائدة لكثير جداً من النفوس .
لكن فوق كل ذلك لقد كنت ذاهِباًٌ بالفعل لأواجه أشياءِ أخرىِ، إرادتي قَدْ مالت إِلى إنجازها. أيها البشر، إن كنت تألمت، فذلك بالتأكيد لن يَكُونُ بلا ثمر وليس بلا سببُ. إن الثّمار التي حَصلتُ عليها كَانتْ المجدَ والحبَّ. إن الأمر الآن يعود إليكم، بمعونتي، تستطيعون أَنْ تَبرهنوا لي أنكم تُقدّرُون عملي.

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

أنا لَنْ أكل! تعالوا إليّ! تعالوا إِلى من يستجيب حباً لكم والوحيد الذى يَعْرفُ كيف يَعطيكَم الحبّ الحقيقي الذي يسود في السّماءِ وحَوّلكَم الآن على الأرضِ.
النفوس التى تتذّوقِ عطشي، التى تشرب من كأسي المرّ والمجيدِ، أقول لها, إن الأبَ يُريدُ أَنْ يدخر بعض من قطراتِ هذا الكأسِ لها. فَكّرواْ بتلك القطراتِ القليلة هذه التى أَُخذتْ منّي وبعد ذلك، إن صدقتم، أُخبروني أنكم لستم تُريدوها. أنا لَم أضع حدّودُاً ولا يَجِبُ أَنْ تضعوا أنتم حدوداًِ. لقَدْ سُحقت بلا رحمة من أجل الحبِّ، يَنبغى أَنْ تَسْمحوا لي أَنْ أُسحق تقديركم لذواتكم. إنى من يعملُ فيكم، كما أن أبي هو من عَملَ فيّ عندما كنت في البستان .
أنى أنا من يَعطيكَم الآلام لكي تَكُونوا فى ذات يومَ سعداء. كُونُوا طيعين؛ كُونُوا طيعين بإقتدائكم بى لأن هذا يعينكم كثيراً ويَسرّني بقدر عظيمَ. لا تَفْقدُوا أي شئ، بل بالأحرىَ اكتسبَوا المحبّة. كيف يُمكنُ أَنْ اَسْمحَ لأحبائي أَنْ يَعانوا من خسائر حقيقية بينما هم يُحاولون أَنْ يظهروا لى الحبّ؟
إنى أَنتظركمَ. إنى أَنتظرُ دائما ولَنْ أُتعبَ. تعالوا إليّ؛ تعالوا إلى كما أنتم، إن ذلك غير مَهْمُّ طالما أنكم ستأتونُ. سَتَرون عندما تأتون أنّي سَأُزيّنُ جباهكمَ بالجواهرِ، سأزينها بقطراتِ الدمِ التي سَكبتُها في جَثْسَيْمَانِي , إن تلك القطراتِ تخصكم، إن أردتموها. تعالوا إلىّ آيتها النفوس، تعالوا إِلى يسوع الذي يناديكم .
لقد قُلتُ: أبتاه؛ ولم أقُل: إلهى. هذا ما أُريدُ أَنْ أُعلّمه لكمَ: عندما تزداد آلامكم، يَجِبُ أَنْ تَقُولواَ " أبتاه " واَسْألوه التّعزيةِ. أروه آلامكَم، خوفكم، وبأنين ذكّروه بأنكم أبناؤه. أخبروه أن نفوسكم لم تعد تحتمل! اسألوهْ بثقةِ البنين وانتظروه، لأن أبيكم سَيُساعدكَم؛ سَيَعطيكَم القوة الكافية كى تتغلبوا على أتعابكم, لأنه يعطي دوماً النفوس التي تثق فيه.
هذه هى الكأسُ التي قَبلتهاُ وشربتها حتى قطرتها الأخيرةِ. كل ما أريد أن أُعلّمه لكَم يا أبنائي الأعزاء، ألا تعودوا تؤمنوا أبداً مرة أخرى أنّ الألمِ بلا قيمة. إن لم تَروا نَتائِج مُتحققة دائما، أخضعوا لقضائكم واَسْمحُوا للإرادة الإلهية أنْ تتحقق فيكم .
لقد كنت عالماً أنه سيُقبض علىّ في البستان، مع ذلك أني لم أتَراجع. بل بالعكس, بَقيتُ هناك. لم أشأ أَنْ اَهْربَ من أعدائي. . . . الّليلة، اَسْمحُوا لدمي يا أبنائي أَنْ يَروى جذوركم الصغيرةِ ويَقوّيها.
خلال معاناة يسوع هذه، رأيت أيضا العذراء المباركة في دار مريم أمّ مرقص مغمورة بالحزن وبألم الرّوح، لقد كانت مع المجدلية ومريم أم مرقص في بستان يتبع الدّار، وساجدة من الأسى، لقد كانت ساجدة تقريبا بكل جسدها. لقد غابت عن الوعي بضع مرات، لأنها نظرت بالروح مراحل معاناة يسوع المختلفة. لقد أرسلت بعض الرّسل لتستعلم عنه، لكن قلقها العميق لم يدعها تنتظر عودتهم، فذهبت مع المجدلية وسالومة إلى وادي يهوشافاط. لقد سارت ورأسها مستتر، وذراعاها تمتدان بشكل متكرر للأمام نحو جبل الزيتون؛ لأنها كنت تبصر يسوع بالروح مستحماً في عرق دموي، وإشاراتها كانت كما لو أنها ترغب أن تمسح بيديها الممتدّة وجه ابنها. لقد رأيت تعبيراتها الدّاخلية تجاه يسوع، الذي كان يُفكّر فيها، وأدار عينيه تجاهها، كما لو أنه يطلب معونتها. لقد أبصرت الاتصال الرّوحي الذى بين كل منهما، تحت شكل أشعة تعبر ذهابا وإيابا بينهما. فكر إلهنا القدوس أيضا فى المجدلية، لقد تأثر بكآبتها، وأوصّى تلاميذه أن يواسوها؛ لأنه عرف أنّ حبّها لشخصه الحبيب أعظم من مشاعر أي أحد تجاهه ماخلا أمه المباركة، وقد علم أنّها تعاني كثيراً من أجله، وأنها لن تعد تهينه فيما بعد
في هذا الوقت، كان التلاميذ الثّمانية قد عادوا إلى جَثْسَيْمَانِي ، وبعد أن تحدّثوا سوياً بعض الوقت، استقر رأيهم على الذهاب للنوم. لقد كانوا حيارى، مُحبّطين، ومُجربين جدا. لقد كان كل شخص منهم يبحث عن مكان يختبئ فيه في حالة الخطر، وتساءلوا بقلق : " ماذا سنفعل عندما يسوقونه إلى الموت؟ ها نحن قد تركنا كل شئ لنتبعه؛ إننا فقراء وليس بمقدورنا تطهير العالم؛ لقد أخضعنا أنفسنا بالكامل لخدمته، وها هو الآن حزيناً جدا ونفسه حزينة جدا، حتى إنه لا يستطيع أن يقدم لنا التعزية. "
تجوّل باقي التلاميذ في بادئ الأمر حول جهات متعدّدة، لكن الآن، بعد أن سمعوا شيئاً مما يختص بالنبوءات المُخيفة التي أنبأ بها يسوع، تراجعوا جميعاً إلى بيت فاجى .
إنى أري يسوع ما زال يصلّي في المغارة، يجاهد ضد كراهية الألم التي تخص الطبيعة البشرية، وترك نفسه بالكلية إلى إرادة أبيه الأزلى. هنا فُتحت الهاوية أمامه، ورأى الجزء الأول لعالم النسيان. رأى آدم وحواء، البطاركة، الأنبياء، والبشر الأتقياء، أبوي أمه، يوحنا المعمدان، رآهم جميعاً ينتظرون بلهفة عظيمة وصوله للعالم السفلي، لدرجة أن المنظر قواه وشجع قلبه المُحبّ. إن موته سيفتح السماء لهؤلاء الأسرى، أن موته سيخرجهم من ذلك السّجن الموضعين فيه! عندما نظر يسوع بعاطفة عميقة، قديسي العصر القديم، قدّمت إليه الملائكة كل جموع قديسي أجيال المستقبل، الذين ضموا أعمالهم إلى استحقاقات آلامه، لقد كانوا يتحدوا بأبيه السّماوي من خلاله، لقد كانت هذه الرؤيا بغاية الجمال والمواساة، لقد نظر فيها الخلاص والتقديس يتدفّقان بلا توقف من ينبوع الفداء الذى فُتح بموته.
لقد ظهر أمامه الرسل، التلاميذ، العذارى، والنسوة القديّسات، الشّهداء، المعترفون، النساك، الباباوات والأساقفة وجموع كبيرة من المتدينين من كلا الجنسين, بكلمة واحدة، ظهر أمامه كل جيش المُباركين. كان الجميع يحملون على رؤوسهم أكاليل الغلبة، وكانت زهور أكاليلهم تختلف في الشّكل واللّون والرّائحة والكمال، طبقا لاختلاف الآلام والأعمال والانتصارات التى منحتهم مجداً أبدياً. التى منحتهم حياتهم بالكامل، وكل أعمالهم واستحقاقاتهم وقوتهم وكل مجد غلبتهم، جاء فقط من خلال اتحادهم باستحقاقات يسوع المسيح .
التّأثير المتبادل الذى أظهَر‏ من قبل هؤلاء القديسين كل منهم على الآخر، والأسلوب الذي شربوا به جميعا من نبع واحد, السر المقدس المحبوب وآلام الرب شكّل مشهداً فى غاية التأثير والروعة. لاشيء يخصهم كان مجرد من المعنى العميق، أعمالهم، استشهادهم، انتصاراتهم، مظهرهم ولباسهم، كل شئ، مع إنّه متنوع بما يفوق الوَصْف‏، إلا أنه مُنظم في انسجام لانهائي ووحدة؛ وهذه الوحدة مع التّنوع قد نتجت بأشعة شّمس واحدة، بآلام الرب، الكلمة الذى صار جسداً، الذي فيه كانت الحياة، نور البشر، الذي أشرق في الظّلمة، والظّلمة لم تفهمه.
جاز جيش قديسي المستقبل أمام الرب، الذي وضع هكذا بين بطاركة راّغبين، وفرقة المستقبل المنتصرة المُباركة، وهذان الجيشان انضما معاً، وأكمل كل منهما الآخر، إن جاز التعبير، طوقوا قلب مُخلّصنا الحبّيب بإكليل الغلبة. منح هذا المنظر كثير من المواساة ودرجة من القوة والرّاحة ليسوع. آه! إنه أحبّ أخوته وخليقته حتى إنه إن كان سيتمّم الفداء عن نفس واحدة، لكان سيقبل بفرح كل الآلام التي كان يكرّس لها نفسه الآن. بينما كانت هذه الرؤى تشير إلي المستقبل، انتشرت لعلو محدد في الهواء.
لكن رّؤى المواساة هذه تلاشت، وعرضت الملائكة أمامه مشاهد آلامه قرب الأرض، لأنها كانت قريبة في متناول اليد. لقد أبصر كل مشهد رُسم بشكل متميّز، من قبلة يهوذا حتى كلماته الأخيرة على الصليب، وقد رأي في هذه الرّؤيا الواحدة كل رؤى الألم التى أراها في تأملاتي. لقد رأى خيانة يهوذا، هروب التلاميذ، الإهانات التي قدمت للرب أمام حنان وقيافا، إنكار بطرس، محكمة بيلاطس، مهزلة هيرودس، الجلد والتتويج بالأشواك، الحكم بالموت، حمل الصليب، منديل فيرونيكا، الصّلب، إهانات الفريسيون، حزن مريم والمجدلية ويوحنا، جرح الرّمح في جنبه، ما بعد الموت؛ في كلمة واحدة، كل جزء من الألم رآه بالتّفصيل. لقد قبل كل شئ طوعا، خاضعاً لكل شيء من أجل محبّته للإنسان. لقد رأى أيضا وشعر بالآلام التى تتحمّلها أمه في تلك اللّحظة، التي كان اتحادها الداخلي بمعاناته كامل للغاية حتى إنها غابت عن الوعي في أذرع رفيقاتها.

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

مناجاة الأب
أنى أَرى أبنَي، مُرتعداً في ظّلال جَثْسَيْمَانِي ، نازلاً مِنْ السماءِ وآخذاً هيئة وجوهر خليقتِي، خليقتِي التي تعتقد وما زاِلت تَعتقدُ أنّها تستطيع أَنْ تتمرد ضدّ خالقِها. إنّ الرجلَ، ذلك الرجلِ الوحيدِ والمضطّربِ، هو الذبيحة المعيّنةُ، وعلى عاتقه، بذات دمِّه، عليه أن يَطهر كُلّ الإنسانيةِ التي يُمثّلها. أنه مَرتعدُ وخائفاً بشعوره بنفسه مُغَطاة بالآثم، حتى أنه يَرى نفسه محكوم عليه، بكتلةِ لا تصدّقِ مِنْ الخطايا التي كَانَ لِزاماً عليه أَنْ يأخذها من الضمائرِ المُظَلَّمةِ لملايينِ وملايينِ من المخلوقاتِ الغير طاهرة.
أيا أبني المسكين، لقد أَوصلك الحبّ إلى هذا وها أنت الآن مُخوف به. من يَجِبُ أَنْ يُمجّدَك في السماء عندما تَرْجعُ إليه مُتألقاً؟ أيُمْكِنُ أَنْ يَعطيك أيّ مخلوق المجد الذى تستحقه، أيستطيع أيّ مخلوق أَنْ يَعطيك الَحبُّ الذى تستحقه؟ وما هو تمجيد وحبُّ البشر، حبُّ ملايينِ البشر، بالمقارنة بالحبِّ الذى قَبلتَ به أكثر وأكبر الاختبارات التي مُمْكِنُ أَنْ توجدَ على الأرضِ؟ كلا يا أبني الحبيب، لا يوجد أحد سوي أبّيكَ الذى يستطيع أَنْ يَساويك فى الحب، لا أحد سوي أنا، الذي بروحِي, روح الحبِّ، مُمْكِنُ أَنْ أمجدك وأحبَّك لتضحيتِكَ فى تلك الليلِة.
لقد وَصلتَ يا أبني الحبيب الذي أُريحُ فيه كُلّ إحساني إلى سكرة الموتِ بالاستمرار فى المعاناةِ التى بغاية المرارةِ في البستان. لقَدْ بلغت بحدود منزلتك الإنسانية إلى كل وأصدق ألم يستطيع القلبِ الإنسانيِ أن يناله: أن تتألم من أجل الإهانات التى تُرتكب ضدي، بل أن تتألم من أجلهم بأنقى وأقوي حبِّ فيك. لقد وَصلتَ للحدَّ الذى تستطيع من خلاله أَنْ تنال الإنسانيةِ فداءاً كاملاً. لقد انتزعت يا أبني الحبيب بعرق دموي، لَيسَ فقط نفوس أخوتِكِ، بل أنتزعت ما هو أعظم، لقد انتزع منك أيها الإنسان مجدك الشخصي, مجدك الذي يَجِبُ أَنْ يسمو بك، متساوياً مَعي، لتكون إله مثله.
لقَدْ جذبت منى العدل الأكثر كمالاً، والحبّ الأكثر كمالاً. في الوَقت الذى كانوا يشكّلون فيه نفاية العالمِ، وأنت أصبحتَ كذلك من خلال قبولِكَ الاختياري والحرِّ. أنك الآن، بين الكلّ، إكرامي ومجدي وبهجتي. أنت لم تكن مُذنباً أمامي، لَيسَ أنت. أنك دائماً أبني الحبيبَ، الذي وَضعتُ فيه مسرتى. أنت لم تكن النفاية لأني رغم كل ذلك رَأيتُك كما كُنْتَ دائماً: نوري، كلمتي، ذلك هو أنا بذاتي. أبني، يا من ارتعدت واستسلمت من أجل كرامتي، لتستحق أنّ يُعلنُك أبّيكَ للعالمِ، إلى ذلك العالمِ الأعمى، الذي يَجْرحُنا على الرغم من حبنا العظيم له!
آه يا أبني الحبيب، أنى أَراك وسَأَراك دائماً في ليلِة مرارتِكَ تلك، وأنت دائماً في فكريِ! بسبب حبِّكَ أَنا تصَالَحت إلى الخليقة ومع الخليقة. أنك لم تَستطيعُ أَنْ تَرْفعَ وجهَكَ نحوي؛ لقد كان مغطى بالكامل بذنوبهم. الآن، لأجل مسرتك، أَجْعلُهم يَرْفعونَ وجوهَهم إلينا لكي مِن قِبل لَمْحَة من ضيائكِ، يظلون أسرى حبِّنا.
الآن يا أبني الحبيب دائماً، سأفعْلُ ما أخبرتُك به آنذاك في ظِلال جَثْسَيْمَانِي ، وهي سَتكُون أشياءَ عظيمةَ لمَنْحك المسرة والإكرام .
الآن يا أبني الحبيب دوما، سأفعَْلُ ما أخبرتُك به آنذاك في ظِلالِ جَثْسَيْمَانِي، وهي سَتَكُون أمور عظيمةَ لإعطائك المسرة والإكرام .
عندما انتهت رؤى الألم، شعرت بوجه يسوع كوجه إنسان على حافة الموت؛ اختفت الملائكة، وأصبح العرق الدّموي أكثر غزارة، حتى إنى رأيته قد نقع على ردائه. سادت الظلمة كُل المغارة، عندئذ نظرت ملاكاً ينزل إلى يسوع. هذا الملاك كان من قامة أعلى من أي ملاك رأيته من قبل، وشكله كان أيضاً أكثر وضوحاً وأكثر شبهاً بالإنسان. لقد كان مكتسياً ككاهن في كساء طويل، ويحمل أمامه، في يديه، أناء صغيراً، في الشّكل تشبه الكأس المستعملة في العشاء الأخير. على قمة هذا الكأس، كان هناك جسم بيضاوي صغير، وكان ينتشر منه ضوء محمّر. مد الملاك يدّه اليمنى للأمام إلى يسوع دون أن يمسّ الأرض بقدميه، نهض يسوع عندما وضع الملاك الطّعام الغامض في فمه وأعطاه ليشرب من الكأس المضيء. ثم اختفى.
بعد ما قبل يسوع كأس آلامه بحريته، ونال قوة جديدة، ظل في الكهف لبضع دقائق، مستغرقاً‏ في تّأمل هادئ، ومُعيد الشكر لأبيه السّماوي. كان ما زال في حزن روح عميق، لكنه هادئ على نحو خارق لدرجة أنه كان قادراً على الذهاب إلى تلاميذه دون أن يترنّح بينما يسير، أو ينحني تحت ثقل آلامه. طلعته كانت ما زالت شاحبة ومتبدلة، لكن خطاه كانت قويّة وراسخة. لقد مسح وجهه ورتّب شعره الذي انسدل على كتفيه المُبللتين بالدّم.
عندما جاء يسوع إلى تلاميذه، كانوا مُستندين على سور، نائمين، ورؤوسهم مُغطاة. قال لهم إلهنا أنه ليس هناك وقت للنّوم، بل يجب أن ينهضوا ويصلّوا : " انظروا ها قد قربت السّاعة، وابن الإنسان سيسلم في أيادي الخطاة قوموا، فلنذهب، انظروا ها هو قد أقترب الذى سيسلمني. لقد كان الأفضل لذلك الإنسان أن لم يكن ولد. "
نهض التلاميذ مذعورين، ونظروا حولهم بقلق. عندما استعادوا أنفسهم إلى حد ما‏، قال بطرس بانفعال : " إلهى، سأدعو الآخرين، حتى نحميك " لكن يسوع أشار إلى الوادي، على الجانب الآخر من البستان، إلى فرقة من الرّجال المسلّحين، الذين كانوا يتقدّمون بالمشاعل، وقال إنّ واحداً منهم قد خانه. لقد تكلّم بهدوء، حثّهم أن يواسوا أمه، وقال: " فلنذهب لنلاقيهم, أنى سأسلّم نفسي بلا مقاومة في أيادي أعدائي. " حينئذ ترك بستان الزّيتون مع التلاميذ الثّلاثة، وذهب ليقابل الجنود على الطّريق الذي يقود من بستان الزيتون إلى جَثْسَيْمَانِي .
عندما استعادت العذراء المباركة إحساسها، تحت عناية المجدلية وسالومة، قادها أحد التلاميذ، عندما رأي الجنود يقتربون، للرجوع إلى دار مريم أمّ مرقص. سلك الجنود طريق أقصر من الطريق الذي سلكه يسوع عندما ترك علية صهيون .
المغارة التى صلى فيها يسوع فى هذا اليوم لم تكن المغارة التى كان معتاد أن يصلّى فيها على جبل الزيتون. إنه عادة ما يذهب لموضع أبعد، حيث صلى يوما ما بحزن روح عظيم بذراعين ممدودتين ومتكئاً على صخرة بعد ما لعن شّجرة التين الغير مثمرة.

