لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأَنقض بل لأُكمِّل ( مت 5: 17
... قال: قد أُكمل. ونكَّس رأسه وأسلم الروح ( يو 19: 30
لقد أعلن الناموس أن المُذنب يجب أن يُدان، وأن الله لا يمكن أن يبرر الأثيم، فأتى المسيح ليخلِّصنا، لكن ليس على أساس نقض الناموس، بل على أساس أن يدفع هو بنفسه عقوبة الخطية حسب ناموس الله.
الناموس كان يُوجب اللعنة على كل مَن لا يعمل به، فأتى المسيح ليموت فوق الصليب موت اللعنة، ليحمل عن مفدييه اللعنة التي كانوا عدلاً يستحقونها، كقول الرسول: «المسيح افتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنةً لأجلنا» ( غل 3: 13 ).
الناموس كان يعلن أن الإنسان محتاج إلى ذبيحة لتفديه، فأتى المسيح ليكون هو بنفسه تلك الذبيحة. نعم، بهذا المعنى أتى المسيح ليكمِّل الناموس. وهو إذ صار الذبيحة، واحتمل اللعنة، ودفع أجرة الخطية، فها هو من فوق الصليب يقول: «قد أُكمل»؟
إن مجيء المسيح، وموته فوق الصليب باعتباره الذبيحة الواحدة الكاملة الحقيقية أنهيا ذلك النظام القديم تمامًا. واسمع ما يقوله الكتاب المقدس عن ذلك «عند دخوله إلى العالم (أي المسيح) يقول: ذبيحةً وقُربانًا لم تُرِد، ولكن هيأتَ لي جسدًا. بمحرقات وذبائح للخطية لم تُسرَ. ثم قلت: هأنذا أجيء في درج الكتاب مكتوبٌ عني، لأفعل مشيئتك يا الله» ( عب 10: 5 - 7). ويعلِّق الرسول على ذلك قائلاً: «ينزع الأول لكي يثبِّت الثاني». فلقد نزع الله العهد الأول، والنظام الأول بذبائحه الدموية التي كانت فقط موضوعة لوقت الإصلاح، وعهد الرموز اضمحل إلى الأبد. ولهذا كانت صرخة المسيح الرائعة من فوق الصليب «قد أُكمل».
ما أعظم صرخة المسيح هذه! إنها تعني أنه قد وَفَى الدين كله، وحمل اللعنة كاملة، وشرب كأس الدينونة حتى آخرها دون أن يُبقي لنا قطرة واحدة منها. والويل لنا ألف مرة لو لم يَقُل المسيح «قد أُكمل» أو لو كان المسيح أبقى لنا ولو مثقال ذرة من الدين لنوفيه نحن، أو لو حَمَل كل خطايانا وترك واحدة فقط لنتولى نحن التكفير عنها بأنفسنا، إذًا لتعيَّن علينا أبدية لا تنتهي في جهنم بلا أدنى أمل في الخروج، ولَمَا كان يمكننا أن نقول في يوم من الأيام هذه العبارة «قد أُكمل». أما الأن ، وقد قال المسيح بديلنا المبارك «قد أُكمل» فهذا معناه أنه قد قضى عنا إلى الأبد، وأنه وفيَّ الدين كله، ولم يُبقِ علينا فلسًا واحدًا لنوفيه نحن.