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

وكما أنه ليس هناك سوى الظلمة في بيوت هؤلاء البشر، فأن عديد منهم، بدلا من أن يخطون نحو الشّمعة الموضوعة على الشّمعدان في دار عروس المسيح، يجولون بأعين مغلقة حول حدائق الكنيسة، يستمدون الحياة فقط باستنشاق الرّوائح الحلوة التي تنتشر منها، مادين أياديهم نحو أصنام مُبهمة، ويتبعون نجوماً تائهة تقودهم إلى آبار لا ماء فيها. وحتى عندما يجدون أنفسهم على حافة شَفا كارثة‏، فأنهم يرفضون أن يستمعوا إلى صوت العريس الذى يدعوهم، بالرغم من الاحتضار من الجوع والسخرية والمهانة، فأنهم يسخرون من أولئك الخدام والرّسل الذين يُرسلون ليدعوهم لى وليمة العرس. إنهم يرفضون بعناد أن يدخلوا البستان، لأنهم يخافون أشواك السّياج، ومع إنهم ليس لديهم لا حنطة ليشبعوا بها جوعهم ولا نبيذ ليرووا به عطشهم، بل قد تسمّموا ببساطة بالكبرياء واحترام الذات، ولكونهم معميين بأضوائهم الكاذبة، يثابرون بالتصريح أن كنيسة الكلمة المتجسد غير مرئية. لقد رآهم يسوع جميعاً، بكى عليهم، وقد سرّ أن يعاني من أجل كل أولئك الذين لا يرونه والذين لن يحملوا صلبانهم بعده في مدينته المبنية على التل, كنيسته المؤسّسة على الصخر، التي أعطاها نفسه في العشاء الرباني المقدّس، والتى لن تقوى أبوّاب الجحيم عليها.
رؤية بارزة في هذه الرّؤى المحزنة التي نظرتها بروح يسوع، رأيت إبليس، قد جر وخنق عديد من البشر المفديين بدم المسيح والمقدّسين من قبل مسحة أسراره. نظر مُخلصنا الإلهى بألم وبكثير من المرارة جحود وفساد المسيحيين الأوائل ومن تلاهم على مر العصور وحتى نهاية العالم، وخلال كل هذا الوقت كان صوت المُجرب يتكرّر باستمرار: " هل أنت مُعتزم أن تعاني من أجل مثل هؤلاء الفاسقين الجاحدين؟ " بينما الظّهورات المتعدّدة تُنجح كل منها الأخرى بسّرعة حادة، وتثقل بقسوة وتسحق يسوع، الذي غُمرت بشريته المقدّسة بألم لا يوصف. يسوع مسيح الرب, ابن الإنسان جاهد وتلوّي بينما سقط على ركبتيه، بأيادي مشبوكة، كما لو أنه قد أبيد تحت ثقل آلامه. كان الصراع الذي حدث حينئذ بين إرادته البشرية وبين اشمئزازُه أن يعاني كثيرا من أجل مثل هذا الجنس الجاحد بغاية القسوة، حتى أنه تفجرت قطرات كبيرة من الدّم من كل مسام جسده المقدّس، التي سقطت تقطّر على الأرض. فى معاناته المريرة نظر حوله، كما لو أنه ينشد معونة، وبدا كأنه يأخذ السماء والأرض ونجوم السّماء ليشهدوا عن آلامه.
رفع يسوع صوته، بألم النفس، ونطق ببضع نداءات الألم. أستيقظ التلاميذ الثّلاثة، استمعوا، وكانوا متلهفين أن يقتربوا منه، لكن بطرس حجز يعقوب ويوحنا، قائلاً : " أبقوا هنا؛ سأصل أنا إليه " ثم رأيت بطرس يركض مسرعا ودخل المغارة وصاح " يا مُعلم، ماذا حدث لك؟ " لكنه برؤية يسوع وكيف أنه مستحمّ في دمه، ومنهاراً على الأرض تحت ثقل الخوف المهلك والألم، أنسحب، وتوقّف للحظة، مغلّوباً بالرّعب. لم يجبه يسوع، بدا وكأنه غير واع لوجوده. عاد بطرس لرفاقه، وأخبرهم أن الرب لم يجبه سوي بالآهات والتّنهدات. اصبحوا حزانى أكثر فأكثر بعد هذا، غطّوا رؤوسهم، وجلسوا ليبكوا ويصلوا.
حينئذ رجعت إلى عريسي السّماوي في معاناته الأكثر مرارّة. الرّؤى المخيفة للجحود المستقبلي للبشر المدينين للعدل الإلهي والتى كان يأخذها هو على نفسه، استمرت تزداد وضوحاً أكثر فأكثر. بضع مرات سمعته يصيح : " أبتاه، هل ممكن أن أعاني من أجل جنس بغاية الجحود؟ أبتاه، إن لم تعبر عنى هذه الكأس، بل يجب أن اشربها, فسأفعل! "
ضمن كل هذا الظّهورات، كان لإبليس مكانة بارزة، تحت أشكال متعدّدة، تُمثل أنواع مختلفة من الآثام. أحيانا ظهر تحت شكل صورة عملاق أسود، أحيانا تحت منظر نمر، ثعلب، ذئب، تنين، أو ثعبان، إنه لم يأخذ حقا أيا من هذه الأشكال، بل أحد خصائصها فحسب‏، ضمن أشكال قبيحة أخرى. لا شيء من هذه الظهورات المخيفة تشبه بالكامل أي مخلوق، بل كانت رموز لرجاسة، لنزاع، لتناقض، في كلمة واحدة كانت ترمز للخطيئة ، كانت شيطانية حتى نهاية المدى. هذه الأشكال الشّيطانية حثّت أن تجر وتمزّق أعداد غير محصاة من أولئك البشر أرباُ, أولئك البشر الذين كان افتدائهم يقتحمه بطّريقه المؤلم نحو الصّليب. في بادئ الأمر رأيت ثّعباناً؛ ظهر بتاج على رأسه. كان عملاق الحجم، ظاهرياً محتفظ بقوة غير محدودة، ويقود جحافل غير معدودة أمامه من أعداء يسوع من كل جنس وكل أمة. مسلّحاً بكل أنواع الأسلحة المخرّبة، إنهم أحيناً يمزّقون بعضهم البعض إلي قطع، وبعد ذلك يجدّدون هجماتهم على مُخلصنا باّهتياّج مضاعف. لقد كان حقا منظراً مرعباً؛ لأنهم كوّموا فوقه الإساءات الأكثر خوفا، اللعن، الضرب، الجرح، وتمزيقه إلي قطع. أسلحتهم كانت سيوف ورماح تطير حوله في الجو بشكل مستمر في كل الجهات، مثل دراسات الحبوب في مخزن حبوب هائل؛ وتهيّج كل هؤلاء الشّياطين بدا موجه على نحو خاص ضد يسوع, حبة الحنطة السماوية التى نزلت إلى الأرض لتموت هناك، من أجل أن تغذّي البشر إلى الأبد بخبز الحياة.
هكذا تعرّض إلى غضب هذه الفرق الجهنمية, البعض منها بدت لي تتشّكل على هيئة أناس عميان، يسوع بهذا القدر كان مجروحاً كما لو أن ضرباتهم كانت حقيقية. رأيته يتمايل من جانب لآخر، أحيانا يرفع نفسه لأعلى وأحيانا يسقط ثانية، بينما يضرب الثّعبان الأرض بذيله في وسط الحشود التي كان يقودها للأمام بشكل متواصل ضد يسوع، ومَزّقَ إِلى قِطَعِ أو ابتلعَ كل من قد ضَربَوا على الأرض, لقد جُعل معروفاً لي بأن هذه الظّهورات كانت عن كل أولئك الأشخاص الذين يهينون ويغضبون الرب يسوع بطرق مختلفة، ثم يتقدّمون للأسرار المقدّسة. ميزت بينهم كل أولئك الذين يتقدمون للأسرار المقدسة بطريقة بذيئة. نظرت برّعب إلى كل إساءة قُدمت للرب، سواء بالإهمال أو بالاستهانة وبإغفال ما جاء عنه؛ باحتقار علني، بظلم وتدنيس المقدسات؛ بعبادة الأصنام الدّنيوية؛ بالظّلمة الرّوحية والمعرفة الكاذبة؛ وأخيرا بالخطأ والشكوك، بالتعصّب والكراهية والاضطهاد العلني. بين هؤلاء البشر رأيت العديد من الصمّ والمشلولين والعميان والخرس والأطفال؛ إنهم البشر العميان الذين لن يروا الحقيقة؛ إنهم البشر المشلولون الذين لن يتقدّموا فى حياتهم طبقا لاتجاهاته نحو الطّريق الذى يقود إلى الحياة الأبدية؛ إنهم البشر الصمّ الذين يرفضون أن يستمعوا لإنذاراته وتحذيراته؛ إنهم البشر الخرس الذين لن يستعملوا أصواتهم للدفاع عنه؛ وأخيرا الأطفال الذين ضُلّلوا بإتباع الوالدين والمعلمين الممتلئين من محبّة العالم ونسوا الرب، الذين تغذّوا على غنى العّالم، السكارى بحكمة كاذبة وبغض كل ما يتعلق بالدّين. والمنظر الذي أحزنني خاصة هم أولئك الأطفال، لأن يسوع يُحبّ الأطفال جدا، لقد رأيت كثيراً من مساعِدي الكهنة‏ عديمي الاحترام الذين يتصرّفون على نحو سيئ، الذين لا يكرمون الرب في الطقوس المقدّسة التي يشاركون فيها. نظرت برّعب أن عديداً من القساوسة، بعض الذين يتخيلون أنفسهم ممتلئين بالإيمان والتّقوى، يغضبون الرب يسوع أيضا في الأسرار المقدسة. رأيت عديداً من الذين أمنوا وعلّموا بعقيدة الوجود الحقيقي، لكنهم لم يأخذوها بكفاية إلى القلب، لأنهم نسوا وأهملوا قصر وعرش وكرسي الرب الحيّ؛ بعبارة أخرى : الكنيسة والمذبح والخيمة والكأس ووعاء القربان المقدس، الأواني والحلي؛ بكلمة واحدة، كل ما يستعمل في عبادته أو ما يزيّن داره.
!

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

كل إهمال يسود في أي مكان، كل الأشياء التى تركت لتبلى في التراب والأقذار، وعبادة الرب، إن لم تكن تُدنّس سرّا‏، كانت على الأقل تُهان ظاهريّا‏. وهذا لم يكن نتيجة افتقار حقيقي، بل نتيجة اللامبالاة والتكاسل، نتيجة الاستغراق‏ العقلي فى شّؤون العالم العقيمة، وغالبا أيضا نتيجة الغرور والموت الروحي؛ لأنى رأيت إهمالاً من هذا النّوع في الكنائس ذات القساوسة والشعب الغني، أو من الأثرياء على نَحْو مقبول‏. لقد رأيت عديداً من الدنيويين, عديمي الطعم, بحلي غير مناسبة قد بدلوا زّينة التقوى بزينة العالم .
لقد رأيت أنّه كلما كان الإنسان فقيراً كلما كان مقامهم في أكواخهم أفضل أمام سيد السماء والأرض في كنائسه. إن لم يقم البشر بحُسن الضيافة‏ فأن ذلك يُحزن يسوع بعمق، وهو الذي أعطى نفسه إليهم ليكون غذاءهم! حقا، ليس هناك احتياج أن يكون الإنسان غني من أجل أن يلتقي بمن يكافئ بمائة ضعف نظير قدح من الماء البارد تعطيه للعطشان؛ لكن كم يكون تصرفنا مخزياً عندما لا نسقى الرب الإله، العطشان لنفوسنا، عندما نعطيه ماء فاسداً في قدح قذر! عاقبة كل هذا الإهمال، رأيت ضّعفاً مروّعاً، رأيت الأسرار المقدسة مدنّسة، الكنائس مهجورة، والقساوسة مُستخف بهم. أن هذه الحالة من التلوّث والإهمال تمتد حتى إلى النفوس المخلصة، التي تركت مساكن قلوبهم غير مستعدة وغير نظيفة عندما كان يسوع على وشك أن يدخلها، بالضبط نفس ما حدث عندما تركوا خيمته على المذبح.
إن كان علَّى أن أتكلم لعام كامل، لما تمكّنت من أن أسرد كل الإهانات التى تُقدم إلى يسوع في الأسرار المقدسة, تلك الإهانات التى جُعلت معروفة لي بهذه الطريقة. لقد رأيت مُبدعي تلك الإهانات يهاجمون يسوع في فرّق, ويضربونه بأسلحة مختلفة، أسلحة تُطابق إهاناتهم المتعدّدة. لقد رأيت مسيحيين عديمي الاحترام من كل الأعمار، قساوسة مهملين أو مدنسين، حشود من الفاترين والغير مستحقين، جنود أشرار يدنّسون الأوعية المقدّسة، وخدام الشّيطان يستعملون القربان المقدس في الأسرار المُخيفة للعبادة الشيطانية. من بين هذا الجماعات رأيت عدداً عظيماً من علماء الدين، الذين انجذبوا في البدع من قبل آثامهم، يهاجمون يسوع في أسرار كنيسته المقدسة، وينتزعون من قلبه، بكلماتهم المغرية ووعودهم، عديد من النفوس الذين أراق دمه من أجلهم. آه! لقد كان حقا منظر مرعباً، لأننى رأيت الكنيسة كجسد السيد المسيح؛ وكل هذه الجماعات من البشر، الذين فصلوا أنفسهم عن الكنيسة، مشوَّهين وممزّقين قطعاً كاملة من لحمه الحيّ. واحسرتاه! لقد نظر إليهم بأسلوب فى غاية التأثر وناح عليهم لأنهم هكذا لابد أن يتسبّبوا فى خسارتهم الأبدية. لقد أعطى ذاته الإلهية إلينا لإطعامنا في العشاء الرباني المقدّس، من أجل أن نتحد في جسد واحد الذى هو جسد الكنيسة، عروسه, أن البشر الذين كان لهم امتداد لانهائي انقسموا وانفصل كل منهم عن الآخر؛ والآن نظر إلى نفسه مُمزقاً ومنشطراً لأثنين في ذات جسده؛ لأن عمل محبته الرّئيسي، العشاء الرباني، الذي كان على البشر أن يصيروا فيه بالكلية واحداً، قد صار، من قبل حقد المعلمين الكذبة، موضوع للانفصال. لقد نظرت أمماً كاملة تُنتزع من حضنه، وتُحرم من أي مشاركة في كنز النّعم المتروك للكنيسة. أخيرا، رأيت كل من انفصلوا عن الكنيسة مغمورين في أعماق الخيانة, الخرافة, البدع والفلسفة الدنيوية الباطلة؛ وقد أعطوا مُتنفساً لتهيّجهم العنيف بالارتباط معاً في الأجسام الكبيرة ليهاجموا الكنيسة، لكونهم منُقادين من قبل الثّعبان الذي كان يسلّي نفسه في وسطهم. وا أسفاه! لقد كان كما لو أن يسوع نفسه قد تمزّق إلي ألف قطعة!
عظيماً جدا كان رعبي ورهبتي، أن عريسي السّماوي ظهر لي، وعلى نَحْو رحيم‏ وضع يدّه على قلبي، قائلاً : " لا أحد قد رأى حتى الآن كل هذه الأمور، وكان قلبي ليطفح بالحزن إن لم أعطك هذه القدرة. "
لقد رأيت الدّم يتدفّق في قطرات كبيرة لأسفل من الوجه الشّاحب لمُخلّصنا، شعره كان مُتَلَبِّد‏اً ولحيته ملطخة بالدم ومُتشابكة. بعد الرّؤيا التي وصفتها توا، هرب، إن جاز التعبير، خارج المغارة وعاد إلى تلاميذه. لكنه كان يترنّح بينما يمشى؛ ظهوره كان ظهور إنسان مُغّطى بالجراح ومنحني تحت عبء ثقيل، ولقد تعثّر في كل خطوه.
عندما صعد إلى التلاميذ الثّلاثة، لم يكونوا مضطجعين نائمين كما سبق أول مرة، لكن رؤوسهم كانت مغطاة، وقد غرقوا لأسفل على ركبهم، في وَضْع جسْمانِي‏ يُفترض غالبا من قبل أناس تلك البلد عندما يكونوا حزانى أو عندما يرغبون فى الصلاة. لقد ناموا، مقهورين بالأسى والإعياء. يسوع الذى كان مرتعداً ويتأوَّه‏، دنا منهم، وهم استيقظوا.
لكن عندما رأوه واقفاً أمامهم فى ضوء القمر، وجهه شاحباً وملطخاً بالدماء، وشعره غير مرتب، لم تميزه أعينهم المرهقة في بادئ الأمر، لأنه كان قد تغيّر بما يفوق الوَصْف‏. شبك يديه معا، فنهضوا وسندوه بأياديهم بمودّة وأخبرهم بلّهجة حزينة إنه ينبغى أن يُساق للموت فى اليوم التالي وإنه خلال ساعة سيُقبض عليه ويُقاد أمام محكمة، ستُساء مُعاملته ويُهان ويُجلد وأخيرا يُساق إلى الموت الأكثر قسوة. ناشدهم أن يواسوا أمه، وأيضا المجدلية. إنهم لم يجيبوا، لأنهم لم يعرفوا ماذا عليهم أن يقولوا، لقد أزعجهم إلى حد بعيد ظهوره هكذا ولغته أيضاً، وظنوا أن عقله لابد أن يكون قد شت. عندما أراد أن يعود إلى المغارة، لم يكن لديه القوة على المشي. رأيت يوحنا ويعقوب يسندانه من الخلف ورجعا عندما دخل المغارة. لقد كانت حينئذ حوالي الساعة الحادية عشر والربع.

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

تأمل الرب يسوع
نعم, لقد رَجعتُ مرة أخرى لأَيقظَ تلاميذي، لكن إشعاعات العدل الإلهي كانت قَدْ تَركتني في أخدودِ دائمِ.... لقد أصبحوا مَمْلُوءينَ بالخوفِ عندما رَأوني كإنسان مُضطرب، ومن تألم بالأكثر كَانَ يوحنا. لقد صمتّ ... هم ذهلوا.... بطرس فقط من كَانَ عِنْدَهُ الشّجاعةُ أن يَتكلّمَ. مسكين أنت يا بطرس، إن كنت قَدْ عرفت فقط أن جزءِاً من قلقي كنت أنت السبب فيه .
لقَدْ أَخذتُ أصدقائي الثّلاثة كي أستطيع أَنْ أستَريحَ فيهم وفي محبّتهم، كي يُساعدوني بمُشَارَكتهم لآلامي، ويَصلوا معي .... كيف أَصفُ ما شْعرتُ به عندما رأيتهم نياماً؟
كم يتألم قلبي حتى اليوم، مُحتاجاً أن أجدَ الراحة في أحبائي، إنى اَذْهبُ إليهم فأَجدهم نياما. أكثر من مرة، عندما أريد أَنْ أيقظهم وأن أُخرجهم من ذواتهم، أن أخرجهم بعيداً عن مشاغلهم. يُجيبونني، إن لم يكن بالكَلِماتِ، يكون بالتصرفات : " لَيسَ الآن، أنى مُتعبُ جداً؛ عندي الكثير كى أعْمَلُه؛ أن هذا ضار لصحتي؛ أنى بَحاجةُ لقليل من الوقتَ؛ أنى أُريدُ بعض السّلامِ. "
فأَصرُّ وبلطف أُخبرُ تلك النفسِ: لا تَخَافُى.إن تْركُت راحتك من أجلى، فأنا سَأُكافئكَ. تعالى وصلّى معي، فقط ساعة واحدة! انظري، هذه هى اللّحظةُ التى أَحتاجكَ فيها! فأجدها تجيبني" هلا توَقفُت، هَلْ أنتَ مُطالب بجدول أعمالَ الآن ؟ " كم كثير من المراتِ اَسْمعُ ذلك الجوابِ نفسهِ!
يا لك من نفس مسكينة، أما كُنْتَ قادرةَ أَنْ تظلي معى لساعةَ واحدة؟ قريباً أنا سآجيء وأنتَ لَنْ تَسْمعيني لأنك ستكونى نائمُة. أنا سَأُريدُ أَنْ أَعطيكَ النّعمة لكن لكونك نائمةُ، فأنتَ لَنْ تَكُونَى قادرة أَنْ تناليها. ومن سيكون مَتأكّداً أنّه سَيكونُ عِنْدَه القوةُ أن يَستيقظَ؟... من المُمكن أن تكونوا مَحْرُومِين من الطّعامِ، حينئذ سَتَكُونُ نفوسكم ضعيفَة ولَنْ تَكُونواَ قادرين أَنْ تَخْرجَوا من ذلك الفتور. كثير من النفوس فاجئها الموتِ في منتصفِ نومهاِ العميقِ، تُرى متى وكيف أفاقت ؟
أحبائي، أُريدُ أَنْ أُعلّمكَم أيضا كم أنه بلا فائدة وبلا جدوى أَنْ تَبْحثَوا عن الراحةِ في المخلوقاتِ. أنهم غالباً ما يكونوا نائمين وبدلاً من أن أجد الراحةِ التى أنشدها فيهم، أُتْركُ بمرارةِ لأنهم لم يتجاوبوا لا إِلى مشيئتنا ولا إِلى محبّتنا.
عندما صَلّيتُ إِلى أبي وسألتهْ المعونة، كانت نفسى المخذولة والحزينة تَُعاني آلام الموتِ. لقد أحسست بالقُهر مع ثقّل أسوأ جحودِ .
الدّم الذي سكبته من كل مسامِ جسدي والدم الذى تدفّقُ بعد وقتِ قصيرِ من كل جراحي، سَيَكُونُ بلا فائدة لعددِ عظيمِ من النفوس التي سُتَفْقدُ. سَيَكُونُ بلا فائدة لكثيرين ممن يُهينوني ولكثيرين ممن لَمْ يَعْرفوني! بعد قليل سأَسْكبُ دمي من أجل الجميع وميراثي سيكون َمُتاحاً لكل واحد منهم. دماُ إلهياً! استحقاقات لانهائية! ومع ذلك، سيكون ذلك بلا فائدة لكثير جداً من النفوس .
لكن فوق كل ذلك لقد كنت ذاهِباًٌ بالفعل لأواجه أشياءِ أخرىِ، إرادتي قَدْ مالت إِلى إنجازها. أيها البشر، إن كنت تألمت، فذلك بالتأكيد لن يَكُونُ بلا ثمر وليس بلا سببُ. إن الثّمار التي حَصلتُ عليها كَانتْ المجدَ والحبَّ. إن الأمر الآن يعود إليكم، بمعونتي، تستطيعون أَنْ تَبرهنوا لي أنكم تُقدّرُون عملي.
أنا لَنْ أكل! تعالوا إليّ! تعالوا إِلى من يستجيب حباً لكم والوحيد الذى يَعْرفُ كيف يَعطيكَم الحبّ الحقيقي الذي يسود في السّماءِ وحَوّلكَم الآن على الأرضِ.
النفوس التى تتذّوقِ عطشي، التى تشرب من كأسي المرّ والمجيدِ، أقول لها, إن الأبَ يُريدُ أَنْ يدخر بعض من قطراتِ هذا الكأسِ لها. فَكّرواْ بتلك القطراتِ القليلة هذه التى أَُخذتْ منّي وبعد ذلك، إن صدقتم، أُخبروني أنكم لستم تُريدوها. أنا لَم أضع حدّودُاً ولا يَجِبُ أَنْ تضعوا أنتم حدوداًِ. لقَدْ سُحقت بلا رحمة من أجل الحبِّ، يَنبغى أَنْ تَسْمحوا لي أَنْ أُسحق تقديركم لذواتكم. إنى من يعملُ فيكم، كما أن أبي هو من عَملَ فيّ عندما كنت في البستان .
أنى أنا من يَعطيكَم الآلام لكي تَكُونوا فى ذات يومَ سعداء. كُونُوا طيعين؛ كُونُوا طيعين بإقتدائكم بى لأن هذا يعينكم كثيراً ويَسرّني بقدر عظيمَ. لا تَفْقدُوا أي شئ، بل بالأحرىَ اكتسبَوا المحبّة. كيف يُمكنُ أَنْ اَسْمحَ لأحبائي أَنْ يَعانوا من خسائر حقيقية بينما هم يُحاولون أَنْ يظهروا لى الحبّ؟
إنى أَنتظركمَ. إنى أَنتظرُ دائما ولَنْ أُتعبَ. تعالوا إليّ؛ تعالوا إلى كما أنتم، إن ذلك غير مَهْمُّ طالما أنكم ستأتونُ. سَتَرون عندما تأتون أنّي سَأُزيّنُ جباهكمَ بالجواهرِ، سأزينها بقطراتِ الدمِ التي سَكبتُها في جَثْسَيْمَانِي , إن تلك القطراتِ تخصكم، إن أردتموها. تعالوا إلىّ آيتها النفوس، تعالوا إِلى يسوع الذي يناديكم .
لقد قُلتُ: أبتاه؛ ولم أقُل: إلهى. هذا ما أُريدُ أَنْ أُعلّمه لكمَ: عندما تزداد آلامكم، يَجِبُ أَنْ تَقُولواَ " أبتاه " واَسْألوه التّعزيةِ. أروه آلامكَم، خوفكم، وبأنين ذكّروه بأنكم أبناؤه. أخبروه أن نفوسكم لم تعد تحتمل! اسألوهْ بثقةِ البنين وانتظروه، لأن أبيكم سَيُساعدكَم؛ سَيَعطيكَم القوة الكافية كى تتغلبوا على أتعابكم, لأنه يعطي دوماً النفوس التي تثق فيه.
هذه هى الكأسُ التي قَبلتهاُ وشربتها حتى قطرتها الأخيرةِ. كل ما أريد أن أُعلّمه لكَم يا أبنائي الأعزاء، ألا تعودوا تؤمنوا أبداً مرة أخرى أنّ الألمِ بلا قيمة. إن لم تَروا نَتائِج مُتحققة دائما، أخضعوا لقضائكم واَسْمحُوا للإرادة الإلهية أنْ تتحقق فيكم .
لقد كنت عالماً أنه سيُقبض علىّ في البستان، مع ذلك أني لم أتَراجع. بل بالعكس, بَقيتُ هناك. لم أشأ أَنْ اَهْربَ من أعدائي. . . . الّليلة، اَسْمحُوا لدمي يا أبنائي أَنْ يَروى جذوركم الصغيرةِ ويَقوّيها.

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

خلال معاناة يسوع هذه، رأيت أيضا العذراء المباركة في دار مريم أمّ مرقص مغمورة بالحزن وبألم الرّوح، لقد كانت مع المجدلية ومريم أم مرقص في بستان يتبع الدّار، وساجدة من الأسى، لقد كانت ساجدة تقريبا بكل جسدها. لقد غابت عن الوعي بضع مرات، لأنها نظرت بالروح مراحل معاناة يسوع المختلفة. لقد أرسلت بعض الرّسل لتستعلم عنه، لكن قلقها العميق لم يدعها تنتظر عودتهم، فذهبت مع المجدلية وسالومة إلى وادي يهوشافاط. لقد سارت ورأسها مستتر، وذراعاها تمتدان بشكل متكرر للأمام نحو جبل الزيتون؛ لأنها كنت تبصر يسوع بالروح مستحماً في عرق دموي، وإشاراتها كانت كما لو أنها ترغب أن تمسح بيديها الممتدّة وجه ابنها. لقد رأيت تعبيراتها الدّاخلية تجاه يسوع، الذي كان يُفكّر فيها، وأدار عينيه تجاهها، كما لو أنه يطلب معونتها. لقد أبصرت الاتصال الرّوحي الذى بين كل منهما، تحت شكل أشعة تعبر ذهابا وإيابا بينهما. فكر إلهنا القدوس أيضا فى المجدلية، لقد تأثر بكآبتها، وأوصّى تلاميذه أن يواسوها؛ لأنه عرف أنّ حبّها لشخصه الحبيب أعظم من مشاعر أي أحد تجاهه ماخلا أمه المباركة، وقد علم أنّها تعاني كثيراً من أجله، وأنها لن تعد تهينه فيما بعد
في هذا الوقت، كان التلاميذ الثّمانية قد عادوا إلى جَثْسَيْمَانِي ، وبعد أن تحدّثوا سوياً بعض الوقت، استقر رأيهم على الذهاب للنوم. لقد كانوا حيارى، مُحبّطين، ومُجربين جدا. لقد كان كل شخص منهم يبحث عن مكان يختبئ فيه في حالة الخطر، وتساءلوا بقلق : " ماذا سنفعل عندما يسوقونه إلى الموت؟ ها نحن قد تركنا كل شئ لنتبعه؛ إننا فقراء وليس بمقدورنا تطهير العالم؛ لقد أخضعنا أنفسنا بالكامل لخدمته، وها هو الآن حزيناً جدا ونفسه حزينة جدا، حتى إنه لا يستطيع أن يقدم لنا التعزية. "
تجوّل باقي التلاميذ في بادئ الأمر حول جهات متعدّدة، لكن الآن، بعد أن سمعوا شيئاً مما يختص بالنبوءات المُخيفة التي أنبأ بها يسوع، تراجعوا جميعاً إلى بيت فاجى .
إنى أري يسوع ما زال يصلّي في المغارة، يجاهد ضد كراهية الألم التي تخص الطبيعة البشرية، وترك نفسه بالكلية إلى إرادة أبيه الأزلى. هنا فُتحت الهاوية أمامه، ورأى الجزء الأول لعالم النسيان. رأى آدم وحواء، البطاركة، الأنبياء، والبشر الأتقياء، أبوي أمه، يوحنا المعمدان، رآهم جميعاً ينتظرون بلهفة عظيمة وصوله للعالم السفلي، لدرجة أن المنظر قواه وشجع قلبه المُحبّ. إن موته سيفتح السماء لهؤلاء الأسرى، أن موته سيخرجهم من ذلك السّجن الموضعين فيه! عندما نظر يسوع بعاطفة عميقة، قديسي العصر القديم، قدّمت إليه الملائكة كل جموع قديسي أجيال المستقبل، الذين ضموا أعمالهم إلى استحقاقات آلامه، لقد كانوا يتحدوا بأبيه السّماوي من خلاله، لقد كانت هذه الرؤيا بغاية الجمال والمواساة، لقد نظر فيها الخلاص والتقديس يتدفّقان بلا توقف من ينبوع الفداء الذى فُتح بموته.
لقد ظهر أمامه الرسل، التلاميذ، العذارى، والنسوة القديّسات، الشّهداء، المعترفون، النساك، الباباوات والأساقفة وجموع كبيرة من المتدينين من كلا الجنسين, بكلمة واحدة، ظهر أمامه كل جيش المُباركين. كان الجميع يحملون على رؤوسهم أكاليل الغلبة، وكانت زهور أكاليلهم تختلف في الشّكل واللّون والرّائحة والكمال، طبقا لاختلاف الآلام والأعمال والانتصارات التى منحتهم مجداً أبدياً. التى منحتهم حياتهم بالكامل، وكل أعمالهم واستحقاقاتهم وقوتهم وكل مجد غلبتهم، جاء فقط من خلال اتحادهم باستحقاقات يسوع المسيح .
التّأثير المتبادل الذى أظهَر‏ من قبل هؤلاء القديسين كل منهم على الآخر، والأسلوب الذي شربوا به جميعا من نبع واحد, السر المقدس المحبوب وآلام الرب شكّل مشهداً فى غاية التأثير والروعة. لاشيء يخصهم كان مجرد من المعنى العميق، أعمالهم، استشهادهم، انتصاراتهم، مظهرهم ولباسهم، كل شئ، مع إنّه متنوع بما يفوق الوَصْف‏، إلا أنه مُنظم في انسجام لانهائي ووحدة؛ وهذه الوحدة مع التّنوع قد نتجت بأشعة شّمس واحدة، بآلام الرب، الكلمة الذى صار جسداً، الذي فيه كانت الحياة، نور البشر، الذي أشرق في الظّلمة، والظّلمة لم تفهمه.
جاز جيش قديسي المستقبل أمام الرب، الذي وضع هكذا بين بطاركة راّغبين، وفرقة المستقبل المنتصرة المُباركة، وهذان الجيشان انضما معاً، وأكمل كل منهما الآخر، إن جاز التعبير، طوقوا قلب مُخلّصنا الحبّيب بإكليل الغلبة. منح هذا المنظر كثير من المواساة ودرجة من القوة والرّاحة ليسوع. آه! إنه أحبّ أخوته وخليقته حتى إنه إن كان سيتمّم الفداء عن نفس واحدة، لكان سيقبل بفرح كل الآلام التي كان يكرّس لها نفسه الآن. بينما كانت هذه الرؤى تشير إلي المستقبل، انتشرت لعلو محدد في الهواء.
لكن رّؤى المواساة هذه تلاشت، وعرضت الملائكة أمامه مشاهد آلامه قرب الأرض، لأنها كانت قريبة في متناول اليد. لقد أبصر كل مشهد رُسم بشكل متميّز، من قبلة يهوذا حتى كلماته الأخيرة على الصليب، وقد رأي في هذه الرّؤيا الواحدة كل رؤى الألم التى أراها في تأملاتي. لقد رأى خيانة يهوذا، هروب التلاميذ، الإهانات التي قدمت للرب أمام حنان وقيافا، إنكار بطرس، محكمة بيلاطس، مهزلة هيرودس، الجلد والتتويج بالأشواك، الحكم بالموت، حمل الصليب، منديل فيرونيكا، الصّلب، إهانات الفريسيون، حزن مريم والمجدلية ويوحنا، جرح الرّمح في جنبه، ما بعد الموت؛ في كلمة واحدة، كل جزء من الألم رآه بالتّفصيل. لقد قبل كل شئ طوعا، خاضعاً لكل شيء من أجل محبّته للإنسان. لقد رأى أيضا وشعر بالآلام التى تتحمّلها أمه في تلك اللّحظة، التي كان اتحادها الداخلي بمعاناته كامل للغاية حتى إنها غابت عن الوعي في أذرع رفيقاتها.
مناجاة الأب
أنى أَرى أبنَي، مُرتعداً في ظّلال جَثْسَيْمَانِي ، نازلاً مِنْ السماءِ وآخذاً هيئة وجوهر خليقتِي، خليقتِي التي تعتقد وما زاِلت تَعتقدُ أنّها تستطيع أَنْ تتمرد ضدّ خالقِها. إنّ الرجلَ، ذلك الرجلِ الوحيدِ والمضطّربِ، هو الذبيحة المعيّنةُ، وعلى عاتقه، بذات دمِّه، عليه أن يَطهر كُلّ الإنسانيةِ التي يُمثّلها. أنه مَرتعدُ وخائفاً بشعوره بنفسه مُغَطاة بالآثم، حتى أنه يَرى نفسه محكوم عليه، بكتلةِ لا تصدّقِ مِنْ الخطايا التي كَانَ لِزاماً عليه أَنْ يأخذها من الضمائرِ المُظَلَّمةِ لملايينِ وملايينِ من المخلوقاتِ الغير طاهرة.
أيا أبني المسكين، لقد أَوصلك الحبّ إلى هذا وها أنت الآن مُخوف به. من يَجِبُ أَنْ يُمجّدَك في السماء عندما تَرْجعُ إليه مُتألقاً؟ أيُمْكِنُ أَنْ يَعطيك أيّ مخلوق المجد الذى تستحقه، أيستطيع أيّ مخلوق أَنْ يَعطيك الَحبُّ الذى تستحقه؟ وما هو تمجيد وحبُّ البشر، حبُّ ملايينِ البشر، بالمقارنة بالحبِّ الذى قَبلتَ به أكثر وأكبر الاختبارات التي مُمْكِنُ أَنْ توجدَ على الأرضِ؟ كلا يا أبني الحبيب، لا يوجد أحد سوي أبّيكَ الذى يستطيع أَنْ يَساويك فى الحب، لا أحد سوي أنا، الذي بروحِي, روح الحبِّ، مُمْكِنُ أَنْ أمجدك وأحبَّك لتضحيتِكَ فى تلك الليلِة.
لقد وَصلتَ يا أبني الحبيب الذي أُريحُ فيه كُلّ إحساني إلى سكرة الموتِ بالاستمرار فى المعاناةِ التى بغاية المرارةِ في البستان. لقَدْ بلغت بحدود منزلتك الإنسانية إلى كل وأصدق ألم يستطيع القلبِ الإنسانيِ أن يناله: أن تتألم من أجل الإهانات التى تُرتكب ضدي، بل أن تتألم من أجلهم بأنقى وأقوي حبِّ فيك. لقد وَصلتَ للحدَّ الذى تستطيع من خلاله أَنْ تنال الإنسانيةِ فداءاً كاملاً. لقد انتزعت يا أبني الحبيب بعرق دموي، لَيسَ فقط نفوس أخوتِكِ، بل أنتزعت ما هو أعظم، لقد انتزع منك أيها الإنسان مجدك الشخصي, مجدك الذي يَجِبُ أَنْ يسمو بك، متساوياً مَعي، لتكون إله مثله.
لقَدْ جذبت منى العدل الأكثر كمالاً، والحبّ الأكثر كمالاً. في الوَقت الذى كانوا يشكّلون فيه نفاية العالمِ، وأنت أصبحتَ كذلك من خلال قبولِكَ الاختياري والحرِّ. أنك الآن، بين الكلّ، إكرامي ومجدي وبهجتي. أنت لم تكن مُذنباً أمامي، لَيسَ أنت. أنك دائماً أبني الحبيبَ، الذي وَضعتُ فيه مسرتى. أنت لم تكن النفاية لأني رغم كل ذلك رَأيتُك كما كُنْتَ دائماً: نوري، كلمتي، ذلك هو أنا بذاتي. أبني، يا من ارتعدت واستسلمت من أجل كرامتي، لتستحق أنّ يُعلنُك أبّيكَ للعالمِ، إلى ذلك العالمِ الأعمى، الذي يَجْرحُنا على الرغم من حبنا العظيم له!
آه يا أبني الحبيب، أنى أَراك وسَأَراك دائماً في ليلِة مرارتِكَ تلك، وأنت دائماً في فكريِ! بسبب حبِّكَ أَنا تصَالَحت إلى الخليقة ومع الخليقة. أنك لم تَستطيعُ أَنْ تَرْفعَ وجهَكَ نحوي؛ لقد كان مغطى بالكامل بذنوبهم. الآن، لأجل مسرتك، أَجْعلُهم يَرْفعونَ وجوهَهم إلينا لكي مِن قِبل لَمْحَة من ضيائكِ، يظلون أسرى حبِّنا.
الآن يا أبني الحبيب دائماً، سأفعْلُ ما أخبرتُك به آنذاك في ظِلال جَثْسَيْمَانِي ، وهي سَتكُون أشياءَ عظيمةَ لمَنْحك المسرة والإكرام .
الآن يا أبني الحبيب دوما، سأفعَْلُ ما أخبرتُك به آنذاك في ظِلالِ جَثْسَيْمَانِي، وهي سَتَكُون أمور عظيمةَ لإعطائك المسرة والإكرام .
عندما انتهت رؤى الألم، شعرت بوجه يسوع كوجه إنسان على حافة الموت؛ اختفت الملائكة، وأصبح العرق الدّموي أكثر غزارة، حتى إنى رأيته قد نقع على ردائه. سادت الظلمة كُل المغارة، عندئذ نظرت ملاكاً ينزل إلى يسوع. هذا الملاك كان من قامة أعلى من أي ملاك رأيته من قبل، وشكله كان أيضاً أكثر وضوحاً وأكثر شبهاً بالإنسان. لقد كان مكتسياً ككاهن في كساء طويل، ويحمل أمامه، في يديه، أناء صغيراً، في الشّكل تشبه الكأس المستعملة في العشاء الأخير. على قمة هذا الكأس، كان هناك جسم بيضاوي صغير، وكان ينتشر منه ضوء محمّر. مد الملاك يدّه اليمنى للأمام إلى يسوع دون أن يمسّ الأرض بقدميه، نهض يسوع عندما وضع الملاك الطّعام الغامض في فمه وأعطاه ليشرب من الكأس المضيء. ثم اختفى.

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

بعد ما قبل يسوع كأس آلامه بحريته، ونال قوة جديدة، ظل في الكهف لبضع دقائق، مستغرقاً‏ في تّأمل هادئ، ومُعيد الشكر لأبيه السّماوي. كان ما زال في حزن روح عميق، لكنه هادئ على نحو خارق لدرجة أنه كان قادراً على الذهاب إلى تلاميذه دون أن يترنّح بينما يسير، أو ينحني تحت ثقل آلامه. طلعته كانت ما زالت شاحبة ومتبدلة، لكن خطاه كانت قويّة وراسخة. لقد مسح وجهه ورتّب شعره الذي انسدل على كتفيه المُبللتين بالدّم.
عندما جاء يسوع إلى تلاميذه، كانوا مُستندين على سور، نائمين، ورؤوسهم مُغطاة. قال لهم إلهنا أنه ليس هناك وقت للنّوم، بل يجب أن ينهضوا ويصلّوا : " انظروا ها قد قربت السّاعة، وابن الإنسان سيسلم في أيادي الخطاة قوموا، فلنذهب، انظروا ها هو قد أقترب الذى سيسلمني. لقد كان الأفضل لذلك الإنسان أن لم يكن ولد. "
نهض التلاميذ مذعورين، ونظروا حولهم بقلق. عندما استعادوا أنفسهم إلى حد ما‏، قال بطرس بانفعال : " إلهى، سأدعو الآخرين، حتى نحميك " لكن يسوع أشار إلى الوادي، على الجانب الآخر من البستان، إلى فرقة من الرّجال المسلّحين، الذين كانوا يتقدّمون بالمشاعل، وقال إنّ واحداً منهم قد خانه. لقد تكلّم بهدوء، حثّهم أن يواسوا أمه، وقال: " فلنذهب لنلاقيهم, أنى سأسلّم نفسي بلا مقاومة في أيادي أعدائي. " حينئذ ترك بستان الزّيتون مع التلاميذ الثّلاثة، وذهب ليقابل الجنود على الطّريق الذي يقود من بستان الزيتون إلى جَثْسَيْمَانِي .
عندما استعادت العذراء المباركة إحساسها، تحت عناية المجدلية وسالومة، قادها أحد التلاميذ، عندما رأي الجنود يقتربون، للرجوع إلى دار مريم أمّ مرقص. سلك الجنود طريق أقصر من الطريق الذي سلكه يسوع عندما ترك علية صهيون .
المغارة التى صلى فيها يسوع فى هذا اليوم لم تكن المغارة التى كان معتاد أن يصلّى فيها على جبل الزيتون. إنه عادة ما يذهب لموضع أبعد، حيث صلى يوما ما بحزن روح عظيم بذراعين ممدودتين ومتكئاً على صخرة بعد ما لعن شّجرة التين الغير مثمرة.

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

الفصل الخامس عشر
خيانة يهوذا
لم يكن يهوذا يتوقّع أن تؤدي خيانته لمثل هذه النّتائج القاتلة. لقد كان حريصاً على أن يحصل على المكافئة التى وعد بها اليهود من يسلم يسوع، وعلى أن يُسعد الفريسيون بتسليم يسوع في أياديهم، لكنه لم يحسب أن الأمور ستذهب إلى هذا الحدّ، أو فكر أن أعداء سيده سيحضرونه فعلاً للمحاكمة ويصلبونه؛ كان فكره مُستغرقاً فى محبّته للمال فقط، وحثّه بعض الفريسيون والصديقيون الخبثاء الذين اتصل بهم، على الخيانة بتملقه. لقد كان مُتعباً من الإجهاد العَصَبي‏ والتجوال والحياة المضطهدة التي كان يحياها هو والتلاميذ. كما كان يسرق منذ بضع شهور أموال الفقراء التي كانت تحت عنايته، حرّضه جشعه ورفضه لما أنّفقته المجدلية بسكب الطيب الثّمين على قدمي الرب على جريمة من أعظم الجرائم. لقد تمنّى دوما أن يؤسس يسوع مملكة أرضية، ويمنحه فيها مكانة عالية ومربحة، لكن ظنه خاب، فحول أفكاره نحو تكديس الثروة. لقد رأى أن آلام وأضطهدات الرب وتلاميذه فى ازّدياد ، فسعى أن يصادق أعداء مُخلصنا الأقوياء قبل أوان الخطر، لأنه رأي أنّ يسوع لن يصبح ملكاً، وأن الكرامة والقوة الحقيقية كانت للكاهن الأكبر ولكل من يتصل بخدمته، وأثر ذلك بشدة على فكره.
لقد بدأ يدخل في ارتباطات مع موظفيهم، الذين كانوا يغرونه دوما، ويطمئنونه بأقوال قوية بأنه، في أية حال، لابد أنه هناك نهاية سريعة موضوعة لسيرة يسوع. لقد استمع بلهّفة أكثر فأكثر إلى اقتراحات قلبه الفاسدة الإجرامية، ولم يكن يفعل شيئاً خلال الأيام القليلة الأخيرة سوى الذهاب والإياب ليقنع رؤساء الكهنة أن يصلوا معه لاتفاق. لكنهم كانوا غير راغبين أن يتصرّفوا فى الحال، وعاملوه باحتقار. قائلين إن الوقت المناسب لا يمكن أن يكون قبل العيد، وأنه لابد أنه سيكون هناك شغب بين الشعب. وكان السنهدريم فقط من استمع إلى مقترحاته ببعض الانتباه.
بعدما تلقى يهوذا السر المقدس على نحو دنس، تملكه الشيطان وذهب فى الحال ليكمل جريمته. لقد بَحَث بالدرجة الأولى عن‏ أولئك الأشخاص الذين أغروه ودخلوا في اتفاقيات معه، والذين ما زالوا يستقبلونه بصّداقة زائفة. البعض كان قد أنضم للاحتفال، ومن بين هؤلاء كان حنان وقيافا، وهذا الأخير عامله بكبرياء وازدراء. كل أعداء المسيح هؤلاء كانوا مترددين وبعيدين عن الشّعور بأي ثقة فى النّجاح، لأنهم كانوا يرتابون في يهوذا.
أنى أرى مملكة جهنم منقسّمة ضد نفسها؛ اشتهي إبليس جريمة اليهود، واشتاق بلهفة لموت يسوع، هادى النفوس، المعلّم القدوّس، الإنسان البار الذي كان يمقته جدا؛ لكنه في نفس الوقت يشعر بخوف داخلى غير عادى من موت هذه الذبيحة البريئة، الذي لا يخفي نفسه عن مضطهديه. لقد رأيته حينئذ، من ناحية، يثير كراهية وغضب أعداء يسوع، ومن ناحية أخرى، يلمِّح‏ إلى البعض منهم بأن يهوذا شخص حقير وشرير، وأن الحُكم بعقوبة‏ الموت ليس بالإمكان إعلانها قبل الاحتفال، أو أن العدد الكافي للشّهود ضد يسوع لن يتجمّع .
لقد اقترح كل شخص شيئاً مختلفاً، والبعض سأل يهوذا: " هل سنكون قادرين على أخذه؟ هل ليس لديه رجال مسلّحون ؟ " وأجاب الخائن: " كلا، أنه وحيد مع أحد عشر تلميذاً؛ أنه مُحبَط‏ للغاية، والأحد عشر لهم رجال جبناء " اخبرهم إما الآن وإما لن يتملكون يسوع أبداً، أخبرهم أيضاً إنه قد لا تكون عنده فيما بعد القوه أن يسلم يسوع في أياديهم، وأنه قد لا يرجع إليه ثانية، لأنه لبضعة أيام ماضية كان واضحاً جدا أن التلاميذ الآخرين ويسوع نفسه يرتابون فيه وإنهم بالتأكيد سيرفضونه إن رجع إليهم. اخبرهم أيضاً إنهم إن لم يعتقلوه حالا، فأنه سيهرب ويعود مع جيش من المُوالين‏ له لينصب نفسه ملكاً. أتت تهديدات يهوذا هذه ببعض التّأثير وقُبلت مقترحاته، وتسلم ثمن خيانته ثلاثون قطعة من الفضة.
يهوذا لكونه مُدركاً إنهم يعاملونه باحتقار وارتياب، لأن لغتهم وإشاراتهم خانت مشاعرهم، اقترح عليهم بازدراء‏ أن يعيد المال كتقدمة للهيكل، من أجل أن يجعلهم يفترضون أن نواياه مُجردة ونزيهة. لكنهم رفضوا اقتراحه‏, لأن ثمن الدّم لا يمكن يكون تقدمة للهيكل. رأى يهوذا كيف إنهم احتقروه، وكانت ثورته شديدة. أنه لم يتوقّع أن يحصد الثّمار المرّة لخيانته حتى قبل أن تتم، لكنه كان قد ذهب بعيداً مع هؤلاء الرّجال حتى أنه قد صار تحت سيطرتهم، والتراجع لم يعد ممكنا. لقد راقبوه بحذر، ولم يتركوه يغيب عن أعينهم، حتى أراهم بالضبط ما هى الخطوات التى ستتخذ من أجل القبض على يسوع. رافقه ثلاث فريسيين عندما ذهب لغرفة يتجمع فيها جنود الهيكل, البعض منهم كانوا يهودا، والباقين من جنسيات متعدّدة. عندما صار كل شيء مستقراً، وتجمّع العدد الضّروري من الجنود، أسرع يهوذاً إلى عُلية صهيون أولاً، يرافقه خدم الفريسيون، ليتحقق من أن يسوع قد رحل، أو يقبضون عليه هناك بدون صعوبة .
قبل وقت قصير من تسلم يهوذا لثمن خيانته، خرج فريسي وأرسل سبعة عبيد ليجلبوا الخشب الذي يجب أن يعدّ ليكون صّليب مُخلصنا في حالة مُحاكمته، لأن اليوم التالي لن يكون هناك وقت كاف بسبب بدء عيد الفصح. لقد أتوا بهذا الخشب من بقعة على بعد حوالي ثلاثة أرباع الميل، قرب سور عال، حيث كانت هناك كمية عظيمة من الأخشاب تخص الهيكل، وسحبوها إلى ميدان يقع خلف محكمة قيافا. القطعة الرّئيسية للصّليب جاءت من شجرة نمت سابقا في وادي يهوشافاط قرب مجرى قدرون، والتى استعملت كجسر بعد ما سقطت عبر النبع، عندما أخفى نحميا النار المقدّسة والأوعية المقدّسة في بركة بيت صيدا، ألقيت هذه الخشبة فى هذه البقعة، مع قطع أخرى من الخشب، ثم بعد ذلك أُخذت من هناك، وتركت على أحد الاجناب. الصّليب قد اعدّ بأسلوب غريب جدا، أمّا بشيء من السخرية من نبل يسوع، أو إما ما يعتبره البشر صدفة. لقد كان مُعداً من خمس قطع من الخشب، باستثناء‏ اللوحة. لقد رأيت العديد من الأشياء الأخرى التى تختص بالصليب، ومعنى التفاصيل المختلفة قد جُعلت معروفة لي، لكنى نسيت كل ذلك.

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

عاد يهوذا، وقال بأنّ يسوع لم يعد فى العلية، لكنه لابد أن يكون على جبل الزيتون، في البقعة التى اعتاد أن يصلّي فيها. طلب أنّ يُرسلوا معه عدداً قليلاً من الرّجال، خشية أن يُدرك التلاميذ الذين كانوا سهارى أي شئ ويحضوا على المقاومة. ثلاثمائة رجل كانوا على البوّابات وفي شوارع أوفيل وعلى طول وادي القلعة وحتى دار حنان وعلى قمة جبل صهيون، لكى يكونوا مستعدين أن يرسلوا تعزيزات فى حالة الضرورة، لأنه قال، أن كل شعب أوفيل الفقراء سينحازون ليسوع. دعاهم الخائن أيضاً أن يكونوا حذرين، خشية أن يهرب منهم حيث أنه، بوسائل غامضة، كان يخفى نفسه غالبا في الجبل، ويجعل نفسه فجأة غير مرئياً لمن حوله. أوصاهم أيضا أن يربطوه بسلسلة، ويستعملون بعض السّحر ليمنعوه من كسرها. استمع اليهود إلى كل هذه النصائح باحتقار وعدم اهتمام وأجابوه " ما أن نقبض عليه في أيادينا، سنحذر ألا ندعه يذهب. "
بعد ذلك بدأ يهوذا يُعد ترتيباته بأولئك الذين سيرافقونه. رغب أن يدخل البستان أمامهم، ويعانقه ويحيّيه كما لو أنه يرجع إليه كصديق وتلميذ، وبعد ذلك يأتى الجنود ويقبضوا عليه. لقد كان حريصاً على أنّ يبدو الأمر كأنه محض صدفة، حتى يهرب عندما يظهرون، مثل التّلاميذ الآخرين ولا يعد يُسمع عنه فيما بعد. اعتقد أيضاً، إنه فى الشغب الذى سيتبع ذلك، إن التلاميذ سيحمون أنفسهم، ويجوز يسوع وسط أعدائه، كما كان يفعل كثيراً من قبل. لقد استقر على هذه الأفكار, خاصة عندما جرح أسلوب اليهود المتكبّر والمُهين كبريائه؛ لكنه لم يندم قط على أنه قد أسلم نفسه للشّيطان بالكلية. لقد كانت رغبته أيضا ألا يحمل الجنود الذين يتلونه سلاسل أو حبال، وتظاهر شركاؤه بقبول كل رغباته، بينما هم في الواقع يتعاملون معه كما مع خائن لن يؤتمن، بل أضمروا أن يُلقوه بعيداً بمجرد أن يفعل ما هو مطلوب منه.
تسلم الجنود الأوامر أن يظلوا بقرب يهوذا وأن يراقبوه بحذر، وألا يدعوه يغيب عن أنظارهم حتى يقبضوا على يسوع، لأنه تسلم أجرته، وكانوا خائفين أن يهرب بالمال ولا يُقبض على يسوع بعد كل هذا. تكونت فرقة الرّجال التى اختيرت لترافق يهوذا من عشرين جندياً، مختارين من حرس الهيكل ومن جنود آخرين من الجيش كانوا تحت آمرة حنان وقيافا. كان زيهم مثل زي الجنود الرّومان، كانت لهم شارات مثلهم، ولكن لحاهم كانت طويلة، بينما الجنود الرّومان في أورشليم كان لهم شوارب فقط ويحلقون لحاهم. كان معهم جميعا سيوفاً والبعض مسلّح بالرّماح أيضاً، ولقد حملوا عصى مع فوانيس ومشاعل؛ لكنهم أضاءوا المشاعل فقط. في بادئ الأمر كان مُرتباً أن يرافق يهوذا جنود أكثر، لكنه جذب انتباههم إلى حقيقة أنّ العدد الكبير من الرّجال سيُرى بسهولة جداً لأن جبل الزيتون يكشف كل الوادي. لهذا ظل أغلب الجنود في أوفيل، وانتشر الحراس على كل الجوانب ليواجهوا أي محاولة لإطلاق سراح يسوع. بدأ يهوذا بعشرين جندياً، لكن كان يتبعه على مسافة منه أربعة من قادة الجنود، حاملين حبال وسلاسل، ويتلوهم سّتة رجال ممن كانوا على اتصال بيهوذا لبعض الوقت. أحدهم كان كاهناً ومستشاراً لحنان، الثاني كان مكرّساً لقيافا، الثالث والرابع كانا من الفريسيون، والاثنان الآخران أحدهم من الصديقيون والأخر من أَعْضَاءِ حِزْبِ هِيرُودُسَ. هؤلاء الرجال الستة كانوا من رجال حاشية‏ حنان وقيافا ويعملون كجواسيس وكانوا أكثر الأعداء مرارةّ ليسوع
ظل الجنود على مودة مع يهوذا حتى وصلوا إلى الطّريق الذى يفصل بين بستان الزّيتون وبستان جَثْسَيْمَانِي ، وهناك رفضوا أن يسمحوا له أن يتقدّم بمفرده، وغيّروا أسلوبهم معه بالكامل وعاملوه بفظاظة .

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

الفصل السادس عشر
القبض على يسوع
كان يسوع يقف مع تلاميذه الثّلاثة على الطّريق الذى يفصل جَثْسَيْمَانِي عن بستان الزّيتون، عندما ظهر يهوذا والفرقة التي ترافقه. قام نزاع بين يهوذا والجنود، لأنه أراد أن يقترب أولا بمفرده ويتكلّم مع يسوع بهدوء كما لو أن لاشيء يحدث، وبعد ذلك عليهم أن يأتوا ويقبضوا على مُخلّصنا، وهكذا يبدوا وكأنّه ليس له صله بالقضية. لكن الرّجال أجابوه بوقاحة " ليس هكذا يا صديقنا, أنك لن تهرب من أيادينا حتى نقيد الجليلي على نَحْو مضمون‏ " وبرؤية التلاميذ الثّمانية الذين أسرعوا لينضموا ثانية إلى يسوع عندما سمعوا النّزاع الذي كان مستمراً، نادوا على قادة الجنود الأربعة، الذين كانوا يتبعونهم على مسافة قليلة، ليساعدوهم على الرغم من معارضة يهوذا.
عندما رأي يسوع والتلاميذ الثّلاثة فرقة الرّجال المسلّحين، رغب بطرس أن يصدّهم بقوة السلاح وقال : " يا رب، إن الثمانية الآخرين قريبين، دعنا نهاجم قادة الجنود " لكن يسوع أمره أن لا يحمل سلاحه، وبعد ذلك التفت وسار للخلف بضع خطوات. فى هذه اللّحظة جاء أربعة تلاميذ من البستان، وسألوا : "ماذا يحدث ". كان يهوذا على وشك أن يجيب، لكن الجنود قاطعوه، ولم يتركوه يتكلّم. هؤلاء التلاميذ الأربعة كانوا يعقوب الصغير وفيلبس وتوما ونثنائيل مع ابن سمعان الشيخ وهو الذى أتصل ببعض من التلاميذ الثّمانية في جَثْسَيْمَانِي ليذهبوا لرفاق يسوع ليعرفوهم بما يحدث. كان التّلاميذ الآخرين يتجوّلون ذهابا وإيابا، مُنتبهين ومستعدين للهرب في لحظة الخطر.
سار يسوع نحو الجنود وقال بصوت واضح وقوي: " من تطلبون ؟ " أجاب زُعماؤهم : " يسوع الناصري ". فقال لهم يسوع: " أنا هو " ما أن نطق يسوع بهذه الكلمات حتى سقطوا جميعا على الأرض، كما لو إنهم أصيبوا بسكتة دماغية. يهوذا، الذي كان يقف بجانبهم، كان بغاية الانتباه، وبدا توّاقا للاقتراب، مد يسوع يده وقال : " يا صاحب، لماذا أتيت؟ " تمتم يهوذا بشيء ما بخصوص العمل الذي أتى من أجله. أجاب يسوع ببضع كلمات ما معناها :" لقد كان أفضل لهذا الإنسان ألا يكون قد ولد " على أية حال، أنا لا أستطيع أن أتذكّر الكلمات بالضبط. فى نفس الوقت، نهض الجنود، واقتربوا من يسوع ثانية، لكنهم انتظروا إشارة القبلة، التي وعد يهوذا أن يحيّي بها سيده حتى يتعرفوا عليه. أحاط بطرس والتلاميذ الآخرون بيهوذا ولعنوه، دعوه لصاً وخائناً؛ لقد حاول أن يهدأ غضبهم بكل أنواع الأكاذيب، لكن جهوده كانت عقيمة، لأن الجنود نهضوا وعرضوا عليه أن يحموه، الإجراء الذى اظهر الحقيقة فى الحال.
سأل يسوع ثانية، " من تطلبون ؟ " أجابوا : " يسوع الناصري " أجاب يسوع : " لقد قلت لكم أنّي أنا هو، إن كنتم تطلبوني، دعوا هؤلاء يمضون فى طريقهم." بهذه الكلمات سقط الجنود لثاني مرة على الأرض، في تّشنّجات تشبه تشنجات المصّروعين، أحاط التلاميذ ثانية بيهوذا واظهروا استياءهم من خيانته المخزية. قال يسوع للجنود : " انهضوا " فنهضوا، لكن في بادئ الأمر كانوا صامتين تماما من شدة الرّعب. حينئذ قالوا ليهوذا أن يعطيهم الإشارة المتفق عليها فى الحال، لأن الأوامر المُعطاة لهم كانت أن لا يقبضوا إلا على من يُقبّله يهوذا. حينئذ أقترب يهوذا من يسوع وقبّله قائلاً " مَرْحَبا‏ يا مُعلّم " أجابه يسوع : " ماذا يا يهوذا, أتسلم ابن الإنسان بقبلة؟ " أحاط الجنود بيسوع فورا، ووضع قادة الجنود أياديهم عليه. أراد يهوذا أن يهرب، لكن التلاميذ لم يسمحوا له؛ اندفعوا نحو الجنود وصرخوا: " يا سيد، هل نضرب بالسّيف؟ " بطرس الذي كان أكثر تهوّرا من الباقين، استولى على سّيف، وضرب ملخس، خادم كبير الكهنة، الذي أراد أن يُبعد التلاميذ، وقطع أذنه اليمنى؛ سقط ملخس على الأرض، وحدث اضطراب عظيم .
القي قادة الجنود القبض على يسوع، وأرادوا أن يقيدوه؛ بينما وقف ملخس وباقي الجنود حوله. عندما ضرب بطرس أولهم، كان الباقين مشغولين في صد أولئك التلاميذ الذين اقتربوا، وفي مطاردة أولئك الذين هربوا. ظهر أربعة تلاميذ من على بعد، ونظروا بخوف إلي المشهد الذى أمامهم؛ لكن الجنود كانوا لا يزالون منتبهين أكثر من اللازم بسقوطهم الأخّير لذا لم يزعجوا أنفسهم كثيراً بهم، وأيضا لم يرغبوا فى أن يتركوا منقذنا بدون بعض الرّجال ليحرسوه. هرب يهوذا بعدما قدم قبلته الخائنة، لكنه بعض التّلاميذ لاقوه وأوسعوه لّوماً. فجاء ستة فريسيين لينقذوه، وهرب بينما كان قادة الجنود مشغولين بتقييد يسوع.
تأمل الرب يسوع
بعدما أراحني رسولِ أبي، رَأيتُ يهوذا يدنو منى يتبعه كل أولئك الذينِ سيعتقلونني, كَانَ لديهم حبالُ وعصى وحجارة... خَطوتُ للأمام وقلت لهم :" عن من تَبْحثُون ؟ " وبينما يهوذا يُربت على كتفي، قَبّلني ...!
إن كثيراً جداً من النفوس قَدْ بِاعتني وسَتَبِيعني لقاء لذّةِ رديئة، من أجل لذة عابرة مؤقتة.... يا لها من نفوس مسكينة، تلك التى تُبحث عن يسوع، كما فعل هؤلاء الجنودِ.
أيتها النفوس التي اَحْبّهاُ؛ يا من تأتون إلي وتلاقوني في أحضانكم، يا من تخبروني مرات كثيرة جداً أنكم تحَبونني .... هل سَتسلّمونني بعد أن تلاقوني ؟ فى الأماكنِ التى ترتادونها توجد هناك الأحجارُ التى تجرحني، هناك المُناقشات التى تهينني، وأنتمَ يا من تتناولوني, أنكم تَفْقدُون نقاء النعمة الجميلَ هناك.
لماذا تخونني النفوس التي تَعْرفني بهذه الطريقة بينما فى أكثر من مناسبةِ تتفاخر بأنها نقيه وتتباهى بأعمال المحبة؟ أتتباهون بكل الأمور التي تستطيع أن تساعدكم حقاً وتستحق أعظم جزاء... التى ليست سوى ستار يغطّي جرائمكم فى تكديس خيرات أرضيه؟ تيقظُوا وَصلوا! قَاتلْوا بلا راحة ولا تجعلوا ميولكمَ الرديئة وعيوبكَم تُصير مألوفة لكمَ. انّظروا، إنه من الضروري أن تقتلعوا العشبِ سنوياً وأن أمكن خلال الفصول الأربعة. يَجِبُ عليكم أَنْ تصلحوا الأرض وأن تطهروها. عليكم أَنْ تَجْعلوها أفضل وأن تَحْذروا من الأعشاب الضارة التى تنّبتِ عليها. يَجِبُ أَنْ تَعتنوا بالنفس بكدِّ كثيرِ وأَنْ تَقوموا الميول المَلْتوية.
لا تظنوا أنّ النفوس التي تَبِيعني وتقدم ذاتها إلى خطيئة مُميتة، أنها قد بَدأتَ بخطيئةِ مُميتة. عادة ما يبَدأَ السّقوط العظيم بشيء ماِ صغيرِ: شيء ماُ تمتعت به النفس، ضعف، قبول للمحظور، مسرة بما هو غير مُحرّمُ لكنه لَيسَ لائقاً .... بهذه الطريقة، تَبْدأُ النفس بإعماء نفسها، أنها تُنقص في النّعمةِ، الشغف يَقوّي، وأخيراً، تنهزم .
أفهموا هذا: إن كان محزناًَ أَنْ أتلقى الإساءة والجحود من أي نفس، فإنه يكون مُحزناً أكثر عندما تَجيءُ الإساءة والجحود من أحبائي، من النفوس المُختارةَ. على أية حال، الآخرون يُستطيعون أَنْ يعوضوني ويَواسوني.
أحبائى، يا من اخترتُهم لأَجْعلَهم موضع راحتي، يا جنتي المُبهجة، أنى أَتوقّعُ منكم حناناً أعظم، لطفاً أكثر، والكثير جداً من الَحْبَّ.
أنى أَتوقّع منكم أنْ تَكُونَوا البلسمَ الذي يشفىَ جراحي، أتوقع منكم أَنْ تُنظّفواَ وجهي الذى أتسخ وجُعلَ قبيحَاً؛ أتوقع أن تساعدوني بإعطاء النور إِلى نفوس كثيرة عمياءِ تعتقلني فى ظلمةِ اللّيلِ وتقيدني كى تسلمني إلى الموت. لا تَتْركوني وحيداً...استيقظوا وتعالوا، لأن أعدائي قد وَصلُوا!
عندما اقترب الجنود قُلتُ لهم :" ها أنا! " هذه الكَلِماتِ نفسهاِ أُكرّرهاُ إِلى النفس التى عَلى وَشَكِ أَنْ تَسْقطَ في الإغراءِ وأقول لها:" ها أنا,لا يزالَ هناك وقّتُ, وإن أردت، فأنا سَأَغْفرُ لكَ. وبدلاً من أن تقيديني بحبالِ الخطيئةِ، سأقيدك أنا بأربطة الحبِّ ". تعالوا، فأنا من يَحْبّكمَ؛ أنا من لديه الكثير من الشّفقةُ لضعفكِم؛ أنا من يُنتَظِركم بلهفة ليَستقبلكم في أحضانه.

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

عندما ضرب بطرس ملخس، قال له يسوع: " ضع السيف مكانه؛ لأن كل من يأخذ بالسّيف سيهلك بالسيف. أتظن أنى لا أستطيع أن اسأل أبي، وهو يعطيني في الوقت الحاضر أكثر من اثني عشر جيشاً من الملائكة؟ كيف إذن ستتحقق الكتب المقدّسة؟ " ثم قال : " دعنى أشفي هذا الرّجل " واقترب من ملخس ومسّ أذنه وصلّى وشفاه. استمر الجنود الذين كانوا يقفون قريباً، وقادة الجنود والفريسيين السّتة أيضا، بعيداً من أن يكونوا مُتأثرين بهذه المعجزة، استمروا يهينون الرب، وقالوا للحاضرين " إنها خدعة الشّيطان، قوى السّحر جعلت الأذن تبدو مقطوعة، والآن نفس القوة تجعلها تبدو أنها شُفيت. "
حينئذ خاطبهم يسوع ثانية: " كأنكم خرجتم على سارق، بسّيوف وعصى لتعتقلوني. لقد جلست يومياً معكم أعلّم في الهيكل، وأنتم لم تضعوا الأيادي عليً، لكن هذه هى ساعتكم وقوة الظّلمة ". أمر الفريسيون أن يقيدوه بأكثر قوة، وأجابوه بنغمة محتقرة : " أنك لن تستطيع أن تسقطنا بسحرك" أجابهم يسوع لكنى لا أتذكّر كلماته، وهرب كل التلاميذ.
[
CENTER]تأمل الرب يسوع[/CENTER]
إن حادثة أسري اختبار جيدِ، لها الكثير من الأهميةُ. لو لم يضرب بطرس ملخس، لما كان عِنْدَي الفرصةُ كى ألفت انتباهكم إلى الطّريقةِ التى أُريدكَم أَنْ تَستخدموها في النضال من أجلي.
لقد استعملتُ مثالاً كى أُحذّرَ بطرس واعدتُ لملخس أذنَه لأنى لا اَحْبُّ العنف، بَكُونُي إله الحريةِ. لكن لاحظوا أنى حذرته من فعَل هذا، لقد أظهرت لبطرس رغبتى الراسخة فى أن تكون آلامي مُكتملة وقد جَعلته يَتأمّلُ حقيقة أنني إن أردتُ، فالأب سيَحْميني بملائكته.
انظروا كم اجتمعت أشياء عدة في حادثة واحدة فقط؟ لكن الشيء الرّئيسيَ هو بالضبط الدّرسُ الذي يجبُ أَنْ أَعطيه لكم جميعاً فى قتالِ أعدائكمَ. كل من هو مثلي سيفعَْلُ هكذا: سيَسْمحُ لنفسه أنْ يُؤْخَذُ أينما يُريدواَ أَنْ يَأْخذوه، لأنه سَينال فى لحظات القوةُ التي لا يتوقعها العالمِ, قوة ليست مِن قِبل البشر, قوة لا يتوقعها بالخبرةِ الإنسانيةِ، ولا بذكاء حبِّ الذّات .
كلا, إن كل من هو مثلي سيَبْقى في الحالةِ حيث هو وضعُ وسينال قوة مجهولة لكنها قوةَ نشيطةَ كى يتغلب على مضطهديه. تلميذي الحقيقي يَفعَلُ الأمور الأقل احتمالاً بلا أدنى اعتراض على خططي له, إن العالمُ يُسر نفسه بصفات مميِّزة‏ ببَراعَةِ، ويُظهر تفوق خاصته. هذا هو الرّوحُ الذي قَاتلتُه وقَهرتُه. لهذا أقول لكم جميعاً أَنْ تتشجعوا، لأنى قد هزمته، أن العالمِ لا يُستطيع أن يَفعلُ شيئاً الآن كى يَقْطعَ اتحادكم معي بشرط ألا تتحّدوا أنتم معه. إن اتحدتم معه، عليكم أَنْ تَعانوا من النّتائج بالإضافة إلى أننى بنفسي سأُعارضُ انتصاركم بأسلحةِ العالمِ، عديد من المرات سيكون عليكم أن تكونوا كخصومِ للعالمِ ولي, للعالم بسبب حبّه الأناني، ولي بسبب الحبِّ النقى، لأجل محبّة جوهركم الحقيقي الصالح ِ.
لذلك، لا ضرباتُ مثل ضربة بطرس إِلى آذانِ أعدائكمِ ستحميكم بدون قبول كل الكأسِ الذي أقدمه لكم. الكأس الذى ينبغى أن أَنْ تَروا فيه مشيئتى كما رَأيتُ أنا مشيئة أبى عندما سَألتُ بطرس الحبيب : " أَعِدِ السَّيْفَ إِلَى غِمْدِهِ! الْكَأْسُ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ، أَلاَ أَشْرَبُهَا؟؟ "
تأمّلوا دائما فى آلامي وأمعنوا النظر بعمق في روحي واَحْصلُوا على الانطباعات المفيدةُ والتي تحثكم على أَنْ تُقتادوا بى. بالطبع، أنا من سأفعلُ هذه الأشياءِ فيكم لكنكم يَجِبُ أَنْ تُقدّموا ذواتكم، وبعد ذلك، سَتُنجزُون ما أَقُولهُ. آه! لو يستطيع الإنسان أن يَفْهمَ فقط هذا الجانب من آلامي ! كم سيكون أسهل كثيراً أَنْ يُنتجَ وأن يَعِيشَ حياتي مرة أخرى!
تقدموا يا أولادي، فإن كل شيء إنما هو سؤالُ عن الحبِّ، لَيسَ عن أي أمر آخر. عن الحبِّ وعن عملي الذي أُريدُ أَنْ أَتمّمهَ فيكم، وعن أن تَحْبوني أكثر دائما. توقفوا عن أن تفكّروا بطريقهِ بشريةِ؛ اَفْتحُوا أذهانكم إِلى عالميِ، افتحوها إِلى خاصتي الذين معكم. فإن هذا مهمُ!
أنكم لي لثلاثة أسبابِ: أولا لأنى خَلقتكَم من لا شيء, ثانيا لأني افتديتكم, ثالثا لأنكم سَتكنون جزءاً من إكليل مجدي. لهذا يَجِبُ أَنْ تَتذكّرواَ أنّي أَهتمَّ بكَم لهذه الأسباب الثلاثة، وأنى لا يمكن أبداً أَنْ اَفْقدَ اهتمامي بمن قَدْ خَلقتُهم وفديتهم وسيكونون مجدي.
أنكمَ تُقادون نحو هذا الطّريقِ ويَجِبُ أَنْ تُقطعوه كله. كما كَانَ ذلك لي، إنه لَنْ يَكُونَ مفيداً لكم فقط بل لكثير من أخوتكمَ الذين يَجِبُ أَنْ يَنالوا منّي النعمة والحياة من خلالكم. تّقدّموا، لأنى أُبهجُ نفسي بتقدمكم؛ تعلّمُوا، لأن الحبَّ يُريدُ أَنْ يَمتلككمَ بالكامل.
أنى أُبارككم، بركة مليئة بالوعدِ. أَعطيها لكم جميعاً بالقدرة التى تمتّعُت بها أنا كإنسان، قدرة هى لكم، وفرح سَأمنحه مع جائزةِ، جائزة ستُؤكّدُ حبّي اللانهائي لكم. لقَدْ حانت ساعتي؛ السّاعة التى علىّ أَنْ أُكملَ فيها التّضحية، فسلمتُ نفسي إِلى الجنودِ بوداعة الحملِ.

لم يسقط قادة الجنود الأربعة والفريسيين السّتة على الأرض بكلمات يسوع، لأنهم هم ويهوذا، الذي لم يسقط أيضا, كانوا تحت سطوة الشّيطان بالكامل، حيث إن كل أولئك الذين سقطوا ونهضوا ثانية قد تعمدوا بعد ذلك وصاروا مسيحيين؛ إنهم أحاطوا فقط بيسوع، ولم يضعوا الأيادي عليه. ملخس قد آمن فورا من قبل الشفاء الذى ناله، وخلال وقت الآلام كانت وظيفته أن يحمل الرسائل ذهابا وإيابا إلى مريم وإلى رفاق الرب الآخرين.
قيد قادة الجنود يسوع بوحشية بالغة، كانوا وثنيين من أدنى نَسَب‏ وأقوياء وقصار ونشيطين، ببشرة رّملية، تشبه بشرة العبيد المصريين، سيقانهم وأذرعهم ورقابهم كانت عارية.
لقد ربطوا يديه بحبال جديدة صَلبة بإحكام، ربطوا الرّسغ الأيمن تحت المرفق الأيسر، والرسغ الأيسر تحت المرفق الأيمن. طوّقوا خصره بحزام مقوى بقطع من الحديد وقيدوا يديه به, بينما وضعوا على رقبته طوقاً مُغطى بقطع حديدية، وأضافوا إلى هذا الطوق حزامين من الجلد عبّرا صدره كالشال وربطوهما بالحزام. ثم ربطوا أربعة حبال إلى أجزاء مختلفة من الحزام، وبهذه الحبال جروا إلهنا المبارك بطريقة قاسية. الحبال كانت جديدة؛ أعتقد إنها اشتريت عندما قرر الفريسيون أن يعتقلوا يسوع. أشعل الفريسيون مشاعل إضافية، وتحرك الموكب. سار عشرة جنود في الأمام، يتبعهم قادة الجنود الذين أمسكوا الحبال وجروا يسوع، ثم يتبعهم الفريسيون وعشرة جنود آخرين فى المؤخّرة.
هام التلاميذ بعيداً وبكوا وناحوا من الأسى. يوحنا فقط تبع يسوع ومشي على مسافة ليست بعيدة عن الجنود، حتى رآه الفريسيون، فأمروا الحرّاس أن يعتقلوه. فسعوا أن يمسكونه، لكنه هرب، تاركاً في أياديهم الإزار الذي يتغطى به الذي امسكوه منه عندما سعوا أن يقبضوا عليه. لقد تخلص من إزاره حتى يهرب من أيادي أعدائه ولم يحتفظ بشيء سوى ثوب قصير وبدون أكمام وشال طّويل يرتديه اليهود عادة، والذي لفه حول رقبته ورأسه وذراعيه.
تصرّف قادة الجنود بغاية القسوة مع يسوع بينما كانوا يقتادونه؛ لكى يرضوا الفريسيون السّتة، الذين يعرفون إلى أى مدى كانوا يكرهون يسوع. لقد اقتادوه على الطّريق الأكثر وعورة‏، على أحجار مدببة، وخلال الأوحال؛ لقد جذبوا الحبال بإحكام بقدر ما يستطيعون؛ ضربوه بالحبال المعقودة، كجزار يضرب بهيمة على وشك أن تُذبح؛ وقد صاحب هذه المعاملة القاسية إهانات دّنيئة وبذيئة لا أستطيع أن أصوغها.
كانت قدما يسوع عارية؛ كان يرتدى، بالإضافة إلى الثوب العادي، رداء صوفياً بلا حياكة، والعباءة التي من أعلى. لقد نسيت أن أذكر أنهّ عندما اُعتقل يسوع، كان ذلك بدون أي أوامر رسمية أو قانونية؛ لقد عومل كشخص بلا أى حماية من القانون.
مضى الموكب بخطى حثيثة؛ عندما تركوا الطّريق الذي يفصل بين بستان الزّيتون وبستان جَثْسَيْمَانِي ، انعطفوا يميناً، ووصلوا إلى جسر على مجرى قدرون. عندما ذهب يسوع إلى بستان الزّيتون مع التلاميذ، لم يعبر هذا الجسر، بل ذهب من طريق خاصّ يمرّ عبر وادي يهوشافاط، ويقود إلى جسر آخر إلى الجنوب. الجسر الذى اقتاد الجنود يسوع عليه كان طويلاً، لكونه لا يعبر المجرى فقط، الذي كان كبيراً جدا في هذا الجزء، بل أيضاً الوادي، الذي يمتدّ مسافة كبيرة إلى اليمين وإلى اليسار.
لقد رأيت يسوع يسقط مرّتين قبل أن يصل إلى الجسر، وهذا السّقوط كان نتيجة الأسلوب البربري الذي يجره به الجنود ؛ لكن عندما كانوا فى منتصف الجسر أعطوا مُتنفساً كاملاً لميولهم الوحشية، وضربوا يسوع بعنف حتى إنهم القوه من على الجسر في الماء، وأوصوه بازدراء أن يروي عطشه هناك. لو لم يحفظه الرب، لكان قُتل بهذا السّقوط؛ لقد سقط أولاً على ركبتيه، وبعد ذلك على وجهه، لكنه أنقذ نفسه بمد يديه قليلاً، التي مع أنها مقيدة بإحكام، إلا إن رباطها ارتخى، أنا لا اعرف إن كان ذلك بمعجزة أم أن الجنود قطعوا الحبال قبل أن يُلقوه في الماء؟. أن علامات قدميه ومرفقيه وأصابعه قد طُبعت على الصّخرة التى سقط عليها بشكل عجيب، وهذه العلامات قد أُظهرت بعد ذلك لتبجيل المسيحيين. إن هذه الأحجار أقل صلابة من قلوب البشر الغير مؤمنين سواء الذين أحاطوا بيسوع حينئذ، أو الذين يهينونه بطريقه أو بأخرى.

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

أنا لم أر يسوع ينال أى شئ من الماء ليروي العطش الذي أنهكه منذ معاناته في جَثْسَيْمَانِي ، لكنه شرب عندما سقط في قدرون، وأنا؛ سمعته يكرّر كلمات من المزمور 110 : 7 النّبوي " مِنَ النَّهْرِ يَشْرَبُ فِي الطَّرِيقِ لِذَلِكَ يَرْفَعُ الرَّأْسَ "
ما زال الجنود يمسكون بنهايات الحبال المُقيد بها يسوع، لكن كان من الصعب أن يسحبوه خارج الماء من ذلك الجانب، بسبب حائط كان مبنياً على الشّاطئ؛ فعادوا وسحبوه من قدرون إلى الشّاطئ، وبعد ذلك جعلوه يعبر الجسر مرة ثانية، مًصاحبين كل أفعالهم بالإهانات والتجديف والضرب. رداؤه الصّوفي الطّويل، الذي أبتل تماما، التصق بساقيه وعرقل كل حركته، وجعل من شبه المستحيل له أن يمشي، وعندما وصل إلى نهاية الجسر سقط تماما. سحبوه ثانية بطريقة قاسية، ضربوه بالحبال، وربطوا نهايات ردائه المبلّل بالحزام، في نفس الوقت شتموه بأسلوب بغاية الجبن.
لم يكن منتصف الليل قد حان عندما رأيت الجنود الأربعة يسحبون يسوع بشكل وحشي على طريق ضيّق على الشّاطئ المقابل من قدرون، طريق ممتلئ بالأحجار, بقطع من الصّخور ونباتات شائكة‏ وأشواك. كان الفريسيين الستة المتوحشين بقرب يسوع بقدر ما يمكن، ليضربوه بشكل ثابت بعصي مدبّبة وسّميكة، وكانت قدماه العاريتان تنزف وتتمزّق من الأحجار والأغصان الشائكة‏، حينئذ صاحوا باحتقار : " بالتأكيد إن سلفه يوحنا المعمدان لم يُعد الطريق جيداً هنا " أو " إن كلمات ملاخى النبي " ها أنا أرسل ملاكي أمام وجهك، ليمهّد الطريق أمامك" غير مُطبقه عملياً الآن بالضبط " كل دعابة وقحة نطق بها هؤلاء الرّجال حثت الجنود الأربعة على المُبالغة فى القسوة.
أشار أعداء يسوع بأنّ هناك بضع أشخاص يظهرون على البعد؛ لقد كانوا التلاميذ الذين تجمّعوا عندما سمعوا أنّ سيدهم قد اعتقل، والذين كانوا حريصين أن يكتشفوا ماذا ستكون النّهاية؛ لكن رؤيتهم جعلت الفريسيون يضطربون، خشية أية محاولة لإنقاذ يسوع، ولهذا أرسلوا فى طلب تعزيزات للجنود.
رأيت على مسافة قصيرة جدا من مدخل قبالة الجانب الجنوبي للهيكل، الذى يقود إلى قرية صغيرة تدعى أوفيل جنوب جبل صهيون, حيث محل إقامة حنان وقيافا، رأيت فرقة من حوالي خمسين جندياً، يحملون المشاعل، وبدت جاهزة لأي شئ؛ إن سلوك هؤلاء الرّجال كان شنيعاً، كانوا يصيحون صيحات عالية، ليعلنوا عن وصولهم، وليهنّئوا رفاقهم على نجاح مهمتهم. هذا سبّب اضطرابا بين الجنود الذين كانوا يقتادون يسوع، استغل ملخس وبضع من الآخرين ذلك ليغادروا المكان ويهربوا نحو جبل الزيتون.
عندما تركت فرقة الجنود أوفيل، رأيت أولئك التلاميذ الذين تجمّعوا. العذراء المباركة وحوالي تسع من النّساء القديسات، لكونهن مملوءات بالقلق، تقدمن نحو وادي يهوشافاط، يرافقهن لعازر ويوحنا مرقص وابن فيرونيكا وابن سمعان. الأخير كان في جَثْسَيْمَانِي مع نثنائيل والتلاميذ الثّمانية، وقد هرب عندما ظهر الجنود. لقد أعطى العذراء المباركة تقرير عن كل ما حدث، عندما انضمت فرقة الجنود الجديدة لأولئك الذين كانوا يقتادون يسوع، سمعت مريم حينئذ صخبهم العنيف ورأت ضوء المشاعل التى يحملونها. هذا المنظر تغلّب عليها تماما؛ صارت فاقدة الوعي‏، وأخذها يوحنا إلى دار مريم أمّ مرقص .
الجنود الخمسون الذين أرسلوا لينضموا للجنود الذين اخذوا يسوع، كانوا انفصلوا من مجموعة من ثلاثمائة رجل أُرسلوا ليحرسوا بوّابات وضواحي أوفيل؛ لأن الخائن يهوذا قد ذكّر الكاهن الأكبر أن سكان أوفيل, الذين من طبقة العمال، وعملهم الأساسي جلب الماء والحطب إلى الهيكل, كانوا موالين ليسوع، وربما يفعلون بعض المحاولات لإنقاذه. كان الخائن مدركاً أنّ يسوع كان قد ساعد وواسى وشفى أمراض كثيرين من هؤلاء العمّال الفقراء، وأن أوفيل كانت المكان الذى توقّف فيه خلال رحلته من بيت عنيا إلى حبرون عندما قُطعت رأس يوحنا المعمدان. عرف يهوذا أيضا أن يسوع قد شفى عديداً من البناءين الذين جرحوا بسقوط البرج فى سلوام والذين من أوفيل. لقد تعمد الجزء الأعظم من سكان أوفيل بعد صلب يسوع، وانضموا لجماعة المسيحيين الأوائل التي تشكّلت بعد العنصرة، وعندما انفصل المسيحيون عن اليهود شيدوا منازل جديدة، وضعوا أكواخهم وخيمهم في الوادي الذي يقع بين أوفيل وجبل الزيتون، وهناك عاش القديس اسطفانوس. أوفيل كانت على تل إلى جنوب الهيكل، محاطة بأسوار وسكانها فقراء جدا.
أزعجت ضوضاء الجنود نوم سّكان أوفيل الطيبين؛ فجاءوا من ديارهم وركضوا إلى مدخل القرية ليسألوا عن سبب الضّجيج؛ لكن الجنود استقبلوهم بفظاظة وأمروهم أن يعودوا إلى مساكنهم، وأجابوا أسئلتهم العديدة، قالوا: " لقد اعتقلنا يسوع، نبيكم الكذاب, الذى خدعكم بالكامل؛ أن رؤساء الكهنة على وشك أن يحاكمونه وسيصلب", أرتفع البكاء والنواح من كل جانب؛ النّساء والأطفال الفقراء ركضوا ذهاباً وإياباً، يبكون ويعتصرون أياديهم؛ ويتذكرون كل المنافع التى نالوها من الرب، ألقوا أنفسهم على ركبهم لينشدوا حماية السّماء. لكن الجنود دفعوهم جانباً، ضربوهم وأجبروهم على الرجوع إلى بيوتهم صائحين : " أي برهان أخر مطلوب بعد؟ ألا يُظهر تصرف هؤلاء الأشخاص بوضوح أنّ الجليلى كان يحرّض على التّمرّد؟ "
ومع ذلك فقد كانوا حذرين قليلاً في كلامهم وسلوكهم خوفاً من أن يتسببوا فى تمرد شعب أوفيل، ولهذا سعوا فقط أن يبعدوا سّكان القرية عن المناطق التى لابد أن يجتازها يسوع.
عندما كان الجنود القساة يقتادوا يسوع قرب أبوّاب أوفيل سقط ثانية، وبدا عاجزاً أن يخطوا خطوة واحدة، بناء على ذلك قال أحد من الجنود لآخر, لكونه تأثر بالشّفقة " ها أنت ترى أن الرّجل المسكين مُستنزف تماما، أنه لا يستطيع أن يسند نفسه من ثقل قيوده؛ إن كنا نريد أن نصحبه للكاهن الأكبر حياً فلابد أن نحلّ الحبال التي توثق يديه، لكى يقدر أن ينقذ نفسه قليلاً عندما يسقط " توقفت الفرقة للحظة وحُلت القيود، وجلب جندي عطوف آخر بعض الماء إلى يسوع من نبع مجاور. شكره يسوع وتكلّم عن " ينبوع الماء الحيّ " الذي يشرب منه أولئك الذين يؤمنون به؛ لكن كلماته أغضبت الفريسيون، وغمروه بإهانات وبألفاظ مُهينة. لقد رأيت قلبي الجنديين قد أنارت فجأة بالنّعمة؛ لقد آمنا قبل موت يسوع، وانضما فورا لتلاميذه.
بدأ الموكب ثانية، ووصل لبوّابة أوفيل. هنا تعالت ثانية نداءات الأسى والعطف من أولئك المًديونين له بكثير من الامتنان، وكان الجنود يجدون صعوبة هائلة في إبعاد الرّجال والنّساء الذين احتشدوا حوله من كل جانب. لقد شبكوا أياديهم، سقطوا على ركبهم، ناحوا وصاحوا : " أطلقوا هذا الرجل من أجلنا، أطلقوه! من سيُعيننا، من سيواسينا، من سيشفي أمراضنا؟ أطلقوه من أجلنا! " لقد كان مفجعاً حقا أن ينظروا يسوع ووجهه مشوّهاً وشاحباً ومجروحاً وشعره غير مُرتب, وكان رداؤه ملوّثاً، وحرّاسه المتوحشون والسّكارى يجرونه ويضربونه بالعصي كحيوان مسكين يُقاد لذبحة. هكذا اقتيد وسط سّكان أوفيل المفجوعين، المشلول الذى أبرأه، الأخرس الذي أعاد إليه الكلام، والأعمى الذي أبصر، اتّحدوا، في تقديم تضرّعات لأجل إطلاقه لكن دون جدوى.
أُرسل حنان وقيافا وأعداء آخرين ليسوع عديد من الأشخاص من أدنى الطبقات والأكثر انحلالا، لينضموا للموكب وليساعدون الجنود في إساءة معاملة يسوع وفي إبعاد سكان أوفيل. أن قرية أوفيل توجد على تل، ولقد رأيت كثيراً من الخشب موضوع هناك مُعداً للبناء. الموكب كان يجب أن يمضي أسفل التل، وبعد هذا يعبر خلال باب جُعل في السور. شُيدت بجانب هذا الباب بناية كبيرة كانت مُشيدة أصلاً من قبل سليمان، وعلى الجانب الأخر توجد بركة بيت صيدا. بعد العبور من هذا الباب، اتجهوا غرباً فى شارع شديد الانحدار، في نّهايته اتجهوا نحو الجنوب حيث دار حنان. لم يتوقّف الحرّاس عن مُعاملتهم القاسية لمُخلصنا الإلهى، وبرروا مثل هذه التّصرفات بقول إن الحشود التي تجمّعت أمام الموكب أرغمتهم على الشّدة. لقد سقط يسوع سبعة مرات فى المسافة من جبل الزيتون وحتى دار حنان .
كان سكان أوفيل لا يزالون في حالة ذعر وأسى عندما أبصروا العذراء المباركة، تعبر القرية ترافقها النّساء القديسات وبعض الأصدقاء الآخرين فى طريقهم من وادي قدرون إلى دار مريم أمّ مرقص، آثارهم ما زالت تتزايد، وقد جعلوا المكان يتردّد بالبكاء والنواح، بينما كانوا يحيطونها ويحملونها تقريبا على أياديهم.
كانت مريم صامتة من الأسى، ولم تفتح شفتيها حتى وصلت دار مريم أمّ مرقص، حتى وصل يوحنا، الذي قص كل ما رآه منذ أن ترك يسوع فى عُلية صهيون؛ وبعد ذلك بقليل أخذوها إلى دار مرثا، التي كانت قرب دار لعازر. ذهب بطرس ويوحنا، اللذان تبعا يسوع عن بعد، ذهبا بسرعة إلى بعض خدام الكاهن الأكبر الذين يعرفون يوحنا، من أجل محاولة دخول المحكمة حيث سيُحاكم سيدهم. كان هؤلاء الخدم يقومون بدور الرّسل، وقد أمروا أن يذهبوا إلى بيوت الشيوخ, وأعضاء المجلس الآخرين، ليستدعوهم ليحضروا الاجتماع الذي قد دُعي إليه. كما كانوا حريصين أن يلازموا التلاميذ، لكن توقعوا صعوبة كبيرة فى الحصول على أذن لدخولهم المحكمة، فأعطوهم عباءات تشبه التى يرتدونها هم أنفسهم، وجعلوهم يساعدونهم في حمل الرّسائل إلى الأعضاء من أجل أن يدخلوا بعد ذلك محكمة قيافا، ويختلطوا بالحاضرين دون أن يُميزوا بين الجنود والشّهود الكذبة، لأن كل الأشخاص الآخرين كانوا سيطردون. أمثال نيقوديموس ويوسف الرامى، وأشخاص آخرين حسنى النيّة من أعضاء هذا المجلس، أما التلميذان فقد تعهدوا لهما أن يجعلوهما يعرفان ما سيحدث في المجلس .
في أثناء ذلك تجوّل يهوذا فوق وأسفل المنحدرات الشّديدة الانحدار والموحشة التي بجنوب أورشليم، اليأس موسوم على هيئته، والشّيطان يتّبعه ذهابا وإيابا، يملأ خياله بكل الرؤى المظلمة، ولا يسمح له بلحظة راحة واحدة.

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

الفصل السابع عشر
أعداء يسوع يتحايلون لتنفيذ مؤامراتهم ضده

بمجرد أن اُعتقل يسوع حتى تم إبلاغ حنان وقيافا، وبدءا فوراً فى إعداد مؤامرتهم فيما يتعلق بالأعداد لما سُيتّبع. رتبا كل شئ على عجل, أضيئت الغرف ووضُع الحرّس علي المداخل، والرسل بُعثوا إلى أجزاء المدينة المختلفة ليدعو أعضاء المجلس والكتّبة وكل من له دور في المُحاكمة. تجمّع كثيرون منهم في دار قيافا عندما تم الاتفاق مع يهوذا الغادر، ومكثوا فيه لينتظروا سياق الأحداث, كما تجمع الفريسيون والصديقيون وأعضاء حزب هيرودس في أورشليم من كل النواحي للاحتفال بالعيد، وكان لديهم تقارير مطّولة من المجلس عن القبض على يسوع، أرسل رؤساء الكهنة لمن عرفوا إنهم معارضون ليسوع، وطلبوا منهم أن يجمّعوا الشّهود وكل برهان ممكن، ويُحضروا كل شئ أمام المجلس. كان الصديقيون المتفاخرون الذين من الناصرة ومن كفر ناحوم ومن سلوام الذين وبخهم يسوع كثيراً أمام الشعب، مستعدين حتى الموت أن ينتقموا منه. لذا أسرعوا إلى كل الحانات ليبحثوا عن أولئك الأشخاص الذين عرفوا إنهم أعداء ليسوع، وعرضوا عليهم رشاوى من أجل أن يضمنوا وجودهم. لكن باستثناء بضع الافتراءات السخيفة، التي كانت لتفنّد حالما تُحقّق، لاشيء ملموس كان ممكن أن يقدّم ضد يسوع، باستثناء تلك التهم الحمقاء التي كان يسوع قد دحضها كثيراً في المجمع .
أسرع أعداء يسوع بطريقة أو بأخرى، إلى محكمة قيافا، يرافقهم كتّبة وفريسيو أورشليم، وعديد من التّجار الذين طردهم يسوع من الهيكل عندما أقاموا السوق هناك؛ كما رافقهم أيضا علماء الناموس الذين أسكتهم يسوع أمام كل الشعب، وحتى بعض الذي لم يستطيعوا أن يغفروا له المهانة التى تعرضوا لها عندما علمهم في الهيكل عندما كان فى سن الثانية عشرة. كان هناك أيضا حشد كبير من الخطاة الغير نادمين الذين رفض أن يشفيهم، لعودتهم للخطايا التي كانت سبب أمراضهم، وفتية دنيويين رفض يسوع أن يكونوا تلاميذ له، وبعض الأشخاص الجشعين أغضبهم يسوع بسبب المال الذي الذى كانوا يأملون فى امتلاكه ووزعوه بنوع من الرياء على الفقراء. كان هناك أيضاً الذين شفى يسوع أقرباءهم، وقد خابت توقعاتهم فى أن يرثوا أملاكهم؛ وفاسقين تابت ضحاياهم على يد يسوع؛ وعديداً من الأشخاص الحقراء الذين جمعوا ثرواتهم بطرق غير شريفة
كل مبعوثي إبليس هؤلاء كانوا يفيضون بالغضب ضد كل شيء مقدّس، وبكراهية متعذر وصفها ضد قدوس القديسين. لقد كانوا مُحرّضين للغاية من قبل أعداء يسوع، ولهذا تجمعوا في حشود حول قصر قيافا، ليقدّموا كل اتهاماتهم الباطلة وسعوا أن يغطوا هذا الحمل الذى بلا عيب بالعار، هذا الحمل الذي اخذ على نفسه كل آثام العالم، وقبل الصليب ليصالح الإنسان مع الرب.
بينما كانت كل هذه الكائنات الشّريرة تتلقن ما يجب أن تفعله، كان الألم والقلق يملآن قلوب رفاق يسوع، لأنهم كانوا جاهلين بالسر الذي كان على وشك أن يتمّ، وكانوا هائمين متحسرين ويستمعون لمختلف الآراء. كل كلمة نطقوها سبّبت مشاعر مشابهة فى قلوب من خاطبوهم، وأن صمتوا كان صمتهم يُعتبر خطأ. عديد من حسنى النيّة لكنهم ضعفاء وذو شخصيات مترددة خضعوا للتجربة، لقد روّعوا وفقدوا إيمانهم؛ حقاً أن الذين ثابروا كان عدداً محدوداً جدا. أمور تشبه كثيرا مما‏ يحدث الآن، عندما يكون هناك أشخاص يرغبون فى خدمة الرب إن لم يواجهوا بمعارضة من زملائهم ويخجلون من الصّليب إن حُمل باحتقار. قلوب البعض كانت متأثرة بالصّبر البادي على يسوع في وسط آلامه، وانصرفوا صامتين حزانى.

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

الفصل الثامن عشر
نظرة على أورشليم

الصّلوات المألوفة والإعداد للاحتفال بالعيد كان يشغل الجزء الأعظم من مدينة أورشليم الكثيفة السكان، بينما غط الغرباء الذين تجمعوا هناك فى النوم بعد إعياء اليوم، عندما أُعلن القبض على يسوع، اندهش كل شخص، سواء أصدقائه أو خصومه، واستجاب البعض فى الحال لدعوة رئيس الكهنة لحضور المحاكمة، وتركوا منازلهم للتّجمّع في ساحته. مكّن ضوء القمر البعض من أن يتلمّسوا طريقهم بأمان على طول الشّوارع المظلمة والكئيبة، لكن في أجزاء أخرى اضطروا لاستعمال المشاعل. قليل جدا من المنازل قد شيدت بنوافذ تطل على الشّارع، وبشكل عام فإن أبوابها كانت في الساحات الدّاخلية، مما أعطى الشّوارع مظهراً كئيباً أكثر من المعتاد في هذه السّاعة. خُطى الجميع كانت متجه نحو جبل صهيون، وأى مُستمع مستيقظ كان يمكنه أن يسمع أشخاصاً يقفون على أبواب أصدقائهم ويقرعون ليوقظوهم ويستعجلوهم، ثم يتوقّفون ثانية كى يسألون الآخرين، وأخيرا يسرعون نحو صهيون. تجار الأخبار والخدام كانوا يتعجّلون أن يتحقّقوا مما يحدث، من أجل أن يرجعوا ويقدموا تقريراً لمن مكثوا في البيوت؛ وكان تثبيت وتحصين الأبواب يُسمع بوضوح، كما أن عديداً من الأشخاص كانوا حذرين وخائفين من التمرد، بينما قيلت آلاف المقترحات المختلفة وأعطت آراء، كالتّالي : " أن لعازر وأختيه سيعرفون قريبا من هو هذا الرّجل الذي وضعوا فيه مثل هذه الثقة القوية, يونَا وخوزِي وسوسنه ومريم أمّ مرقص وَسَالُومَةُ سيندمون، لكن متأخراً جداً, حماقة تصرفهم؛ سيرغم سيرفيا زوجة سيراخ على الاعتذار لزوجها الآن، لأنه انتقدها كثيراً جدا بتحيزها للجليلي. إن المنحازين لهذا الرّجل المتعصّب، هذا المحرّض على التمرّد، الذى زعم أنه ممتلئ بالشّفقة لن يعرفوا الآن أين يخفون رؤوسهم. إنه لن يجد الآن أحد يلقى ملابسه وينثر أغصان الزيتون عند قدميه. أولئك المنافقون الذين زعموا إنهم أفضل كثيراً من الأشخاص الآخرين سينالون عقوبات مُستحقة، لأنهم متورّطون جميعاً مع الجليلي. إنه عمل جدّي أكثر بكثير مما قد ظُن في بادئ الأمر. أنى لأحبّ أن اعرف كيف سيخرج نيقوديموس ويوسف الرامى منه؛ إن رؤساء الكهنة قد ارتابوا فيهما لبعض الوقت؛ لقد جعلوا من لعازر قضية عامة لكنهم مخدعين بشدة. أن كل شئ سيُكشف الآن على أية حال "
كلام مثل هذا قد نُطق من قبل أشخاص ساخطين، ليس فقط ضد تلاميذ يسوع، بل ضد النّساء القديّسات أيضاً اللاتي كن يجهّزن احتياجاته الدّنيوية، وكن يجهرون علانية وبجراءة بتبجيلهن لتعاليمه وبإيمانهن بمهمته الإلهية.
لكن مع أن عديداً من الأشخاص تكلّموا عن يسوع وتلاميذه بهذا الأسلوب المحتقر، إلا أنه كان هناك الآخرون الذين تمسكوا بآراء تختلف تماماً، وبعض من هؤلاء قد خاف، وآخرون، لكونهم مغلوّبين بالحزن، التمسوا أصدقاء يجدون لديهم العزاء لقلوبهم، والذين يستطيعون أمامهم أن يعطوا متنفساً لمشاعرهم بلا مخافة؛ لكن عدد الذين كان لديهم الجسارة فى إعلان ولائهم ليسوع علانية كان قليلاً.
وعلى الرغم من هذا، حدثت بعض الاضطرابات فى بعض أجزاء أورشليم, في الأجزاء التى وصلها رّسل من قبل رؤساء الكهنة والفريسيون، ليدعوا أعضاء المجلس للاجتماع وكي يدعون الشّهود. لقد ظهرت لي ورأيت مشاعر الكراهية والغضب تجتاح أجزاء مختلفة من المدينة، تحت شكل نيران، نيران تعبر الشّوارع، تتّحد بنيران أخرى وتمضى فى اتجاه جبل صهيون، كانت النيران تتزايد فى كل لحظة وجاءت أخيرا لتستقر عند محكمة قيافا، حيث استقرت مُشكّلة معاً عاصفة من النّار.
لم يكن للجنود الرّومان أى دور فيما يحدث؛ إنهم لم يفهموا مشاعر الشعب الغاضبة، لكن حراسهم تضاعفوا، اُستدعيت كتائبهم، واحتفظوا بمظهرهم الصارم؛ حقا كان هذا مألوفاً في ذلك الوقت بسبب عيد الفصح، وبسبب الأعداد الغفيرة للغرباء الذين يتجمعون فى المدينة. حاول الفريسيون أن يتجنّبوا الاقتراب من الحرس، خوفاً من أن يسألوهم، ومن التخلص من التدنس من قبل أجابه أسئلتهم.
أرسل رؤساء الكهنة رسالة إلى بيلاطس يعلنوا له فيها أسباب إرسالهم لجنود حول أوفيل وصهيون؛ لكنه ارتاب في نواياهم، أنه لم يستطيع أن ينام، بل تجول معظم اللّيل، يصغي إلى التّقارير المختلفة ويصدر أوامر متتالية بناء على ما يتلقاه من بيانات؛ نامت زوجته، لكن نومها تخللته أحلام مخيفة، وناحت وبكت بشكل متعاقب.
لم يتسبب اعتقال يسوع فى أي نوع من مظاهر الأسى فى أى بقعة من أورشليم كما حدث من سّكان أوفيل الفقراء، الذين يعمل جزء عظيم منهم كعمالة مؤقتة والباقين منهم موظفين فى مكاتب حقيرة في خدمة الهيكل. لقد جاءتهم الأخبار بشكل غير متوقّع؛ لأول وهلة شّكوا في صدق التّقرير، وتردّدوا بين الأمل والخوف؛ لكن منظر سيدهم، مانحهم النعم، مُعزيهم، مجروراً فى الشّوارع، مكُدّم وممزّق، ويساء معاملته بكل الطرق القابلة للتخيل، ملأهم بالرّعب؛ وحزنهم ازداد بمنظر أمه المكلومة وهى تجوّل هائمة من شّارع إلى شّارع، يرافقها بعض النّساء القدّيسات، ويسعين إلى الحصول على بعض الأخبار بخصوص ابنها الإلهى. هؤلاء النّسوة القديسات قد اضطررن إلى أن يختبئن في الزّوايا وتحت المداخل خوفاً من أن يكنّ مرئيات من قبل أعداء يسوع؛ لكن حتى مع هذا الحذّر كن كثيرا ما‏ يتعرضن للإهانات ويعتبرن كنساء من النوع السيئ, كانت مشاعرهن تهان على نحو متكرر من قبل سماع الكلمات المؤذية ومن تعبيرات الانتصار من اليهود القساة، ونادرا، نادرا جدا، ما كانت كلمات الشّفقة أو الرّحمة تصل لأسماعهم. لقد استنزفن بالكامل قبل وصولهن لمكانهن، لكنهن سعين إلى مواساة ومساندة كل منهن الأخرى، ولفّفن المناديل على رؤوسهن. عندما جلسن أخيرا، سمعن طرقاً مفاجئاً على الباب، أصغوا بسكون, تكرّر الطرق، لكن بهدوء، لهذا تأكدن أن الطارق ليس بعدو، ومع ذلك فتحن الباب بحذر، مخافة البراعة في الخِداع‏. لقد كان حقا صديق، فسألنه بلهّفة، لكنهن لم يتلقين أى تعزية من كلماته؛ لهذا، عجزن أن يسترحن، خرجن وسرن لبعض الوقت، وبعد ذلك رجعن ثانية إلى مكانهن وهن منسحقات القَلْب‏ أكثر من ذى قبل.
كان أغلب التلاميذ هائمين على وجوههم بين الوديان التي تحيط بأورشليم، وفي بعض الأوقات التجئوا إلى مغارات أسفل جبل الزيتون. بدءوا يتكلمون بنبرات مرتجفة واتصل بعضهم ببعض، وسكنوا فى هدوء وبدون جلبة. أولاً أخفوا أنفسهم في أحد المغائر وبعد ذلك فى مغارة أخرى، بعد ذلك سعوا إلى أن يرجعوا إلى المدينة، بينما تسلّق البعض منهم قمة جبل الزيتون ونظروا بحرص على المشاعل، ليتبينوا من ضّوئها ما يحدث فى صهيون؛ لقد استمعوا لكل صوت بعيد، خمنوا ألف تخمين مختلف، وبعد ذلك رجعوا إلى الوادي، علي آمل أن يحصلوا على بعض الأخبار‏.
أنيرت الشّوارع التى بجوار محكمة قيافا بالقناديل والمشاعل بشكل ساطع، الحشود كلما تجمّعت، كلما ازدادت الضّوضاء والفوضى. اختلطت أصوات الوحوش التي كانت خارج أسوار أورشاليم بهذه الأصوات ومأمأة الخراف. كان هناك شيء ما مؤثر في مأمأة تلك الخراف التي كانت ستُقدم كذبيحة فى اليوم التالي في الهيكل، الحمل الوحيد الذى كان على وشك أن يُقدم كذبيحة بإرادته لم يفتح فاه، كخروف بين يدي الجزار، لم يقاوم، أو كحمل صامت أمام ذابحه؛ وذلك الحمل كان حمل الرب, الحمل الذى بلا عيب, حمل الفصح الحقيقي, يسوع المسيح ذاته .
بدت السّماء مظلمة، كئيبة ومُنذرة, القمر كان محمراً ومُغطّي ببقع شاحبة؛ بدا كما لو أنه يرهب أن يصل إلى كماله، لأن خالقه كان عليه أن يموت.
بعد ذلك ألقيت نظرة خارج المدينة، وقرب البوّابة الجنوبية، نظرت الخائن، يهوذا الأسخريوطى، هائماً على وجهه، وحيداً، وفريسة لعذاب الإحساس بذنبه؛ خائفاً حتى من ظله، وقد تبعته عديد من الشّياطين، الذين سعوا أن يحولوا مشاعر النّدم إلى مشاعر من اليأس الأسود. آلاف الأرواح الشّريّرة كانت تنشط نفسها في كل الأجزاء، لتُغرى الإنسان بخطيئة واحدة وبعد ذلك بالأخرى. بدا كما لو أن أبواب الهاوية قد فتحت، وإبليس يكافح بجنون ويمارس طاقاته الكاملة ليزيد من ثّقل الإثم الذي أخذه الحمل الذى بلا عيب على نفسه.
تردّدت الملائكة بين البهجة والأسى؛ لقد رغبوا بتوهج أن يسقطوا ساجدين أمام عرش الرب، وأن يحصلوا على أذن أن يساعدوا يسوع؛ لكن في نفس الوقت كانوا ممتلئين بالدّهشة، واستطاعوا فقط أن يمجّدوا معجزة العدل الإلهى والرحمة التى وُجدت في السّماء منذ الأزل وإلى الأبد، والتى على وشك أن تتمّ؛ لأن الملائكة تؤمن مثلنا بالرب، الأب القدير، خالق السّماء والأرض، وبيسوع المسيح، أبنه الوحيد، إلهنا، الذي حُبل به من الروح القدس، وولد من مريم العذراء، والذي بدأ فى هذه اللّيلة يتألم فى عهد بيلاطس البنطى، وفى اليوم التالي سيصلب، ليموت ويدفن؛ ينزل إلى الهاوية، يقوم ثانية فى اليوم الثالث، يصعد إلى السّماء، يجلس على يمين الرب الأب القدير، ومن هناك يأتى ليدين الأحياء والأموات؛ ويؤمنون أيضاً بالروح القدس، بالكنيسة المقدّسة، بشركة القديسين، بمغفرة الآثام، بقيامة الأجساد والحياة الأبدية .

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

الفصل التاسع عشر
محاكمة يسوع أمام حنان

وصل يسوع إلى قصر حنان نحو منتصف الليل وعلى الفور اقتاده حرّاسه نحو قاعة فسيحة، حيث جلس حنان مُحاطاً بثمانية وعشرين عضواً من أعضاء المجلس على منصَّة‏ ترتفع قليلاُ عن مستوى الأرض موضوعة قبالة المدخل. جر الجنود يسوع بفظاظة أمام المنصة. كانت الغرفة ممتلئة تماماً، ميزت عدداً من الغوغاء بين جنود وخدم حنان وكذلك الشهود الكذبة الذين ذهبوا بعد ذلك إلى قاعة قيافا .
ابتهج حنان برؤية يسوع لكونه حضر أمامه وكان ينتظر وصوله بفارغ الصبر. تعبيرات وجهه كانت بغيضة، حيث أظهرت كل قسمات وجهه ليس فقط البهجة الشيطانية التي امتلأ بها، بل أيضاً كل خداع ونفاق قلبه. لقد كان حنان رئيس نوع من المحاكم المؤسّسة لغرض استجواب الأشخاص المتّهمين بترويج تعاليم دينية باطلة؛ وإن أدينوا هناك فأنهم يؤخذون حينئذ أمام الكاهن الأكبر.
وقف يسوع أمام حنان. بدا مُسْتَنْفَداً‏ ومنهكاً؛ ملابسه مُغطاة بالطّين، يداه مقيّدتان، رأسه منحنية، ولم يتكلّم بكلمة. حنان كان نحيلاً,‏ سخيفاً, يبدو عجوزاً بلحية غير منسقة. كبرياؤه وافتخاره كانا عظيمين؛ وعندما جلس ابتسم ابتسامة ساخرة مدّعياً أنّه لا يعرف شيئاً على الإطلاق، وبدا مندهشاً تماما باكتشاف أن السّجين الذي قد أُعلم به تواً والذي جُلب أمامه، ليس سوى يسوع الناصري. قال له : " هل هذا ممكن، هل أنت فعلا يسوع الناصري؟ أين إذن تلاميذك وأتباعك العديدين؟ أين هى مملكتك؟ أخشى أن تكون الأمور قد تحولت عما كنت تتوقّعه. أعتقد أن السلطات قد اكتشف أنهّ الوقّت المناسب لوضع نهاية لتصرفاتك العديمة الاحترام نحو الرب وكهنته وإلى انتهاكاتك للسبت. أي توابع لك الآن؟ أين ذهبوا جميعا ؟ أنك صامت! تكلّم أيها المغرّر! تكلّم أيها المحرّض على التمرّد! هل لم تأكل الفصح بأسلوب غير قانوني، في وقت غَيْر ملائم‏، وفي مكان غَيْر ملائم‏ ؟ هل لم ترغب أن تقدّم تعاليم جديدة؟ من أعطاك حق الوعظ ؟ أين درست؟ تكلّم، ما هى معتقدات ديانتك؟
حينئذ رفع يسوع رأسه المرهق ونظر إلى حنان وقال : " لقد تكلّمت إلى العالم علانية؛ لقد علّمت دوما في المجمع وفي الهيكل، حيثما يتردد كل اليهود؛ وفي السّر لم أتكلّم بشيء. لماذا تسألني؟ أسأل أولئك الذين سمعوا بما تكلّمت به؛ إنهم يعرفون بأى أمور قد تكلمت بها إليهم"
عندما أجابه يسوع هكذا أزبد وجه حنان بالغضب والسخط. أدرك خادم ‏ كان يقف بالقرب منه هذا ولطم يسوع فورا على وجهه صائحاً : " أهكذا تجيب رئيس الكهنة ؟ " يسوع شبه وقع من عنف اللطمة، حتى أنه عندما شتمه الحرّاس وضربوه، سقط تماما لأسفل، وتقطّر الدم من وجهه إلى الأرض. دوت القاعة بالضّحك وبالإهانات والكلمات المرّة. سحبه الجنود بفظاظة وأوقفوه وقال بهدوء: إن كنت قد تكلّمت رديا فاشهد على الردى؛ لكن إن كنت تكلمت حسناً، فلماذا تضربني؟ "
غضبً حنان أكثر عندما رأى سّلوك يسوع الهادئ والتفت إلى الشّهود، رغب منهم أن يقدّموا اتهاماتهم. بدءوا يتكلّمون جميعا فى الحال : " أنه زعم أنه ملك؛ أنه يقول أن الرب أبوه؛ لقد قال أن الفريسيون لهم جيل زانى. لقد تسبّب فى تمرد بين الشعب؛ أنه يشفي المرضى بمعونة الشّيطان فى السبت. أن سكان أوفيل تجمّعوا حوله وخاطبوه بلقب المُخلص والنّبي. لقد دعا نفسه يُلقب بابن الرب؛ أنه يقول أنّه مُرسل من قبل الرب؛ أنه يتنبّأ‏ بدمار أورشليم. أنه لا يصوم؛ إنه يأكل مع الخطاة ومع الوثنيين ومع جُباة الضرائب‏، ويرافق نساء ذي سمعة سيئة. منذ وقت قصير قال لرجل أعطاه بعض الماء ليشرب عند بوّابات أوفيل، أنه سيعطيه ماء الحياة الأبدية، من يشرب منه لن يعطش فيما بعد. إنه يغوي الناس بكلمات ذات معنى مزدوج الخ ....الخ .
كانوا جميعاً يصيحون بهذه التهم؛ وقف بعض الشّهود أمام يسوع وأهانوه بينما تكلّموا بإشارات سّاخرة، ومضى الجنود يضربونه، قائلين في نفس الوقت : " تكلّم؛ لماذا لا تُجيب ؟ " أضاف حنان ومناصروه الهزء ليهينوه وكانوا يصيحون في كل مهلة باتهامات أخرى : " أهذا هو التعليم ؟ أليس هو؟ ألا تستطيع أن تجيب على هذا؟ ألست أنت الملك العظيم؛ الإنسان المُرسل من قبل الرب، برهن على مُهمتك " واصل حنان تساؤلاته بنغمة احتقار لاذِع‏ " من أنت ؟ من قبل من أنت مُرسل؟ ألست أنت ابن نجار مغمور‏، أم أنت إيليا الذى صعد للسّماء في عربة نارية؟ أنه يقال أنه ما زال حياً، وقد قيل لى أنك تستطيع أن تجعل نفسك غير مرئي عندما تريد. ربما أنت ملاخى النبي، الذي تقتبس كلماته كثيراً. البعض قال بأنّ الملاك كان أبوه، وأنه أيضاً ما زال حياً. أن منتحل مثلك من الممكن أن ينال الفرصة أن ينتحل صفة هذا النّبي. أخبرني بلا مراوغة، إلى أي نوع من الملوك تنتمى؟ هل أنت أعظم من سليمان؟ على الأقل أنك تتظاهراً بأن تكون هكذا. كن سهلاً، فأنا لن أعد أرفض اللقب والصولجان اللذان تستحقّهما بعدل.
حينئذ طلب حنان رقّ الكتابة، وكتب سلسلة من الكلمات بأحرف كبيرة، وكل كلمة تُعبر عن تهمة مختلفة من التهم التي اتهموه بها ثم طواها ووضعها في أنبوب فارغ صغير ربطها بعناية على قمة قصبة وقدّم هذه القصبة إلى يسوع قائلاً : " أمسك بقضيب المُلك؛ أنه يحتوي على الألقاب، كما أنه يحتوى أيضا على مدى الكرامة التى أنت آهل لها، وعلى الحق فى العرش. خذوه إلى الكاهن الأكبر، من أجل أن يعترف بالكرامة الملوكية، ويُعاملك طبقا لما تستحقه. اربطوا يدي هذا الملك، وخذوه أمام الكاهن الأكبر. "
قيُدت حينئذ يدي يسوع عبر صدره بأسلوب يجعله قادراً على أن يحمل قضيب المُلك المزعوم والذي احتوى على اتهامات حنان، واقتيد إلى محكمة قيافا وسط استهجان وصّيحات الغوغاء والضربات التى انهالت عليه منهم من كل جانب.
لم تكن دار حنان تبعد عن دار قيافا بأكثر من ثلاثمائة خطوة؛ كانت هناك أسوار عالية ومنازل بمظهر عام مشترك على كلا جانبي الطّريق الذي أنير بمشاعل وفوانيس موضوعة على أعمدة، وكانت هناك جموع من اليهود واقفة تتّحدّث بأسلوب هائج وغاضب. استطاع الجنود أن يشقوا طريقهم بصعوبة خلال الحشود، وأولئك الذين تصرّفوا بشكل مخزي مع يسوع في محكمة حنان استمرّوا فى إهاناتهم له وواصلوا تصرفاتهم الخسّيسة خلال كل المدة المنصرفة في المسير نحو دار قيافا. لقد رأيت نقوداً تُعطى لأولئك الذين تصرّفوا بطريقة سيئة مع يسوع من الرّجال المسلّحين الخاصين بالمحكمة، ورأيتهم ينحون عن الطّريق كلَّ الذين نظروهم ينظرون بعطف إلي يسوع. أما الآخرون فقد سمحوا لهم أن يدخلوا محكمة قيافا

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

الفصل العشرون
محكمة قيافا

كان على المرء أن يعبر خلال قاعة كبيرة ليدخل محكمة قيافا، تُسمى القاعة الخارجية؛ من هناك يدخل إلي قاعة داخلية، تمتدّ بطول كل البناية. البناية نفسها كانت طّويلة، وكان هناك في الأمام دّهليز مفتوح محاط من ثلاث جوانب بأعمدة. كانت الأعمدة التى بالجانب الرابع أعلى من باقي الأعمدة، وخلفها كانت توجد غرفة كبيرة كالدّهليز نفسه، حيث وضعت مقاعد أعضاء المجلس على منصة مستديرة مرتفعة عن مستوى الأرض. كانت المنصة المخصّصة للكاهن الأكبر أعلى من الأولى.
كان على الجاني أن يقف في مركز نّصف الدائرة المُشكّلة بالمقاعد. ويقف الشّهود والمدّعين أمّا على الجانب أو خلف السّجين. كانت هناك ثلاثة أبواب خلف مقاعد القضاة تقود إلي غرفة أخرى، ممتلئة أيضاً بالمقاعد. كانت هذه الغرفة تستعمل للمداولات السّرية. وضعت المداخل على يمين ويسار هذه الغرفة وتُفتح على القاعة الدّاخلية المستديرة. أولئك الذين يتركون الغرفة بالباب الذى على الجهة اليمنى كانوا يتجهون نحو بوّابة تقود إلى سجن أسفل أرض الغرفة. كان هناك العديد من السّجون أسفل الأرض، وفي أحد هذه السجون اُحتجز كل من بطرس ويوحنا ليلة كاملة عندما شفيا الرّجل الكسيح في الهيكل بعد العنصرة. امتلأت الدّار والقاعة بالمشاعل والقناديل مما جعلهم يبدوان كما فى نور النهار. كانت هناك نار كبيرة مشتعلة في منتصف الرواق، توجد على كل جانب منها أنابيب تستخدم كمداخن، وحول هذه النّار كان يقف الجنود والخدم والشهود الكذبة الذين أخذوا رشاوى للإدلاء بشهادتهم الكاذبة. كان هناك بضع النساء عملهم هو صبّ نوع من الشّراب الأحمر للجنود.
جلس القضاة حول قيافا وامتلأ الرواق تقريبا من الشّهود الكذبة، بينما مُنع عديد من الأشخاص الآخرين الذين سعوا للدخول ليرضوا فضولهم. دخل بطرس ويوحنا القاعة الخارجية، في زي مسافرين قبل وقت قصير من مجيء يسوع، ونجح يوحنا في النفاذ إلي القاعة الدّاخلية عن طريق خادم يعرفه وأُغلق الباب بعده فوراً، لهذا مُنع بطرس، الذي كان فى الخلف قليلاً. لقد ترجى جارية من الخدم أن تفتح الباب له، لكنها رفضت كل التماساته والتماسات يوحنا، وظل بالخارج حتى لاقى نيقوديموس ويوسف الرامى اللذان جاءا في هذه اللّحظة وأخذاه معهما للداخل. أعاد التلميذان العباءتان اللتان كانا استعاراها وظلا في مكان يستطيعان منه رؤية المُحاكمة ويسمعان كل شيء.
جلس قيافا في مركز المنصة المرتفعة، والتف حوله سبعون من أعضاء السنهدريم، بينما كان يقف الموظفون‏ العموميون والكتبة والشيوخ على كلا الجانبين، والشّهود الكذبة خلفهم. اصطف الجنود من المنصة وحتى باب الدّهليز الذي كان على يسوع أن يدخل منه. كان مُحيا قيافا مهيباً للغاية لكن جاذبيته رافقتها علامات واضحة عن غيظ مكتوم ونّوايا شّرّيرة. كان مرتدي عباءة طويلة ذات لون أحمر مطرّزة بالزّهور ومزينة بحافة مذّهبة ومربوطة علي الأكتاف والصّدر ومزيّنة من الأمام بمشابك ذّهبية. كانت رأسه مغطاة ومزيّنة بأشرطة مُعلقة، الجوانب كانت مفتوحة، وكانت تشبه تاج الأسقف. كان قيافا ينتظر مع تابعيه من المجلس العظيم لبعض الوقت، وبعدم صبر نهض عدة مرات ودخل القاعة الخارجية وسأل بغضب عن مجيء يسوع الناصري وعندما رأى الموكب يقترب عاد إلى مقعده.

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

الفصل الحادي والعشرون
مُحاكمة يسوع أمام قيافا

اُقتيد يسوع عبر القاعة، ولاقاه الغوغاء بالآهات والاستهجان. بينما كان يعبر أمام بطرس ويوحنا نظر إليهما لكن دون أن يلتفت تجاههما لكى لا يكشفهما. وصل بصعوبة غرفة المجلس، حينئذ صاح قيافا بنغمة عالية : " ها أنت قد جئت أخيرا يا عدو الرب, أيها المُجدف يا من تزعج سلام هذه اللّيلة المقدّسة! ". وقام بفتح الأنبوب الذي يحتوى اتهامات حنان والذي رُبط بقضيب الملك المزعوم في يدي يسوع وأتم تلاوته .
استخدم قيافا أسلوباً مُهيناً وضرب الجنود يسوع ثانية وشتموه صائحين : " أجب فى الحال, تكلّم! هل أنت أخرس؟ ", اصبح قيافا أكثر غضباً من حنان وسأل ألف سؤال, الواحد بعد الآخر، لكن يسوع وقف أمامه صّامتاً، وعيناه تنظران لأسفل. حاول الجنود أن يجبروه على أن يتكلّم بضّربات متكرّرة، وبخبث ضغطوا إبهامه في شفاهه وأمروه بسخرية‏ أن يعضّه. ثم نودي على الشّهود.
كان الشهود الأوائل أشخاصاً من أردأ نوعية، اتهاماتهم كانت غَيْر متماسكة ومتناقضة كشهادة محكمة حنان، ولاشيء يمكن أن يُستخلص منها؛ لهذا التفت قيافا إلى الشّهود الرّئيسيين، الفريسيون والصديقيون، الذين جُمّعوا من كل أنحاء البلد. لقد سعوا أن يتكلّموا بشكل هادئ، لكن وجوههم وأسلوبهم أظهرا الحسد والكراهية التي تفيض بها قلوبهم نحو يسوع، ولقد كرّروا مرارا وتكرارا نفس الاتهامات التي أجاب عنها يسوع سابقا عدة مرات : " إنه يشفى المرضى ويطرد الشّياطين بمعونة الشّياطين, إنه يدنّس السبت, يحرّض الناس على الثورة, يدعو الفريسيين سلالة الأفاعي وزناة, توقّع دمار أورشليم, يتردّد على مجتمع جباة الضرائب والخطاة, يحشد الناس حوله كملك ونبي وابن الرب. " وأضافوا : " أنه يتكلّم دوماً عن مملكته، إنه منع الطلاق، دعا نفسه خبز الحياة، وقال إنّ كل مَنْ لا يأكل جسده ويشرب دمه فلن تكون له حياة أبدية
وهكذا حرّفوا وأساءوا فهم كلماته والوصايا التى أعطاها لهم والأمثال التي وضح بها وصاياه، مُعطين لها مظهر الجرائم. لكن هؤلاء الشّهود لم تتفق شهادتهم، لأن أحدهم قال : " إنه يدعو نفسه ملك " وناقضه الثاني فى الحال قائلاً : " كلا، إنه سمح للناس أن تدعوه هكذا؛ لكن عندما حاولوا بشكل مباشر أن يبايعوه كملك، هرب منهم " قال آخر: " إنه يدعو نفسه ابن الرب " لكنه قُوطع من قبل الرابع الذي صاح : " كلا، أنه يُلقب نفسه فقط بابن الرب لأنه يعمل إرادة أبيه السّماوي " بعض الشّهود أعلنوا أنّه قد شفاهم، لكن أمراضهم قد عادت، وأن علاجه المزعوم قد أداه فقط بقوة السّحر. تكلّموا أيضاً عن علاج الرّجل الكسيح الذى عند بركة بيت حسدا، لكنهم حرّفوا الحقائق كي يعطوها مظهر الجرائم، وحتى في هذه الاتهامات لم يستطيعوا أن يتفقوا، وكانوا متناقضين. الفريسيون الذين ناقشوا موضوع الطّلاق ذات مرة معه، اتهموه بأنه يُعلم تعاليم باطلة، وشاب الناصرة، الذي رفض أن يسمح له أن يصبح أحد تلاميذه، كان خسيساً بما يكفي لكى يشهد ضده.
لقد وجدوا أنه من المستحيل تماما إثبات تهمة واحدة، وبدا أن الشّهود يتقدّمون لأجل غرض واحد وهو أهانة يسوع، بدلا من أن أثبات صدق ادعاءاتهم. بينما كانوا يعارضون بعضهم البعض، وظَّف قيافا نفسه مع بعض أعضاء المجلس في سؤال يسوع، وكانوا يحولون إجاباته إلى موضوع من السخرية‏. " أي نوع من الملوك أنت؟ برهن على قوتك! استدع جحافل الملائكة التي تكلّمت عنها فى بستان الزّيتون! ماذا تفعل بالأموال التى تُعطى لك من قبل الأرامل البسطاء اللاتي أغويتهن بتعاليمك الباطلة؟ أجب فى الحال: تكلّم، هل أنت أخرس؟ لقد كان ممكن أن تكون أعقل لو كنت التزمت الصمت عندما كنت وسط الغوغاء الحمقى: لقد تكلّمت هناك كثيرا."
كل هذه الأسئلة كانت يرافقها الضّرب من خدم أعضاء المحكمة، ولو لم يكن يسوع مدعوماً من أعلى، لكان من غير الممكن أن يبقى حياً فى ظل هذه المعاملة. سعى بعض من الشّهود أن يبرهنوا أنّه ابن غير شرعي؛ لكن الآخرين أعلنوا أنّ أمّه كانت عذراء تقية من عذارى الهيكل، وأنها بعد ذلك رأوها مخطوبة لرّجل يخاف الرب. وبخ الشّهود يسوع وتلاميذه لكونهم لا يقدمون ذبيحة في الهيكل. واستمر أعداء يسوع فى اتّهامه بأنه ساحر، وأكد قيافا بضع مرات أن تناقض روايات الشّهود سبّبه السّحر فقط.
قال البعض إنه قد أكل خروف الفصح فى اليوم السّابق، وهذا يناقض الشريعة، وأنه صنع فى السّنة السابقة تعديلات مختلفة في أسلوب الاحتفال بهذه المراسم. لكن الشّهود ناقضوا بعضهم البعض لدرجة أن قيافا ومؤيديه وجدوا أنه لا توجد تهمة واحدة يمكن إثباتها حقا. نودي على نيقوديموس ويوسف الرامى، وطُلب منهما أن يبررا كيف أنهما سمحا له أن يأكل الفصح فى اليوم الخطأ في غرفة تخصهما، فبرهنا لهم من وثائق قديمة أنه منذ زمن بعيد قد سُمح للجليليين أن يأكلوا الفصح فى يوم مبكر عن بقية اليهود. وأضافوا أن كل الطقوس قد مورست طبقا للشريعة، وأنه كان هناك بعض الأشخاص الحاضرين العشاء الذين ينتمون للهيكل. أربك ذلك الشّهود تماما وأزاد نيقوديموس غيظ أعداء يسوع بذكر الفقرات التى تبرهن على صحة الجليلى من واقع السجلات، التى أوضحت السّبب الذى من أجله قد مُنح هذا الامتياز.

https://kabylechretien.alafdal.net

amsellek-iw

amsellek-iw
المدير
المدير

السّبب كان أن الذبائح لم يكن من الممكن أن تنتهي بيوم السبت لو تجمع هذا العدد الهائل سوياً لذلك الغرض ليؤدوا جميعاً المراسم فى نفس اليوم؛ مع أن الجليليين لم يستفيدوا دوما بهذا الحق، ومع ذلك فأن وجوده قد برهن من قبل نيقوديموس؛ وارتفع غضب الفريسيون بإيماءاته بأن أعضاء المجلس قد تسببوا فى أن يهان المجلس بشّدة بتّناقضات روايات الشّهود، وأن الأسلوب الاستثنائي والمُسرع الذي تقاد به القضية قد أظهر أن الحقد والحسد هى الحوافز الوحيدة التي أقنعت المدّعين وجعلتهم يجلبون القضية في لحظة كان الجميع فيها منشغل في الإعداد لأكثر الأعياد مهابة فى السّنة.
لقد نظروا إلي نيقوديموس بغضب ولم يتمكّنوا من أن يجيبوه، لكن استمروا يسألون الشّهود بأسلوب متهوِر‏ وأحمق. تقدّم شاهدان أخيرا وقالا : " إن هذا الرّجل قال أنى سأهدم هذا الهيكل المصنوع بالأيادي، وفى ثلاثة أيام سأبني آخر غير مصنوع بالأيادي." ومع ذلك فحتى هذان الشاّهدان ما اتفقا في شهادتهما، لأن أحدهم قال أنّ المتّهم رغب أن يبني هيكل جديد، وأنه قد آكل الفصح في مكان غير عادي، لأنه رغب فى دمار الهيكل القديم؛ لكن الآخر قال : " ليس هكذا : أن الموضع الذى آكل فيه الفصح قد بنى أيضاً بأيادي بشرية، لهذا لم يكن ممكنا أنه يشير إلي ذلك. "
كان غضب قيافا متعذر وصفه؛ لأن المعاملة القاسية التي عاناها يسوع وصبره الإلهى وتناقض أقوال الشّهود، قد بدأت تؤثّر تأثيرا كبيرا على عديد من الأشخاص الحاضرين، سٌُمعت همهمات قليلة وتأثرت قلوب بعض الذين لم يستطيعوا أن يسكتوا أصوات ضمائرهم. ترك عشرة جنود المحكمة تحت ذريعة التّوعك لكن في الواقع كانت مشاعرهم قد غلبتهم. بينما يعبرون المكان حيث كان يقف كل من بطرس ويوحنا صاحوا : " إن صمت يسوع الناصري، وسط مثل هذه المعاملة القاسية، لهو فوق طاقة البشر: أنه ليُصهر حتى القلوب الحديدية, إنّ العجيب أن الأرض لم تنفتح وتبتلع مثل هؤلاء الفاسقين. لكن اخبرونا، أين يجب أن نذهب؟ " التلميذان أمّا ارتابا في الجنود، أو خافا أن يتعرف عليهم من يُحيطون بهما ويتهموهما كتلاميذ ليسوع، لأنهما أجابا بنغمة كئيبة : " إن كان حقاً قد دعاكم، اتبعوه، وكل شئ سيكون حسناً من تلقاء نفسه. " خرج الجنود فوراً من الغرفة وتركوا أورشليم فى الحال. وقابلوا أشخاص عند أطراف المدينة أرشدوهم إلى المغائر التي تمتدّ إلى جنوب أورشليم، على الجانب الآخر من جبل صهيون، حيث التجأ عديد من التلاميذ. في بادئ الأمر تنبّه التلاميذ برؤية غرباء يدخلون مخبأهم؛ لكن الجنود بددوا كل خوف فى الحال وأعطوهم تفاصيل لآلام يسوع.
كان قيافا بالفعل مُضطرباً واغتاظ تماما من الشهادة المتناقضة للشّاهدين الأخيرين، وقام من مقعده واقترب من يسوع وقال له: " أما تجيب بشيء لما يدعيه هذان الشاهدان؟ "
لم يرفع يسوع رأسه ولا نظر نحو الكاهن الأكبر، مما ازداد غضبه لدّرجة عظيمة؛ والجنود إزاء هذا أمسكوا يسوع من شعره، جاذبين رأسه للخلف، وضربوه أسفل ذّقنه؛ لكنه احتفظ بعينيه تنظران لأسفل. رفع قيافا يديه وصاح بنبرة غاضبة : " أستحلفك بالرب الحيّ أخبرنا إن كنت أنت المسيا المنتظر، ابن الرب الحيّ؟ "
أجاب يسوع بعد تمهل بصوت إلهي : " أنك قد قلت. وأقول لكم أيضاً، منذ الآن سترون ابن الإنسان جالساً على يمين قوة الرب وآتياً على سحاب السّماء "
عندما أعلن يسوع هذه الكلمات، ظهر لي نور ساطع يُحيط به وانفتحت السّماء فوق رأسه ورأيت الآب الأزلى؛ لكن لا كلمات إنسان تستطيع أن تصف المنظر الُمدرك بالحس الذي أجيز لى أن أحياه. لقد رأيت أيضاً الملائكة والصلوات صاعدة تواً إلي عرش الرب.
فى نفس اللّحظة لاحظت هاوية جهنم واسعة مثل نيزك ناري عند أقدام قيافا؛ لقد كانت ممتلئة بالشّياطين المروّعين؛ ضباب مُهلهل فقط ظهر يفصله عن نيرانها المظلمة. استطعت أن أرى الغضب الشّيطاني الذي كان يفيض به قلبه، وبدا كل البيت لي كجهنم. في الوقت الذي أعلن فيه يسوع كلماته المهيبة : " أنا هو المسيح، ابن الرب الحيّ " بدت جهنم تهتز من أقصاها إلى أدناها، وبعد ذلك، بدت وكأنها تنفجر وتغمر كل شخص في بيت قيافا بمشاعر الكراهية المتضاعفة نحو الرب.
عندئذ نهض قيافا، حيث حثّه إبليس ورفع نهاية عباءته وشقها بالسكين ومزعها من أولها حتى نهايتها صائحاً بصوت عالٍ " إنه قد جدف. ما حاجتنا إذن لشّهود؟ لقد سمعتم الآن تجديفه: ماذا تظنون ؟ " نهض كل الحاضرين وصاحوا: " إنه مذنب ويستحق الموت! "
وسط المأساة المرّة التي فاض بها قلب يوحنا، كانت أفكاره مع العذراء؛ لقد خشي أن تّصلها أخبار إدانة ابنها فجأة أو أن يعطيها بعض الأعداء المعلومات بأسلوب قاس. لذا نظر إلى يسوع وقال بصوت منخفض : " إلهى أنت تعلم لماذا أتركك " وخرج بسرعة ينشد العذراء المباركة، كما لو أنه مرسل من قبل يسوع نفسه.
كان بطرس مقهوراً تماماً بالقلق والحزن، لذا كان مُرهقاً مما جعله يشعر بالبرد؛ لهذا، ولأن الصّباح كان بارداً، صعد بجانب النيران ليستدفئ مع عديد من العامة. لقد فعل ما بمقدوره كى يخفي حزنه في حضورهم، كما لم يستطع أن يستقر فى رأيه إن كان سيذهب إلى البيت أم سيظل مع سيده الحبيب.

https://kabylechretien.alafdal.net

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 2 من اصل 6]

انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6  الصفحة التالية

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى